لم يشأ بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ان يستمتع باشادة باراك أوباما له سوي بضع ساعات قليلة فقط. فقد سارع مكتبه باعلان أنه لم يأمر بتجميد اصدار تصاريح بناء جديدة في مستوطنات القدس أو الضفة الغربية، مؤكدا أن الاجراءات القانونية السارية حاليا لوقف التوسع الاستيطاني قائمة من الحكومة السابقة. وهنا لابد وأن يثار السؤال هل تسرع أوباما في توجيه الثناء لنتانياهو؟!.. وهل تفتقد الادارة الأمريكية، رغم امكانياتها الكبيرة، القدرة علي التحقق من صحة أي اجراء أو قرار إسرائيلي قبل أن يشيد به رئيسها؟ الذين يتابعون تصريحات الرئيس الأمريكي لن يجدوا صعوبة في ملاحظة انه صار حذرا فيما يطلقه من تصريحات حول السياسات الإسرائيلية منذ أن التقي قبل عدة اسابيع بزعماء اليهود الأمريكيين.. في هذا اللقاء طالبه هؤلاء بأن يحتفظ بخلافاته مع قادة إسرائيل حول الاستيطان سرا ولا يجاهر به، حتي لا يبدو أنه يمارس ضغوطا علي إسرائيل وحدها، ولا يمارس ذات الضغوط علي العرب. من وقتها والرئيس الأمريكي يتحاشي نقد نتانياهو وحكومته علنا، حتي بعد أن أحرجه نتانياهو باعلان رفضه وقف البناء الاستيطاني في القدس لأنها ستبقي موحدة وعاصمة لإسرائيل. وأقصي ما يفعله حاليا أوباما أو أي من مسئولي ادارته هو الحديث عن اجراءات بناء ثقة مطلوبة من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والعربي. وربما لذلك وجد الرئيس الأمريكي ملاذه في الأخبار التي تحدثت عن تجميد تراخيص البناء الجديدة في الضفة الغربيةوالقدس، للتخلص من السؤال الذي وجه إليه في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس مبارك عما سيفعله اذا رفض الإسرائيليون تجميد الاستيطان.. اراد الرئيس الأمريكي القول انه ليس في حاجة لفعل شيء لأن الاسرائيليين سوف يجمدون الاستيطان كما يطلب منهم، بل ها هم يقررون تجميد تراخيص البناء الجديدة. ولكن.. ماذا كان سيقول الرئيس باراك أوباما اجابة علي هذا السؤال لو تأخر المؤتمر الصحفي بضعة ساعات، وعقد بعد الاعلان الذي صدر عن مكتب نتانياهو، والذي ينفي فيه ان حكومته اتخذت قرارا بتجميد الاستيطان الجديد؟ أغلب الظن أن الرئيس الأمريكي كان سيتهرب من الاجابة علنا عن هذا السؤال، وكان سيتحاشي ما كان يقوله بشكل صريح علنا من قبل هو ومساعديه حول ضرورة التجميد الكامل للاستيطان، حتي لمواجهة ما يسميه الإسرائيليون النمو الطبيعي. وربما اشاد الرئيس الأمريكي بالجزء الآخر من الاعلان الصادر عن مكتب نتانياهو، والذي يقول إن الأسابيع المقبلة ستشهد تطورات في قضية الاستيطان في ضوء التفاهمات الإسرائيلية الأمريكية المتوقعة بعد لقاء نتانياهو مع جورج ميتشيل مبعوث الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط، مؤكدا الاعلان أن الاستيطان هو حاجة حيوية لإسرائيل، ولكن هناك شبكة مصالح دولية واقليمية تأخذها الحكومة في الاعتبار في كل قراراتها، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالبناء الاستيطاني. وتهرب الرئيس الأمريكي من الاجابة علنا عن اسئلة تجميد الاستيطان ليس سببها فقط استجابته لطلب بهذا الصدد لزعماء اليهود الامريكيين ولكن ثمة اسباباً اخري لذلك. فالرئيس الأمريكي لن يتمكن من الزام الإسرائيليين بما كان يريده ويعلنه من قبل وهو التجميد التام وغير المؤقت للاستيطان بما في ذلك البناء الجديد في المستوطنات القائمة لمواجهة النمو الطبيعي، او استكمال ما شرع الاسرائيليون في بنائه من منازل في هذه المستوطنات. والتفاهمات الإسرائيلية الأمريكية التي يتحدث عنها الاسرائيليون حاليا تستثني استكمال البناء في عدد من المنازل. كما ان هذه التفاهمات تتحدث عن تجميد للاستيطان لفترة زمنية محددة، والنقاش يدور الآن حول حل وسط بين ما يطالب به الأمريكيون وهو عام، وما يطالب به الإسرائيليون وهو ثلاثة شهور فقط. ولذلك.. كيف لا يتهرب الرئيس الأمريكي من الاجابة الصريحة عن اسئلة تجميد الاستيطان الإسرائيلي؟.. إنه يريد تفادي حرج اذاقه الإسرائيليون له بالفعل. ولكن ربما يكون خلاص الرئيس أوباما من هذا الحرج الذي أوقعه فيه الإسرائيليون هو التركيزعلي قضايا الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية، وفي مقدمتها ترسيم الحدود للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية.