منى وفيق شاعرة و قاصة وفوتوغرافية مغربية من مواليد 1981 بالرباط ، اشتغلت أيضًا محررة بالصفحات الثقافية لعدد من الدوريات والصحف العربية وحصلت على العديد من الجوائز أهمها: جائزة مجلة هاى الأمريكية، جائزة راديو بى.بى.سى، جائزة مجلة العربى الكويتية و جائزة نادى جازان الأدبى السعودي. صدر لها مجموعتان قصصيتان موسومتان ب«نعناع، شمع وموت» عن دار شرقيات بالقاهرة و «لُعب دوت كوم» عن دار آفاق بالقاهرة ، و 3 دواوين شعرية «فانيليا سمراء» عن دار أزمنة بالأردن «نيون أحمر» عن دار النهضة العربية ببيروت و«حافة حادة لنصف صحن مكسور» عن دار روافد بالقاهرة ولها قيد الكتابة ديوان شعرى بعنوان «مِن أنثى شامبانزى إلى داروين» ومجموعة قصصية «سقوط فى فخ التعادل».
■ منذ 2012 لم تصدرى أى مجموعة قصصية ، هل انتهت علاقتك بالقصة بعد آخر مجموعاتك «لُعب دوت كوم».. وإن لا، هل ستبقين مخلصة لأجزاء السبيكة التى لطالما وحدتْ قصصك (الفانتازي،الفلسفى والوجودي)؟. قبل سنوات، كنت مدعوة على العشاء مع مجموعة من الصديقات والأصدقاء، ودار حديث حول النشر بين «فخرى كريم» صاحب دار المدى والكُتاب الحاضرين ولما جاء دوري، تساءل عن صِغر سنى و لهفتى للنشر و شدّد على أنه ليس من الضرورى أن أتسرع فى إصدار أعمالى بل قد يكفى إصدار عمل واحد حتى لو فى سن متقدمة مادام سيكون قويًا ومختلفًا ، أيامها كنت شابة صغيرة سعيدة بإصدار كتابين، مستغربةً ومتجاهلةً اللغط والضجيج الدائر حول مصادرة ديوان بسيط خرج من كيس لُعب الشاعرة الطفلة «فانيليا سمراء».. لم أتنبه تمامًا لحديثه إلا بعد سنوات طويلة.. اليوم أنا مقتنعة تماماً أن القاص الجيد يكتب قصصاً قليلة، ومن جهة أخرى و أهم، إن لم يكن ثمة فى إبداعى إضافةٌ للأدب عموماً وجديد على المستوى الإنسانى والشخصى فلن أَخرج بأى عمل لا فى القصة ولا فى الشعر. حاليًا، أشتغل على فكرة جديدة، أزعم أن لا أحد سبقنى إليها.. فى رمضان كنت متحفزة جدًا للانتهاء من مجموعتى القصصية المقبلة والبحث عن ناشر بعد العيد، لكننى هدّأتُ إن لم نقل قَتلتُ نشوة الرغبة فى النشر. صحيح أن الفكرة جديدة لكنها تستوجب اشتغالًا جادًا ومكثفًا ومتأنيًا على مستوى الكتابة وشكل النص وجوهره ليخرج العمل كما أتمناه وكما يستحق. العنوان المبدئى لمجموعتى القصصية القادمة هو «سقوط فى فخ التعادل» التعادل أحيانًا كثيرة انتصار حقيقي، وأنا لا أقبل الخسارة .. أبداً. أؤمن بأن ما أتخيله أكيد التحقق، إن لم يكن متحققًا فعليًا فى زمن أو جغرافية ما خارج الأرض أو عليها يحتاج الواقع إلى أن يتحرر و نتحرر معه والخيال ،هو من يتكفل بذلك لأنه هو الواقع الحقيقى والمتخفي. ونعم، أنا مخلصة لاختيارى الوجودى الفانتازى والفلسفى كما تفضلتَ وسألت، لكن بشكل أنضج لأن عيونى مستمرة فى التخلص من العمش. ■ الملاحظ أنك تجسدين مشاعر المرأة بوجدانية عالية الإحساس وتترجميها كنص أدبى من خلال كتاباتك .. كيف حققت هذه المعادلة ؟ - فى مرة قال لى أحد أبشع أنواع المخلوقات التى قابلتها فى حياتي «لم أصادف نهائيا شخصا صادقا ونقيا مثلكِ». أنا شخص صادق جدا، مُتّسق مع ذاته،يراهن على رهافته وهشاشته، يحافظ على رقته فى عالم شديد القسوة، يشعر على الدوام بأنه لو جَرب أن يكذب فسيفضح نفسه بنفسه ابتداءً، لهذا ستجد منى وفيقًا دائما فى دور منى وفيق بكل تناقضات شخوصها العديدة وفى مختلف فساتين اللحم التى قد ترتديها. ■ فى زمن الإنترنت والعولمة... تُرجمت نصوصك للغات أجنبية أخرى، هل يشغلك الانتشار العالمى وتحفزك ترجمة أعمالك للغات حية أخرى؟ أدهشنى نوعًا ما تفاعل الأجانب قُراءً وكُتاباً و مترجمين مع نصوصى خصوصًا فى السنتين الأخيرتين. الانتشار حلم أيّ كاتب ولعلّى كنت مغتبطة للغاية بترجمة نصوصى إلى لغات أخرى.. وماذا بعد؟ حتى النصوص الرديئة أصبحت تُتَرجم بفعل العلاقات والصداقات والولاءات والمصالح وتكريس تخلّف الآخر وما أكثر الواوات.. ثم الترجمة أحياناً أيضاً هى الأخرى قد تكون غير عادلة، ترفع من نص ضعيف وتُقزّم من نص رائع، لكننى اليوم وأقولها بكل صدق،لم أعد معنيّة لا بالانتشار ولا بالترجمة أكثر من كونى أريد أن أكتب وأُنصت للريح. وبعد أن كنتُ أكتب لأشعر بالحب، أن أُحِب وأن أُحَب،أكتبُ الآن طامحةً إلى أن أهدأ يوما ما وأَجفْ وأصيرَ قابلة للقرمشة داخل فاه الوجود كما لو أننى رقائق تشيبس بنكهة الباربيكيو، وأكثر ما صار يرضينى هو أن يحمل إلى صديق أو أحد متابعينى أو معارفى ذلك الخبر «بعد أن أرسلتُ له \نصا لكِ، سألتنى صديقة\ صديق، هل حكيتَ لهذه الكاتبة عني؟ إنها تكتب كما لو أنها تعرفني». حسناً.. أُحِبُّنى منسية وإن حضرتُ فى كلامهم فهو حظ ولا بأس.. أنْ أخيط جروح مَن يتخيلون أنفسهم وحيدين، أنْ أخيطها بجروحى لتنتهى إلى غابة خضراء شاسعة هو ما يشغلنى ويواسى همّى الإنسانى الهائل. ولمّا تساعد الترجمة على هذا الفعل فبالتأكيد ستجدنى ممتنّة لها ومبتهجة أكثر. ■ كيف تطوعين مرجعيتك الثقافية والحياتية لتكون رافداً لتجربتك الإبداعية. وليست عبئا عليها؟ التمرين الأهم والأصعب فى الكتابة: التقاء الكتابة مع الحياة. الحياة والكتابة هى خلطة العظماء. أؤمن أن من لا يَدفع فى الحياة لا يحسن الكتابة. مرافعاتى كانت دائما وستبقى لصالح الحياة. من المهم أن يكون الوعى النقدى عاليا جدا، والاهتمام بالحياة كرافد للأدب سلوك عظيم. الحياة قليلة، أما السّخاء، فهو تفسيرنا للأحداث.. وها أنا أحاول الانتباه إلى العالم ما استطعت.. أحاول أن أكون حقيقية فى حياة قليلة كاذبة،، حتى وإنْ كنتُ كاذبة لدى البعض. ستبقى رمّانة اللغة غصّةً ولن أتمكّن من أن أكل حبّاتها كاملةً. أعرف.. أنا أعرف. ■ هل فكرت فى خوض كتابة الرواية ؟ متأخرة ًجدا سأبدأ فى كتابتها. عند اقتراب نهاية رحلتى إلى هذا الكوكب الصغير الأحمق. ستكون رواية وحيدة أقرب إلى السيرة الذاتية أو لنقل الصندوق الأسود.سيحمل عنوانُها لقبَ عائلتى الذى سيفاجئ كثيرين. سأوصى بالبحث عن ناشر يطبعها بعد موتى مباشرة، سأهديها إلى كل الذين أهدوا إليّ الألم مُغلّفاً بأغلفة أنيقة، وأولئك الذين تركتهم يتجمدون فى أفكارهم الخاطئة عنّى.. دون أن أشرح نفسي. قبل أن تسألنى لماذا لا أريد طبعها إلا بعد وفاتى، سأخبرك. أشخاص كثر ينتظرون طيلة حياتهم بأن يروا نظرة الندم فى عيون من أساؤوا إليهم أو خذلوهم أو ظلموهم وقد يرونها فعلا لكن أنا لا أريد أن أرى تلك النظرة لأنها لا تهمنى ولأن ذلك العقاب الذى اخترتُه لهم هو أقسى أنواع العقاب.. ألاّ تعطى فرصة للشخص المعنى بإظهار ندمه.. أن تفاجئه بأنك كنت تعرف أكثر بكثير مما كان يبدو عليك. هى رواية عن أفراد عائلتى كذلك، عن أشخاص لو كتبوا لجعلوا كُتابا كثيرين يحسبون أنفسهم عظماء واستثنائيين يخجلون. المتفردون الحقيقيون هم من عاشوا حياة تستحق أن تُحكى لكن ألمهم الوحش، مانحجم نحن عن تسميته ونخفيه، أَكَلَ أصابعهم وسَخّف من اللغة كجسد مستتر، بل وجعل الوشوم على أرواحهم تسخر من المسودات والإصدارات وحفلات التوقيع. ■ هل تعملين منفردة من ناحية البحث والإبداع وتنتمين الى جيل مجتهد ومبدع عمومًا من ناحية أخرى ؟ يقول سعدى يوسف «أسير مع الجميع وخطوتى وحدى»، أعتقد أننا جميعنا كذلك. نلعب، كلٌّ بطريقته الخاصة، فى فريق الأدب الواحد، ونسجل لصالحه وأحيانا كثيرة ضده ليضحكَ منّا فى سره. صحيح أن الكتابة فى حد ذاتها ضرورة وفعلٌ استعجاليان لكنّ الكلّ اليوم أصبح يكتب ويسارع إلى النشر بشكل مجنون. عموما وحده الزمن كفيلٌ بالغربلة. أيضاً أجد من المؤسف حقا أن يجلد بعضنا تجارب البعض الآخر مع أن فعل الكتابة فى حد ذاته هو الأنبل والأهم والأكثر قدرة على التخليص والتفكيك. فيما يخصني، أنا لا أشعر بالإنتماء حتى إلى نفسى فى أحايين كثيرة ولا تشغلنى سوى محاولات الخروج من كل شيء وشخص بل مِن وجهى نفسِه. منذ ولجت عالم النشر والكتابة وأنا بعيدة عن أجواء المثقفين إلا فيما ندر، لدى معارف كثر فى الوسط الثقافى ولكن صداقاتى قليلة جدا. على الكاتب أن يبقى بعيدا مخلصا للكتابة وحدها وها أنا مستمرة فى العمل بشكل أكثر جدية من أكثر وقت مضى على تجربتى الإبداعية الخاصة لأخرج فى النهاية معتدة ولو بنص واحد حقيقى لا يشبه أى نص آخر.