40 عامًا من الإرهاب تلخص مسيرة قيادات تنظيم القاعدة والذى يعتبر أكبر تنظيم إرهابى عرفته البشرية فى العصر الحديث طوال العقود الأربعة الأخيرة، والذى يبدو أن قواه بدأت تضعف وتخور رويدًا رويدًا، بعد اغتيال رءوس التنظيم وزعيمه أسامة بن لادن والذى جرى قبل 12 عامًا .. لتعود الواقعة لتكرر نفسها بعد اغتيال خليفة بن لادن، وطبيبه جراح العيون أيمن الظواهرى، الذى تم استهدافه بصاروخين «هيلفاير» وهو فى شرفة منزله الآمن فى كابول، وهو الحدث الذى مثل لحظة فارقة للولايات المتحدةالأمريكية، والتى بإعلانها على لسان رئيسها جو بايدن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، أعادت توجيه الأحداث داخل الولايات المتحدة نفسها وليس خارجها، خاصة مع قرب انتخابات التجديد النصفى والتى تأتى فى ظل شعبية تتهاوى للرئيس بايدن، بجانب تفاقم الأوضاع والأزمات الاقتصادية العالمية بفعل الأزمة الروسية الأوكرانية وفيروس كورونا، كما أن هذه الواقعة قد تمحى بعض الذكريات المؤلمة للانسحاب الأمريكى الفوضوى من أفغانستان، فضلًا عن أن الظواهرى هو أحد العقول المخططة والمدبرة لأحداث 11 سبتمبر فى 2001، والتى مثلت نقطة تحول كبرى فى حياة التنظيمات الإرهابية ومواجهة العالم معهم. خبراء: الإدارة الأمريكية تريد تحقيق مكاسب بعد الإعلان عن مقتل الظواهرى
قال العميد خالد عكاشة الباحث فى شئون الحركات المتطرفة أن إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن مقتل أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة يمثل ضربة قوية للتنظيم الإرهابى لما له من تأثير فى مستقبل التنظيم فى ظل عدم مركزية القرار داخل الهيكل التنظيمي، وارتباك فروعه بسبب مقتل القيادات المؤثرة والفاعلة. وأضاف فى «تصريحات خاصة» الإدارة الأمريكية استفادت بشكل كبير من إعلان مقتل الظواهرى لأن مقتله يمثل لحظة مهمة للرئيس جو بايدن ورئاسته المتذبذبة مع اقتراب ذكرى انسحابه الكارثى من أفغانستان نهاية أغسطس 2021وهو ما سيضيف زخم إلى رئاسته بعدما توصل الديمقراطيون فى مجلس الشيوخ إلى اتفاق بشأن مشروع قانون للمناخ والطاقة والرعاية الصحية الأسبوع الماضي» مع قرب انتخابات التجديد النصفى والتى تأتى فى ظل شعبية تتهاوى. وأشار إلى أن الاعلان عن مقتله الظواهرى يعيد إلى الأذهان ذكرى الحرب على الإرهاب لكنه يتزامن مع لحظة تتصاعد فيها التوترات الأمريكية مع بكين كما قد يساعد الإدارة فى إعادة صياغة مراجعات الذكرى السنوية لفشل السياسة الخارجية وذلك فى وقت لاحق من هذا الشهر كما ان تلك العملية تدعم ادعاء بايدن القدرة على استهداف أعداء الولايات المتحدة فى أفغانستان من الخارج. وتابع العملية أيضًا إشارة إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بقدرات استخباراتية فى أفغانستان بالرغم من خروج الدبلوماسيين ومسئولى الاستخبارات والجيش الأمريكى من البلاد العام الماضى ولا شك أن بايدن يمكنه الاستفادة من لحظة ظهوره كقائد أعلى والتى أعلن فيها من البيت الأبيض مقتل عدو أمام الأمريكيين فى محاولة منه لاستعادة جزء من شعبيته المفقودة. وقال عمرو فاروق الباحث فى شئون الحركات الإرهابية أن نبأ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى ضربة قوية للتنظيم الإرهابى الذى سعى لوضع استراتيجية تضمن له البقاء والتمدد من خلال بلورة الدعاية الخداعة المترجمة فى ما يسمى ب«التطرف المعتدل»، فى ظل استحواذ الكيان «الداعشي» على الساحة