بينما يتأهب الطرفان كل على حدة، استعدادًا لحرب محتملة قد تدق طبولها فى أى لحظة، أعلن ناطق باسم الجيش البولندى عن بدء نقل التعزيزات الأمريكية إلى بولندا، «فى إطار طمأنة الحلفاء القلقين من التوتر الروسى ألأوكرانى». وقال الميجور برجنيسلاف ليتشينسكى: «وصلت طلائع الجنود إلى مطار يسيونكا»، جنوب شرقى البلاد، مضيفا أن الجزء الأكبر من الكتيبة الأمريكية، وقوامها 1700 جندى، «ستصل قريبًا»، وفق ما ذكرت وكالة فرانس برس. وأوضح أن الاستعدادات اللوجيستية «بدأت منذ الأسبوع الماضى»، والسبت حطت طائرة على متنها جنود من الفرقة الأمريكية 82 المحمولة جوًا فى يسيونكا. كانت الولاياتالمتحدة قد أعلنت، الأربعاء، إرسال 3 آلاف جندى أمريكى إضافى إلى أوروبا الشرقية، للدفاع عن دول حلف شمال الأطلسى «من أى اعتداء»، وسط محاولات دبلوماسية لإقناع موسكو بسحب قواتها المحتشدة على حدود أوكرانيا. وتضاف القوات الأمريكية الجديدة إلى 8500 جندى وضعهم الرئيس الأمريكى جو بايدن فى حال تأهب، نهاية يناير، ليتم نشرهم فى قوة الرد السريع التابعة للحلف الأطلسى إذا لزم الأمر. ويتهم الغربيون موسكو منذ نهاية عام 2021 بحشد آلاف الجنود على حدود أوكرانيا، تمهيدًا لغزو محتمل، وهو ما تنفيه روسيا، مؤكدة أنها «تسعى فقط لضمان أمنها».
70 بالمائة من القوات الروسية على الحدود..
مقابل ذلك، قال مسئولان أمريكيان: إن روسيا لديها الآن نحو 70 بالمائة من القوة القتالية التى تعتقد أنها مطلوبة للقيام بغزو شامل لأوكرانيا، وإنها ترسل المزيد من مجموعات الكتائب التكتيكية إلى الحدود مع جارتها. وأبلغ المسئولان، اللذان طلبا عدم نشر اسميهما نظرا لحساسية المعلومات، رويترز بأنه خلال الأسبوعين الماضيين ارتفع عدد مجموعات الكتائب التكتيكية بمنطقة الحدود من 60 إلى 83 حتى يوم الجمعة وهناك 14 مجموعة أخرى يجرى نقلها حاليًا. وقال المسئولان: إنه بالنسبة لتوقيت القيام بغزو فإن من المتوقع أن تصل الأرض إلى ذروة التجمد فى حدود 15 فبراير بما يسمح للوحدات العسكرية الروسية بعبور الطرق الوعرة. وسوف تستمر مثل هذه الظروف حتى نهاية مارس.
إغلاق نافذة الدبلوماسية..
وربما يشير هذا الجدول الزمنى مع تزايد عدد وقدرات القوات الروسية قرب حدود أوكرانيا إلى إغلاق نافذة الدبلوماسية. ولم يقدم المسئولان الأمريكيان دليلًا يدعم تقديراتهما لحجم القوات الروسية. ومع قيام روسيا بحشد أكثر من 100 ألف جندى قرب الحدود فإنها تنفى التخطيط لغزو أوكرانيا، لكنها قد تقوم بعمل عسكرى إذا لم تُلب مطالبها الأمنية. وتشمل هذه المطالب عدم قبول أوكرانيا، مستقبلًا، عضوًا فى حلف شمال الأطلسى، وهو مطلب قال الحلف والولاياتالمتحدة إنه غير مقبول. وإذا اختار الرئيس الروسى الخيار الأكثر تشددًا، فيمكنه تطويق العاصمة الأوكرانية كييف وإطاحة الرئيس فولوديمير زيلينسكى فى غضون 48 ساعة، وفقًا لهؤلاء المسئولين. وحذروا من أن النزاع ستكون له كلفة بشرية كبيرة فى ظل خطر تسببه فى مقتل ما بين 25 و50 ألف مدني، وما بين 5 و25 ألف جندى أوكراني، وما بين 3 و10 آلاف جندى روسي. كما يمكن أن يتسبب فى تدفق مليون إلى 5 ملايين لاجئ، بشكل رئيسى إلى بولندا.
ووسط تلك الاستعدادات من الطرفين، تنشط حركة دبلوماسية حثيثة تستهدف إقناع موسكو بسحب قواتها المحتشدة عند حدود أوكرانيا، فيتوجه الرئيس الفرنسى والمستشار الألمانى إلى موسكو وكييف، يبدأها ماكرون بموسكو، اليوم الاثنين، وكييف، الثلاثاء، بينما يزور أولاف شولتس كييف يوم 14 فبراير وموسكو يوم 15 فبراير.
