بداية علي الدولة أن تكون علي دراية تامة بما هو دين وبما هو دون ذلك. هذه الدراية لابد أن تكون مستندة إلي أدلة شرعية ثابتة ومستندة إلي مفاهيم الصدر الأول في المعتقدات والعبادات، أما المعاملات المستحدثة فالأمر أوسع، فإذا نظرنا إلي موضوع الموالد والتي أخذت شكلاً متطرفاً لم يكن معهوداً من قبل، فقد كانت ولاتزال الموالد تمثل مظهراً للتخلف والجهل والتجارة المباحة والتجارة المحرمة ومكاناً للهو والطرب ومسرحاً رائجاً للتسول والتواكل وكل هذه المظاهر منفردة أو مجتمعة تكفي لمنعها، ولا نحتاج إلي دليل شرعي علي تحريمها، فما بالنا والأدلة القطعية تدل علي حرمة هذه الموالد حيث التمسح بالقبور واللجوء إلي أصحابها الموتي والطواف حولها وكلها مظاهر لا يقر مشروعيتها إلا جاهل أو غبي، فلماذا إذن الإصرار علي إقامة هذه الموالد بغض النظر عن انفلونزا الخنازير؟ إن الحكومة قد سلكت مسلكاً حميداً حينما لاحظت استغلال الفرق الدينية المعاصرة كالإخوان ومدرسة السلفية المزعومة بالإسكندرية صلاة العيدين في الخلاء فقامت وزارة الأوقاف مشكورة بتنظيم هذه الصلاة وأسندت إلي الجهات المعنية بعيداً عن المهاترات السياسية والحزبية وكذلك قامت الحكومة بتنظيم أو مراقبة أو بمنع الاعتكاف في بعض الأماكن حينما كانت تستغل هذه الشعيرة لأغراض حزبية، وهكذا كنا نتمني أن تسلك الحكومة المنهج السابق بالنسبة للموالد خاصة وقد أخذت ظاهرة الموالد بعداً سياسياً إرهابياً ينذر بشر قادم، فحينما صدرت الأوامر بمنع إقامة الموالد بسبب انفلونزا الخنازير اجتمعت الطرق الصوفية وأعلنت علي حسب ما نشر في الصحف أن منع الموالد يسبب فتنة طائفية بل وصل مداد التخلف أن إلي أعلن بعضهم أن الأولياء وآل البيت سينتقمون ممن تسببوا في ذلك وهذا مربط الخطر الآن الذي لم يكن معهوداً من قبل في الحشود المجتمعة للموالد، فما الذي يمنع أن يثير المغرضون أصحاب الأغراض السياسية بزعم ديني - العوام والدهماء من الناس وما أكثرهم في حشود الموالد فيحدثون الفوضي ويزعزعون الأمن؟! فإذا كان أمر الموالد محسوماً شرعاً بعدم وجود أدلة علي مشروعيتها وثبت لدينا الآن الأضرار الناجمة عن حشد هذه الحشود لأي أغراض سياسية خاصة بعد ظهور مد متطرف جديد ألا وهو التشيع وهو قرين لغلاة الصوفية حيث يحاول هذا المد إثبات وجوده في مصر السنية، وإذا كان زعم الطرق الصوفية المتهالك أن القصد من إحياء الموالد هو التعرض لسير أصحاب الموالد من آل البيت والصالحين، فليكن ذلك من خلال دروس العلم والوعظ والإرشاد بمنهج علمي ثابت بعيداً عن الإفراط والتفريط وبعيداً عن الغلو واختلاق القصص الوهمية لربط الناس بالأموات وترك الحي الذي لا يموت، فهذا إذا كان القصد هو الدين، أما إذا كان القصد غير ذلك فلابد من التصدي لهذه المقاصد الخفية والمعلنة بكل حسم وقوة حتي لا ندفع الثمن غالياً. وفي نفس السياق فقد اطلعت علي تصريح لمحافظ كفر الشيخ نشر في الأهرام بإقامة مولد الدسوقي لمدة أربعة أيام بدلاً من أسبوع مع تكثيف التواجد الأمني وزيادة التوعية من أضرار التزاحم والاستعانة بجميع الأجهزة المعينة