الجهادية المسلحة، واستقطاب أعداد كبيرة من المرجعيات الفكرية والحركية سواء فى مراحل الصعود والهبوط. وأضاف ل«روز اليوسف» التنظيم «القاعدي» على مدار الأعوام الماضية، فقد عددًا كبيرًا من قياداته المؤثرة التى تركت فراغًا واسعًا فى إشكالية الهيمنة والسيطرة على أفراد وعناصر الكيانات الفرعية الموالية للمرجعية الأم فضلًا عن أزمة تجفيف منابع الاستقطاب وفشل القيادات فى ضم عناصر جديدة تتم صبغتها بالرؤية الفقهية والفكرية والتنظيمية للمدرسة الأولى التى تربعت على قمة الكيانات الإرهابية منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى. وأوضح هناك مكاسب حققتها الادارة الامريكية بالاعلان عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة الحالى أيمن الظواهرى بأن تنظيم القاعدة لم يعد لديه هيكل قيادى لتشكيل تهديد على الولايات المتحدة أو حلفائها كما ان الادارة الامريكية بمقتله تعلن أمام العالم أنها سوت أحد آخر ديون الانتقام المتبقية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وقال طارق أبوالسعد، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، أن أيمن الظواهرى لم يكن يسبب أى مشكلة ميدانية للولايات المتحدةالأمريكية أو لغيرها لكن قتله يعود بالمكسب على أمريكا وحركة طالبان حيث أراد الرئيس الأمريكى جو بايدن، أن يثبت أنه قوى وقادر على مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى استفادة حركة طالبان من مقتل الظواهرى فى إنهاء الارتباط بينها وبين تنظيم القاعدة. وتابع فى تصريحات خاصة: لا مستقبل لتنظيم قاعدة بشكل كبير بسبب ضعف التنظيم، والذى ظهر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وليس لمقتل الظواهرى مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة كانت حركته ضعيفة الفترة الأخيرة لاعتبارات مختلفة وهى انتهاء القيادة المركزية، ولم تعد القيادة المركزية بعد مقتل أسامة بن لادن قادرة على تحريك الأفرع التابعة لها فى الدول، كالقاعدة فى بلاد الرافدين، والقاعدة فى بلاد الحرمين، والقاعدة فى اليمن، والقاعدة فى مصر، والقاعدة فى سوريا وغيرها. وتابع: «بن لادن» كان يحركها بشكل مركزى مع قادة ميدانيين، مؤكدًا أن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة قد تزعزعت منذ مقتل أسامة بن لادن، نظرًا لاختيار قادة ميدانيين متعددين، بجانب أن الظروف أجبرتهم على أن كل فرع يدير نفسه بنفسه، فأصبحوا فى غير حاجة لمن يدير القيادة المركزية.
الظواهرى يلقى مصير بن لادن
شكل مقتل أيمن الظواهرى الذى قتل فى ضربة أمريكية فى أفغانستان، بعد هروب دام لأكثر من 37 عامًا ضربة قاصمة لتنظيم القاعدة الإرهابى بعدما أعلن جو بايدن الرئيس الأمريكى مقتله فى ضربة شنتها مسيرة أمريكية فى كابول بعدما توارى لسنوات عند الحدود الأفغانية الباكستانية حيث قال بايدن «العدالة تحققت وتم القضاء على هذا الزعيم الإرهابى». وبموجب اتفاق السلام عام 2020 مع الولايات المتحدة، وافقت طالبان على عدم السماح للقاعدة أو أى جماعة متطرفة أخرى بالعمل فى المناطق الخاضعة لسيطرتها. وكررت مجددًا هذا مؤخرًا بعد الاستيلاء على كابول فى 15 أغسطس الماضى. ولد أيمن محمد ربيع الظواهرى فى 19 يونيو 1951، من عائلة متميزة من الطبقة المتوسطة، وفيها العديد من الأطباء وعلماء الدين وكان جده ربيع الظواهرى إمامًا فى جامعة الأزهر، وكان عمه عبد الرحمن عزام السكرتير الأول لجامعة الدول