تأتى الزيارات رفيعة المستوى بينما دعمت الصين مطلب روسيا بتراجع الناتو عن التوسع فى أوكرانيا، وبعد اتهام الولاياتالمتحدة للكرملين، الخميس، بوضع مخطط محبوك لفبركة هجوم القوات الأوكرانية والذى قد تستخدمه روسيا كذريعة لاتخاذ تحرك عسكري، فيما لم تقدم الولاياتالمتحدة معلومات مفصلة تدعم المزاعم التى نفتها موسكو بقوة. ورغم أن فرنسا لاعب أساسى فى الناتو وتنقل قواتها إلى رومانيا ضمن استعدادات التحالف لتحرك روسى محتمل، فقد دفع ماكرون بقوة نحو الحوار مع بوتين وتحدث إليه مرات عدة خلال الأسابيع الأخيرة. ويعقد الاثنان اجتماعًا شخصيًا مغلقا، اليوم الاثنين، وفقًا لمكتب ماكرون. ويتبع ماكرون التقليد الفرنسى فى سلك مسار منفصل عن الولاياتالمتحدة فى الشئون الجيوسياسية، فضلا عن محاولة وضع بصمته الخاصة على هذه الأزمة والدفاع عن مصالح أوروبا.
من جانبها، أكدت ألمانيا ضرورة استخدام الصيغ الدبلوماسية المختلفة فى التعامل مع التوترات كما رفضت إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، ما أثار حفيظة بعض الحلفاء، إذ واجه شولتس أيضا انتقادات فى الداخل مؤخرًا لعدم التواجد بشكل واضح فى الأزمة. لكن بعد أسابيع من المحادثات بعدة صيغ دبلوماسية التى لم تؤد إلى تنازلات كبيرة من جانب روسيا أو الولاياتالمتحدة، أصبح من غير الواضح مدى تأثير زيارته.
وترى موسكو أنّ تهدئة التوتر حول أوكرانيا لن يكون ممكنًا إلا إذا تخلى حلف شمال الأطلسى عن سياسته التوسعية فى البلدان المجاورة لروسيا. ورغم رفضهم هذا المطلب، يريد الأوروبيون والأميركيون مواصلة الحوار مع موسكو فى شأن مخاوفها الأمنية. وقبل يومين، أجرى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، زيارة إلى أوكرانيا، أكد خلالها أن أى غزو روسى لأوكرانيا سيكون كارثة، لافتًا إلى أن تداعيات الأزمة سترتد على موسكو التى تقول إن الغرب لا يراعى مطالبها الأمنية.
الخيارات العسكرية تستبق السياسية
تعليقا على تلك التحركات، يقول الأكاديمى المختص بالشأن الدولى طارق فهمي، إنه بالتأكيد الزيارات مهمة وهناك أيضًا اتصالات ولقاءات مستمرة لإنقاذ الموقف ونزع فتيل الأزمة ولكن هناك تطورات خطيرة جزء منها مرتبطة بالمناورات العسكرية التى تجريها روسيا فى بيلاروسيا وهناك حشود عسكرية وكلها تمثل رسائل مباشرة للولايات المتحدة. مضيفًا أن «الصين مع روسيا واليابان مع الغرب وهناك قوى أخرى اتبعت أنصاف حلول وأشباه خيارات مثل فرنساوألمانيا رغم قبولهم فكرة نشر قوات أمريكية فى شرق أوروبا، وهناك دول أخرى تحاول لعب دور مهم فى الأزمة كالمجر التى أجرت محادثات وضغوطات على روسيا لوقف التصعيد. وأوضح أن هذا الأمر معناه أننا أمام سيناريو مفتوح وأن الخيارات العسكرية تستبق الخيارات السياسية فى هذا التوقيت، حيث إن الإدارة الأمرى كية تصعد مع روسيا وهناك تحسبات لمواقف ربما تبدو جديدة كفرنساوألمانيا والأخيرة لا ترغب فى مواجهة عسكرية وهناك تحفظات داخل بعض دول حلف الناتو خصوصًا الدول الجديدة لجنوب غرب وشرق أوروبا فى هذا الإطار. وأشار إلى أن الاستعدادات العسكرية والمناورات الروسية التى تجريها فى هذا التوقيت ستكون خطيرة وستدفع نحو عسكرة الأزمة، لافتًا إلى أن أميركا الآن باتت تخطط لما بعد الغزو وليس منع هذه الأزمة، وبالتالى ستستثمر روسيا هذا الموقف وستتعامل معه بصورة كبيرة فى ظل حالة التجاذبات المفروضة على كل الأطراف. وتابع: «أعتقد أن روسيا تستقوى بالصين فى إطار رفض بكين لأى خيارات عسكرية فى هذه المنطقة، ومن ثم فكل السيناريوهات مفتوحة وكل المشاهد أيضًا واردة فى إطار الأزمة الأوكرانية».