مضي ما لا يقل عن تسع سنوات، إن لم يكن أكثر، علي بدء المسيرة السياسية، لأمين السياسات والأمين العام المساعد للحزب الوطني جمال مبارك.. وبقي بعض الكتاب في مصر وغيرها أسير قوالب نمطية في التعامل مع دوره.. وما يقوم به.. يثيرون حوله الأقاويل والانتقادات.. التي لم تتوقف. إن لها- أي تلك الانتقادات- وجهاً إيجابياً دون أن يدري أصحابها، إذ أدت بدورها إلي إكساب مسيرة جمال مبارك الحزبية والسياسية تلك صلادة وقوة.. فهي لم تمنعه من أن يواصل دوره.. وهي في نهاية التحليل ومع استمرارها تقول إنه سياسي لم يسع إلي التحصن.. ومطروح علي الرأي العام.. أفكاره تناقش.. وتصرفاته قيد الحوار.. وهذه في حد ذاتها تكسب ما يفعل كثيرا من مصداقيته. لكن هناك فرقاً بين الانتقاد والنقاش.. وبين التقول والتطاول.. وفي كثير من الأحيان فإنني أرصد تعليقات مختلفة المصادر تكون مجانبة للحقيقة.. سواء في الأخبار التي تستند إليها أو المنطق الذي تذهب إليه في التحليل لكي تعلن ما تقول.. وبالأمس صادفت مثالين لهذا.. أحدهما لكاتب كويتي اسمه فؤاد الهاشم في جريدة الوطن.. والآخر لكاتب مصري معروف بمواقفه المسبقة وأجندته الخاصة المتجمدة وهو رئيس تحرير الدستور إبراهيم عيسي. فؤاد الهاشم، هذا الذي حظي في بعض الوقت بترحيب لا أعرف مبرره في مصر.. كتب فقرة في عموده الأخير يقول فيها ما يلي: علمنا من مصادر أوروبية وثيقة- أن أحد الزعماء العرب فاجأ الوفد المرافق له في زيارته إلي واشنطن وكذلك البيت الأبيض ذاته باصطحاب ابنه معه إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وحدث لقاء رباعي بين الرئيس وابنه مع الرئيس الأمريكي "أوباما" ومستشاره "رام إيمانويل" توجه بعده "إيمانويل" و"ابن الرئيس" إلي مقر منظمة "إيباك" حيث عقدا اجتماعات مطولة مع قادتها الهدف منها الحصول علي دعم "إيباك" و"البيت الأبيض" ل"الابن" في حال توليه سدة الرئاسة في بلده، وفي المقابل، تقوم الجهات القضائية بمحاكمة علنية لخلية "حزب الله" المقبوض عليها بتهم تمس الأمن القومي وإدانة قادة الحزب- بعد ذلك- في محكمة دولية! الرئيس "العربي" أبلغ الأمريكيين بأنه يريد جوابا عن هذا العرض قبل 25 من الشهر المقبل! ومن الواضح أن فؤاد الهاشم يقصد جمال مبارك، من تقوله هذا، إلا إذا كان يقصد مثلا الإشارة إلي زيارة أمير الكويت لواشنطن.. فلم يزرها في أغسطس إلا الرئيس مبارك والشيخ صباح.. ومن الواضح أن لديه مصادر ضعيفة ومؤلفة وخيالها واسع.. ويحتاج إلي أن يمتنع عن التواصل معها مرة ثانية لأنها تكشف عدم دقة معلوماته.. بحيث تذكرني بإحدي النكات الشهيرة.. التي لا داعي لذكرها هنا. لم يفاجأ أحد بأن جمال مبارك كان في واشنطن.. هذا لم يكن سراً.. وقد كان موجوداً كما نشرت في صورة في مقالي قبل أسبوعين في زيارة الرئيس إلي تكساس في عام 2004.. إبان حكم الرئيس الأمريكي بوش.. واللقاء الوحيد الذي تم مع ممثلي الجمعيات والمنظمات اليهودية في واشنطن كان للرئيس في مقر إقامته.. بفندق الفورسيزونز.. وفي حضور كل المنظمات.. ومنها منظمة تنافس إيباك اسمها "جي ستريت".. واللقاء كان علنياً.. وحول موضوع السلام في الشرق الأوسط.. وكل الصحف نشرت تفاصيله.. وإن كان من الواضح أن مصادر فؤاد الهاشم لم تطلع عليها.. وهو بدوره لم يقرأها. والأهم أن جدول أعمال الرئيس ينفي الخبر الذي نشره فؤاد كما لو أنه قد جاء بالذئب من ذيله.. فاللقاء الوحيد الذي جمع الرئيس مع أوباما كان يوم الثلاثاء قبل الماضي.. في البيت الأبيض.. نصف ساعة علي انفراد.. ثم لقاء بحضور الوفدين.. ثم غداء عمل.. بعده انطلق الرئيس إلي القاعدة التي أقلعت منها طائرته.. لا لقاءات سرية.. ولا اجتماعات خفية.. ولا قصة ألف ليلة وليلة هذه التي رواها الكاتب الكويتي غريب الأطوار والأخبار. ولم أعرف عن فؤاد الهاشم أنه كان من بين مناصري حزب الله.. ولست بالتالي أعرف ما هو السبب الذي يدعوه إلي هذا الربط التلفيقي بين زيارة واشنطن ومحاكمة خلية حزب الله في مصر.. إلا إذا كانت الكويت قد ضبطت بدورها خلية للقاعدة تم الكشف عنها في غضون الأيام الأخيرة لأسباب لها علاقة بعلاقة الكويت مع واشنطن. والأهم أن شئون مصر، تعني بها مصر، وتكتسب شرعيتها من داخل مصر، ولاتنتظر إذناً من أحد.. هذا إذا افترضنا أن الكلام المنشور صحيح من الأصل.. وهو غير ذلك علي الإطلاق.. لكنها المصادر الأوروبية التي خدعت الهاشم وجعلته يكتب ما كتب.. بدون أسباب أو مبررات أو منطق أو حتي معلومات دقيقة. وجعلته أي تلك المصادر يتورط فيما فعل.. بدلاً من أن تسرب هذا الذي يقوله لو كان قد حدث مثلا لصحيفة إسرائيلية. إنها جاذبية أخبار جمال مبارك في الإعلام التي تدفع الكثيرين إلي أن يبحثوا عن أي شيء ليكتبوه عنه.. ولو كان تلفيقاً.. وادعاءً.. وأما الكاتب المصري فنعود إلي ما قال في مقاله بالأمس في تعليق أنشره غداً. الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net البريد الإليكتروني: [email protected]