العربية إلا أن مسار حياته تحول إلى تكفير المجتمع والسلطة الحاكمة والحث على محاربتها بكل الوسائل من خلال نشاطه وسط جماعات الإسلام السياسى بعد أن انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين فى سن مبكرة، بعد تأثره بكتابات المنظر الرئيسى لجماعة الإخوان الإرهابية سيد قطب فظل منتظمًا فى صفوفها أثناء دراسة الطب حتى تخرج فى جامعة القاهرة سنة 1974 ليخدم بعدها 3 سنوات جراحًا فى الجيش، ثم يحصل فى سنة 1978 على ماجستير فى الجراحة ثم انضم إلى منظمة «الجهاد» المتطرفة التى أصبح زعيمها فى ما بعد وقد أمضى ثلاث سنوات فى السجن بتهمة الضلوع فى اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 الذى اتهمت منظمة «الجهاد» بالضلوع فيه. وسافر لاحقاً لباكستان وأفغانستان فى عام 1985 بعد أن تواصل مع أسامة بن لادن، ولم يعد لمصر منذ ذلك الحين، حيث سافرت له زوجته الأولى التى توفيت هناك، ثم سافر للسودان وأسس تنظيم القاعدة مع بن لادن، وانضمت إليه مجموعة من عناصر تنظيم الجهاد المصرى. وتولى الظواهرى قيادة جماعة الجهاد بعد عودتها للظهور فى العام 1993، وكان التنظيم وراء سلسلة من الهجمات داخل مصر، بما فيها محاولة اغتيال رئيس الوزراء آنذاك عاطف صدقي، وصدر على الظواهرى حكم بالإعدام غيابيًا لدوره فى الكثير من الهجمات فى البلاد. ونفذت جماعة الجهاد الإسلامى المصرى بقيادة الظواهرى هجوماً على السفارة المصرية فى إسلام أباد بباكستان عام 1995، وفى يوليو 2007، قدم الظواهرى التوجيه لحصار مسجد لال، وكانت المرة الأولى التى يتخذ فيها الظواهرى خطوات متشددة ضد الحكومة الباكستانية، ويوجه المسلحين الإسلاميين ضد باكستان. فى موازاة ذلك، وفى عام 1998 تم إدراج أيمن الظواهرى ضمن لائحة الاتهام فى الولايات المتحدة لدوره فى تفجيرات السفارة الأمريكية. كان الطبيب الشخصى لبن لادن ويعد ذراعه اليمنى وقد ظهر إلى جانبه فى عدة تسجيلات مرئية بثت بعد اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر 2001وأسس مع بن لادن فى بيشاور (باكستان) فى فبراير 1998ما سميت ب«الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين»، وفى يوليو 2007 ظهر أيمن الظواهرى فى شريط مرئى مطول يحث فيه المسلمين حول العالم على الانضمام إلى حركته الجهادية والالتفاف حول تنظيم القاعدة، وفى الشريط ذاته حدد الظواهرى استراتيجية القاعدة المستقبلية، وقال إن التنظيم، على المدى القصير، يهدف إلى مهاجمة مصالح من وصفهم ب«الصليبيين واليهود»، قاصدًا بذلك الولايات المتحدة وحلفاءها فى الغرب وإسرائيل أما على المدى الطويل فقد اعتبر الظواهرى إسقاط الأنظمة فى العالم مثل السعودية ومصر، هى الهدف الأساسي، داعيًا إلى استخدام أفغانستان والعراق والصومال كمناطق للتدريب، وفى 8 يونيو 2011، أصدر الظواهرى بيانًا يحذر فيه الأمريكيين من أن اسم أسامة بن لادن سيستمر فى "إرعاب" الولايات المتحدة حتى من قبره. تولى الظواهرى قيادة التنظيم فى أعقاب مقتل بن لادن على يد قوات أمريكية فى الثانى من مايو عام 2011، واستطاع منذ ذلك الحين الهروب من الملاحقة بالاختباء فى المناطق الجبلية على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان حتى أعلنت أمريكا مقتله.. وكان اسم الظواهرى فى قائمة تضم 22 من أهم الإرهابيين المطلوبين للولايات المتحدة ما بعد عام 2001، ورصدت الحكومة الأمريكية مكافأة بقيمة 25 مليون دولار لمن يساعد فى الوصول إليه.
