لا شك أن تجربة اليونسكو لها تداعياتها الكثيرة ودروسها المستفادة سواء لفاروق حسني أو للصحافة والإعلام ولكل الذين تابعوا المعركة أو لمصر كدولة وشعب، والملاحظ أن هذه الدروس الكثيرة سوف يضيع معظمها هباء بسبب ضعف التفكير العلمي في تقييم التجربة، فهناك من اعتبروا أن اليونسكو معركة حياة أو موت، معركة كرامة، معركة شرق وغرب، إسلام ومسيحية...إلخ، وهؤلاء لم يستفيدوا من التجربة ولن يستفيدوا من أي تجربة قادمة، ذلك لأنهم ببساطة لم يضعوا المشكلة، أو القضية بكاملها في حجمها الحقيقي ووضع القضية في حجمها الحقيقي هو من مبادئ التفكير العلمي والتقييم الموضوعي، فالقضية المستحيل أن تكون بهذه الضخامة، وهناك آخرون قيموا القضية من وجهة نظر شخصية، فهم لهم حساباتهم مع شخص فاروق حسني لسبب أو آخر سواء لمواقف شخصية أو لاعتراضهم علي أدائه كوزير ثقافة مصري ولذلك وجدوا في عدم وصوله إلي رئاسة اليونسكو فرصة لتصفية الحسابات، أما الفريق الثالث فهم من المعارضين لنظام الحكم، فأي أمر يقوم به النظام وخاصة الرئيس مبارك عليهم أن يعارضوه بطريقة أو أخري، لكن في النهاية كانت هناك أصوات معتدلة ولها فكر علمي وتقييم موضوعي للموقف رأوا أنه لابد من الاستفادة من التجربة، واستبعاد نظرية المؤامرة، والغرب والشرق والكرامة، وأنها معركة علي منصب عالمي كان يجب أن يكون الأداء فيها أقوي وأكثر عمقًا عما وقع بالفعل، فلا شك أن هناك جهدًا بذل وهذا الجهد مختلف ومتطور عما حدث في استضافة كأس العالم حيث لم تحصل مصر علي أي صوت، فالأداء هنا كان واضحًا أنه ناتج عن تفكير معقول وتدبير جيد، لذلك وصل فاروق حسني إلي التصويت النهائي، وانهزم بفارق أربعة أصوات، إذًا كان الأداء معقولاً وإن لم يكن بالدرجة الكافية للنجاح، وعلينا أن نبحث عن نقاط الضعف في هذا الأداء حيث كان لابد وأن ندرك امتيازات الخصم وأداءه، فالعالم يتطلع إلي المرأة في أي منصب عام يخلو هذه الأيام، وهذه المرأة جاءت من أوروبا من دولة فقيرة لها خلفية شيوعية، ثم أن لها تجارب في العمل باليونسكو، وكان يجب لفريق العمل أن يواجه كل هذا بتقديم المميزات التي يمكن أن تحدث لو وصل فاروق حسني بكل خلفياته إلي المنصب بطريقة وأسلوب تجذب أنظار المصوتين بدلاً من التفرغ للدفاع عن الاتهامات وتقديم الاعتذارات... إلخ. فالعالم يتطلع إلي المختلف وليس المشابه للأوروبي، لذلك اختاروا من قبل الأفريقي والياباني، وهذا التوجه من سمات مثل تلك المنظمات، فدائمًا رئيس مجلس الكنائس العالمي يكون من العالم الثالث، أو أسود البشرة... إلخ، وهكذا في معظم المنظمات الإنسانية، وحتي الأممالمتحدة ذاتها رأينا يوثانت وبطرس غالي وبان كي مون... إلخ، إنهم يحتاجون المختلف أي من خلفية مختلفة والمتميز في نفس الوقت وكان يجب أن يركز فريق العمل علي الاختلاف لا الاعتذار عنه وعن التميز، ولا شك أن فاروق حسني بعد خبرته الطويلة في وزارة الثقافة المصرية وبعد معركة اليونسكو، يستطيع أن يدرك أن الثقافة اتجاه واحد، ورؤية شاملة لا تقبل التفاوض حولها أو التنازل عن أحد معطياتها أو أهدافها لسبب أو آخر، وأن محاولة التوافق مع طيور الظلام سواء كانوا من التيار الديني المنغلق أو مراكز القوي الرأسمالية سوف نفقد التيار الثقافي مصداقيته وبنظرة عامة إلي التيار الثقافي المصري سوف نجده قد انقسم بين فريقين وبشدة للدرجة التي فيها أصبح التيار الثقافي الذي لا يساوم نادر الوجود، وهو ما يضع الكثير علي كاهل وزير الثقافة، إننا نحتاج إلي رؤية شاملة للثقافة المصرية في السنوات القادمة تقيم مصر من عثراتها، يشترك فيها وزير الثقافة ووزير الإعلام ووزيرا التعليم (وقد كان هذا اقتراح فاروق حسني من فترة)، أي مجموعة ثقافية علي منوال المجموعة الاقتصادية، تنقي التعليم والفن والأدب من الخرافة الدينية والفساد السياسي، وهو ما ذكرته في مقال سابق. فهل يمكن أن يتحقق هذا الحلم؟ وهل هؤلاء قادرون علي ذلك أم أن الوقت قد تأخر علي مصر في هذا الشأن؟!