وكأن الشعب المصرى كتب عليه أن يبقى دائماً تحت رحمة حكم الأقليات.. فالحزب الوطنى الذى كان مجمل عدد أعضائه بمن فيهم المنافقون والمتقربون من الحكومة الفاسدة.. لا يزيد عددهم على 3 ملايين عضو.. وكانوا بالتزوير يحصلون على الأغلبية فى كل البرلمانات.. ويفرضون سطوتهم وتشريعاتهم الباطلة على جموع الشعب المصري.. ومن الجلسة الأولى يستولون على رئاسة اللجان الفرعية داخل المجلس وتصبح الكلمة العليا لهم.. وها نحن نرى نفس المشهد فى مجلس «شيوخ الإخوان والسلفيين».. الذين أيضا لا يتجاوز عددهم حصرياً على مستوى الجمهورية كأحزاب «الإسلام السياسي» أقل من 3 ملايين إخوانى وسلفي.. فإذا بهم تحت عباءة الدين.. وبدعوى أن من ينتخب غيرهم فهو كافر ابن كافر.. استطاعوا أن يحصدوا أصوات البسطاء الطيبين.. الأمر الذى أدى - على سبيل المثال - إلى أن الناشط السياسى القبطى «جورج إسحق» مؤسس حركة كفاية.. لم ينجح فى دائرته ومسقط رأسه ببورسعيد.. وهو معروف لكل تيار الإسلام السياسي.. بمدى إخلاصه للقضايا الوطنية.. وهو واحد من أنبل الفرسان المتيمين بالإخلاص لمصر ولشعبها البسيط. ولكن تيار الإسلام السياسى لديه رغبة عاتية للانفراد بالسلطة.. ورغم أن الإخوان المسلمين لم يحصلوا على نصف مقاعد المجلس.. وأوهموا الناس جميعا بأنهم مختلفون «مع» السلفيين.. بل وإنهم مختلفون «عن» السلفيين إلا أننا جميعا ندرك أنهم داخل المجلس سيصبحون شيئا واحداً.. وهذا ما حدث فى انتخابات لجان المجلس والآن يستعد الإخوان والسلفيون للاستيلاء على ما تبقى من مؤسسات مصر العريقة.. فالمحاولات شرسة وضارية لوضع أيديهم على مؤسسة الأزهر الشريف.. وبدءوا بالفعل بمهاجمة القانون الذى اصدره المجلس العسكرى بشأن استقلالية الأزهر.. ويحاولون أن يجعلوا الأزهر كياناً إسلامياً عالمياً بمعنى أنه يمكن أن يتولى رئاسته أى شيخ معمم من أى دولة عربية أو إسلامية.. بدعوى الحصول على تمويل لمؤسسة الأزهر بأموال طائلة من خارج مصر.. وبذلك تفقد مصر مكانتها الرائدة بين الدول العربية والإسلامية بتدويل «الأزهر الشريف» الذى لعب دوراً رائدا وعظيما فى نشر ما عرف بالوسطية والاعتدال.. وتدريس المذاهب الأربعة فى أروقة الأزهر.. وفى ذلك طمس متعمد لدور مصر الممتد عبر مئات السنين منذ أن انشأ الأزهر قبل ثمانية قرون مضت.. وها هو أمين حزب النور فى مؤتمر جماهيرى وبحضور المتحدث الرسمى «نادر بكار» يهدد أمن وسلامة المجتمع المصرى ويعلن فى بنى سويف على لسان الشيخ سيد العفانى أمين الحزب «هنعلم المرتزقة العلمانيين الأدب.. وهنكتفهم فى عمود لحد ما يبان لهم صاحب»! وأن «الشرعية للبرلمان وليست للشارع».. ولكن الشارع المصرى الذى ثار.. وقدم شبابه الدماء رخيصة من أجل «الحرية.. والكرامة.. والعدالة الاجتماعية».. واسقط النظام.. لم يقدم هذه التضحيات من أجل أن يعلن الشيخ «العفاني» أنه لا شرعية للشارع! فهذا الشارع الذى استطاع أن يقف ضد أعتى ترسانة حربية يمتلكها جهاز مكافحة الشعوب فى المنطقة كلها وبفضل بسالته أسقط نظام مبارك ورجاله الفاسدين.. وهذا الشارع وقف يوم 28 يناير 2012 فى ذكرى جمعة الغضب يهتف ضد المرشد العام «محمد بديع».. وضد المحاكمات الهزلية لمبارك ورجاله الفاسدين.. وكانت الهتافات تقول بكل جرأة: «بيع.. بيع.. بيع الثورة يا بديع».. و«أحلى موتة يا ثوار.. فى الشارع يا أحرار.. زى ما قال عمر المختار.. لينا النصر وليهم العار».. هذا هو الشارع الذى تريد أن تسلبه شرعيته بعد أن منحك شرعيتك يا شيخ «عفاني».. وبدلا من أن يتصدى نواب الإخوان والسلفيين الذين امتلكوا «مجلس الشعب» لتبجح أمريكا.. وتغطرس رئيسها «أوباما» الذى يهدد بقطع المعونات الأمريكية عن مصر.. التى لا تتعدى 200 مليون دولار سنويا.. وسحب المساعدات العسكرية للقوات المسلحة التى تبلغ 1.2 مليار دولار.. لمنع ابن وزير النقل الأمريكى و37 أجنبيا من السفر قبل انتهاء التحقيقات معهم للاشتباه فى تورطهم.. وكان يجب على الإخوان والسلفيين بدلا من تهديد «الليبراليين».. و«العلمانيين».. كان بالأحرى أن «يشجبوا».. و«يستنكروا» تهديدات أوباما الذى يتطاول على مصر.. فى تحدٍ سافر للتدخل فى سلطات القضاء المصرى التى ما زالت تباشر التحقيقات مع 37 أمريكيًا من بينهم ابن وزير النقل الأمريكي.. ولكن هكذا تعودنا من برلمانات الحزب الوطنى السكوت عن حقوق الوطن الأصلية والالتفات لتوافه الأمور.. وها هى الأغلبية البرلمانية الجديدة من الإخوان والسلفيين.. يغضون البصر عن التهديدات الأمريكية.. ويهددون الفصائل السياسية الأخرى بأنهم سيعلمونهم الأدب ويكتفونهم فى الأعمدة حتى يبان لهم صاحاب (!!).