مؤشرات بقرب نهاية التنظيم.. وسيف العدل يقترب من الخلافة
رغم مختلف المؤشرات التى توحى بقرب نهاية تنظيم «القاعدة» وانحداره بشكل كبير، يظل محمد صلاح زيدان، المكنى ب«سيف العدل»، المولود فى مصر عام 1963، أحد مكونات معادلة البقاء والتمدد لكونه يمثل المرجع والخبير العسكرى المؤثر فى قطاع وفروع التنظيم التى أصابتها الهشاشة والتفكك. انتمى سيف العدل إلى تنظيم الجهاد قبل أن ينخرط فى القتال إلى جانب المقاتلين الأفغان لطرد الروس من أفغانستان فى ثمانينيات القرن الماضى، لينضم لتنظيم القاعدة الذى أسسه أسامة بن لادن، وتدرج فى المواقع القيادية حتى تولى عضوية مجلس شورى التنظيم، وكان بمثابة الرجل الثالث فى الهرم القيادى بعد بن لادن والظواهري، حيث كان يلقب بوزير دفاع التنظيم بعد أن تولى مسؤولية الملف الأمنى. «سيف العدل» يدعى محمد صلاح الدين زيدان ولد عام 1960 فى المنوفية اتهم فى محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا فى مايو عام 1987 كما اتهم فى قضية إعادة إحياء تنظيم الجهاد، إلا أنه تم إطلاق سراحه لعدم كفاية الأدلة. هرب من مصر فى عام 1988 إلى أفغانستان، وانضم إلى مكتب الخدمات وأصبح مدربا فى المتفجرات للمجندين الجدد فى أفغانستان، وظل هناك عقب الحرب على الاتحاد السوفييتى لتدريب أعضاء طالبان المشكلة حديثا وانضم سيف العدل لاحقًا إلى أسامة بن لادن فى السودان بعد 1994 كما ترأس العدل أيضًا اللجنة العسكرية للتنظيم. كان «سيف العدل» ضابطًا سابقًا فى الجيش المصري، وارتبط بتنظيم «الجهاد المصرى»، وفقاً للمعلومات التى ذكرها برنامج مكافحة الاٍرهاب الأمريكي، وعمل خبيرًا لصناعة المتفجرات، ومسؤولاً عن «اللجنة الأمنية» لتنظيم بن لادن، وكان من المقربين من الملا عمر حاكم «طالبان» أثناء إقامته فى قندهار. فى مايو 1987، أُلقى القبض على «سيف العدل»، فى القضية المعروفة إعلاميًا ب«إعادة إحياء تنظيم الجهاد»، والتورط فى محاولة اغتيال وزير الداخلية المصرى حسن أبو باشا، قبل أن يُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، ليهرب إلى السعودية، ومنها إلى السودان، ثم إلى أفغانستان عام 1989، وليقرر الانضمام إلى تنظيم «القاعدة». لم يكن «سيف العدل» من المؤسسين الأوائل لتنظيم «القاعدة»، لكنه مارس دورًا أساسيًا فى بناء القُدرات العسكرية والتأهيلية للتنظيم، بفضل خبراته العسكرية التى تكونت خلال مرحلة التحاقه بالصاعقة المصرية. الكثير من الأسس والخبرات والتجارب للموسوعة العسكرية لتنظيم «القاعدة»، وضعها «سيف العدل»، والتى أصبحت فى ما بعد مرجعًا للتنظيمات الإرهابية، مثل المداهمات الأمنية، وطرق تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات، والرصد والمتابعات، وطرق جمع المعلومات العسكرية والاستخباراتية، وكيفية استهداف العناصر المراد اغتيالها، وغيرها من القُدرات التأهيلية التى عززت من قوة تنظيم« القاعدة». فى بداية التسعينات من القرن الماضي، سافر «سيف العدل» إلى الصومال لإقامة معسكرات تدريبية للمسلحين، لاستهداف قوات حفظ السلام، لا سيما الأمريكيين منهم، وحينها وجهت إليه الولايات المتحدة الأميركية، التورط فى قتل 18 مجندًا أمريكيًا، فى مقديشو عام 1993. عرضت واشنطن، مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تؤدى إلى اعتقاله، ووضعت اسمه على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالى (أف بى آى) لأبرز الإرهابيين المطلوبين. خلال الاجتياح الأمريكى لأفغانستان بعد أحداث 11 (سبتمبر) 2001، اتجه «سيف العدل» برفقة عدد من قيادات «القاعدة» إلى إيران، فى إطار تفاهمات بين الجانبين، ومنها تمكن من الإشراف على مجموعة من العمليات الإرهابية المنسوبة للتنظيم، وأدى دورًا مهمًا فى تفجيرات الرياض فى (مايو) 2003، ما دفع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة للضغط على طهران لسجنه، وبالفعل تم وضعه تحت الإقامة الجبرية.