لتخطي محظورات الوباء، ولي علي هذا التصريح تعليق مهم لعله يصل إلي المعنيين بالأمر ليدركوا مدي الخطورة. إننا يجب أن نعضد هيبة الحكومة وهيبة الأوامر السيادية والمتعلقة بالنظام العام سواء ما كان متعلقاً بموضوعنا أو بغيره لأن هيبة النظام أساس في استتباب النظام، فحينما تصدر الحكومة أمراً أو قراراً فمعني ذلك أن الحكومة تري مصلحة ملحة من هذا القرار وبالتالي فالتراخي في تنفيذ القرار يؤدي إلي تراخ في القرارات الأخري، فكيف غاب عن محافظ كفر الشيخ مثل هذا الأمر؟ بل كيف تجاهلت حكومة دكتور نظيف مثل هذا الأمر وهو متعلق بمدي قوة الحكومة في تنفيذ قراراتها، إننا بمثل هذه الممارسات نوهن من جهد الحكومة ورجالاتها ونغرس في نفوس الشعب تجاهل وإهمال ما يصدر عن الحكومة من تعليمات ونظم فيؤدي ذلك إلي حالة تنافر وتجاهل بين الشعب والنظام، ومن المعلوم بداهة أن أي خطط تنمية لابد فيها من حسن الإعداد العلمي من قبل الحكومة وحسن الاستقبال من الشعب صاحب المصلحة في هذه الخطط، فإذا نشأ هذا التنافر أو التجاهل بين طرفي المعادلة المذكورة أو نشأ التباغض أو الاستهتار فكيف نحقق تنمية منشودة؟! ومن العجيب أن الحكومة كانت صارمة في منع كبار السن والأطفال من الذهاب إلي العمرة في رمضان لنفس العلة التي من أجلها صدرت القرارات بمنع الموالد، فهل ياتري في فهم محافظ كفر الشيخ وحكومة الدكتور نظيف أن الموالد أعظم شأناً من أداء العمرة؟ فلم هذا التناقض من الحكومة في تنفيذ قراراتها إنه نفس التراخي الذي نراه في المساجد التي ضمت إلي وزارة الأوقاف ولكنها مازالت تحت سيطرة بعض الاتجاهات المتطرفة ولولا طول الكلام لذكرنا هذه المساجد بالاسم والعنوان، فكلنا يعلم القرارات الوزارية المشددة بعدم استخدام مكبرات الصوت في غير إعلان الأذان ومع ذلك لاتزال بعض الاتجاهات الدينية المتطرفة تستخدم المكبرات الصوتية في مساجد تتبع وزارة الأوقاف كالمسجد الذي يجاورني في سكني ويقوم علي شئونه من الباطن الإخوان المسلمون، بل يزداد التناقض حينما نري همة بعض رجال الحكومة تجاه الملتزمين بالقرارات الحكومية فنجد الحرص من هؤلاء علي تنحية هؤلاء الملتزمين وكأن لسان حال بعض رجال الحكومة أنهم ضد الحكومة. والمثال العملي علي ذلك قد حدث معي شخصياً حينما شمر أحد رجال الحكومة بدرجة وزارية فأصدر قراراً شفوياً باستبعادي من المسجد الذي أشرف عليه مع أن المسجد المشار إليه يطبق التعليمات الوزارية بكل دقة حتي حاز قبول ورضاء أهل المنطقة ورجال الأمن، حيث أقوم والفضل لله بالتصدي لكل العناصر المتطرفة التي تتربص بالمسجد المذكور لتعلن عن نفسها والسؤال يتجدد ما الذي دفع رجلاً من رجالات الدولة ليشهر سيفه تجاه من يتبعون النظام ويلتزمونه بل ويحاربون المناهج المتطرفة بكل الوسائل المتاحة؟ وإن كان هذا وجهاً سلبياً من بعض رجالات الحكومة يحتاج إلي نظر وبحث إلا أنه في المقابل هناك وجه القرار الخاطئ المتعجل وقد كان، إن الأمر أكبر من الموالد، فالأمر متعلق بهيبة النظام الذي إن اهتز وقد اهتز فستكون عواقبه وخيمة علي كل الأطراف المعنية وغير المعنية.