من المؤكد أن هناك تفكيرات عميقة في الأوساط السياسية والحزبية المختلفة بشأن الانتخابات البرلمانية المقبلة.. ولا شك أن كل نائب علي حدة (بعيدًا عن حزبه أو أي كيان ينتمي إليه) إنما يسعي إلي تحسين أوضاعه الانتخابية إذا لم تكن إيجابية أو ترسيخها إن كان قد استطاع الاحتفاظ بشعبيته ومكانته في دائرته. ولكن السؤال هو: كيف يمكن للنائب.. أو من يسعي إلي أن يكون نائبًا.. أن يعرف ما هي مستويات قبوله بين الناس.. وارتفاع أو انخفاض احتمالات فوزه حين تجري الانتخابات؟.. هل يكون الطريق الوحيد هو ملاقاته بالابتسامات أو العبوس من قبل الناخبين؟..في الإجابة عن ذلك.. ولأكثر من مناسبة حدثت.. أود أن أسجل أكثر من ملاحظة: - يتمتع حزب الأغلبية دون غيره بآلية موثقة تخصه.. نتجت عن استطلاعات الرأي التي يقوم بها بشكل منظم.. وهي تكشف له ليس فقط موقف نوابه ومرشحيه المحتملين، ولكن أيضًا مرشحي الأحزاب والتيارات الأخري.. لأنه يجري الاستطلاعات علي نطاق واسع وفي عمق الدوائر في جميع المحافظات، بهدف معرفة الأسماء الأكثر تأثيرًا في الناخبين في كل دائرة. ولا أعتقد أن حزب الأغلبية يمكن أن يخادع نفسه.. حين تشير تلك النتائج إلي تراجع كبير جدًا في شعبية عدد هائل من نواب الجماعة المحظورة وبما في ذلك عدد من النواب الموصوفين بالاستقلال عن التيارات السياسية.. كما أنها أشارت إلي استقرار أعداد كبيرة من نواب الوطني أنفسهم.. وإن كانت قد تراوحت معدلات الشعبية بين مستويات مختلفة.. من نائب إلي آخر وبين دائرة وغيرها.. ووصل الأمر إلي حالات استثنائية بلغت أبعد نقطة من الشعبية (فوق ال80٪) لعدد من النواب الممثلين للوطني في بعض من الدوائر.. منهم مثلاً أحمد عز ومحمد أبوالعينين.. شعبيتهم مرتفعة جدًا. - الملاحظة الأهم هنا هي أن المؤشرات لا توحي بتواجد ملموس للمحتمل أن يكونوا نوابا يمثلون أحزاب المعارضة القانونية.. ومن المؤسف أن المؤشرات لا تسجل تأثيرًا محسوسًا لكثير من الأسماء التي تعتقد تلك الأحزاب أن لديها فرصًا للفوز.. هذه ظاهرة خطيرة جدًا.. تفسر لماذا كانت تميل تلك الأحزاب إلي أن يكون قانون الانتخابات بنظام القائمة.. ثم أحبطت حين اكتشفت أنه سيكون بالانتخاب الفردي.. مرشح في مواجهة مرشح. فالأولي قد تضمن فوزًا ولو عددًا قليلاً من مرشحي أي حزب.. والثانية تجعل تلك الاحتمالات ضئيلة.. في ضوء أنه لا يمكن لأي حزب صاحب أغلبية أن يخلي أي دائرة كما تتوهم بعض الأحزاب. وقد يكون الوقت متأخرًا.. فالانتخابات بعد عام.. لكن الفرصة لم تتلاش تماما.. ومن ثم فإنني اقترح علي تلك الأحزاب المعارضة أن تسارع إلي لملمة اشلائها المتناثرة.. وإعلان هدنة ولو مؤقتة بين الأجنحة المتصارعة في كل حزب.. والوقوف خلف نخبة مختارة من المرشحين لعلهم يجدون قدرًا من الحظوظ السياسية.. إذا ما اجتهدوا خلال العام المقبل.. بالاعتماد علي أنفسهم. - الملاحظة الثالثة والتي تلفت نظري كثيرًا أن المناخ الإعلامي الحالي في مصر.. قد أدي إلي نشوء ظاهرة نوع من النواب الذين أسميهم (نواب الغش السياسي).. أي أولئك الذين لم يقوموا بأي عمل برلماني مؤثر.. وربما لا يزيد علي قدر من الصخب.. الذي لا يطعم فما ولا يروي ظمأً.. وعلي الرغم من ذلك فإنهم يلفتون الانظار بشكل أو آخر. وتعود هذه الظاهرة إلي متطلبات برامج التليفزيون الليلية.. تلك التي خلقت ظواهر من السياسيين الذين يحلون ضيوفا برغبتهم أو باستدراج المحطات.. فيتحولون إلي أبطال ومشاهير.. في حين أنهم لم يخدموا دوائرهم.. ولم يحققوا شيئا لناخبيهم.. بينما هم ملء السمع والبصر.. وبينهم نواب يعترفون سرًا في جلسات خاصة بأنهم لم يفعلوا شيئًا، خلال الدورة التي ستنقضي، للناس. إن بعض هؤلاء ليس علي اطلاع كاف بلائحة مجلس الشعب.. أي يمكن وصفه بأنه (أمي برلمانيا ) ولو كان يقرأ ويكتب.. وبعضهم لا تسجل المضابط له أي عمل ملموس.. وهو متواجد في ديكورات واستديوهات البرامج أكثر من تواجده في داخل قاعات اللجان بمجلس الشعب. الرهان هنا علي يقظة الناخب.. الذي عليه أن يقارن ما بين واقعه ووعود نائبه وما بين ما يقوله كل يوم في شاشات البرامج.. ويحكم ضميره.. وبحيث لا يؤثر ميله وانجذابه للنائب المشهور علي قراره الانتخابي. - الملاحظة الأخيرة أخيرة علي الأقل اليوم هي أن بعض (مجسات الرأي) ولا أقول استطلاعاته لأنها علميا ليست استطلاعات.. قد تحدث تأثيرًا سياسيا دون أن يدري بذلك من أعدوها.. ومثال ذلك الاستطلاع الذي قام به مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء.. حول الصورة الذهنية للمواطنين عن مجلس الشعب.. إذ يبدو أن المركز لم ينتبه إلي التدقيق العلمي قبل أن يعلن نتائج تحولت أخبارًا يمكن إدراك أنها بلا أصل.. وأن نتائجها بلا قيمة. يعني مثلا الاستطلاع جري بالتليفون بين 1163 مبحوثًا.. حول من هو النائب الايجابي ومن هو النائب السلبي.. وكانت المفاجأة أن عدد من أجابوا عن السؤال الأول (النائب الايجابي) من العينة 371 فردًا فقط أي 32 ٪.. وعدد الذين اجابوا عن السؤال الخاص بالنائب السلبي 70 شخصًا فقط أي 5.6% .. وكانت أعلي نسبة حصل عليها نائب له تأثير ايجابي لم تتجاوز 8٪ من اجمالي العينة. ومن اللافت أن غالبية النواب العشرة الأوائل الأكثر سلبية والنواب العشرة الأوائل الأكثر ايجابية أسماؤهم وردت في القائمتين.. يعني فريق من المبحوثين - ولا أقول المجتمع -يراهم سلبيين وفريق آخر يراهم ايجابيين.. وهذا في عمق التحليل يعني أنهم نواب فاعلون أكثر من كونهم سلبيين أو ايجابيين.. ومنهم مثلا طلعت السادات ومصطفي بكري وأحمد عز وعبدالرحيم الغول وكمال الشاذلي. ما أريد أن أقوله إن علي مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار أن ينتبه وهو يجري مثل هذه الاستطلاعات لأنه بالتالي يتدخل في اتجاهات الناخبين دون أن يدري.. وبدون أساس علمي.. إذ من يقول إن الفرق بين تقدير الناس للنائب الأول الأكثرإيجابية والنائب الثاني الأكثر ايجابية 62 صوتًا.. في حين أن الثاني شخصية برلمانية عريقة جدًا.. ولها أدوار سياسية مهمة للغاية. Email:[email protected]