لم تخطئ تقارير المنظمات الدولية حين وصفت عام 2011 بعام التمرد العربي حيث شهد أحداث يصعب سردها في صفحات بل تتطلب مجلدات، فهو العام الذي إندلعت فيه الثورات العربية لتنادي بالحرية ومن بينها ثورة 25 يناير والتي ألهمت وجدان الشعوب وأنهت ثلاثين عاما من الديكتاتورية والاستبداد والحكم الشمولي ولذلك وصفها الكثير من النشطاء بثورة حقوق الإنسان. نحن وعلي مشارف عام جديد «روزاليوسف» رصدت أهم الأحداث الحقوقية التي مرت في مصر خلال 2011 علما بأنه لم يتم بعد إصدار أي تقارير حقوقية شاملة لأحداث أخطر عام في تاريخ الشعب المصري. الشرارة الأولي 25 يناير كانت الشرارة الأولي للانطلاق نحو طريق الحرية حيث دعن مجموعة من الشباب والنشطاء علي الفيس بوك الشعب المصري للنزول الي الشارع للمطالبة بحقوقهم واستجاب لهذا اليوم عدد كبير من الشخصيات والجهات. وكان من أهم الأسباب التي ساعدت علي اندلاع الثورة هي تفشي أوجه الفساد تحت قيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك مع السير بخطي صارمة نحو تكريس فكرة التوريث، مع قسوة الشرطة واستمرار قانون الطوارئ مع سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتزوير إرادة الناخبين في الانتخابات البرلمانية لعام 2010 بالإضافة لآثار مقتل الشاب خالد سعيد وكذلك تفجير كنيسة القديسين وتصاعد حدة التوتر الطائفي. ونجح ألف متظاهر خلال هذا اليوم التاريخي في اجتياز الحواجز الأمنية التي أقامتها الشرطة أمام بوابة دار القضاء العالي، واندفع المتظاهرون في شارع رمسيس يرددون «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» رافعين علم مصر باتجاه ميدان التحرير والذي عرف منذ تلك اللحظة بميدان الشهداء. دماء المصريين ليست رخيصة منذ اندلاع الثورة مرت مصر بأحداث مريرة أسفرت عن سقوط أكثر من 846 شهيداِ وفقا لتقرير هيئة تقصي الحقائق الخاصة بالثورة وآلاف المصابين مع الأخذ في الاعتبار زيادة هذا الرقم نظرا لتفاقم الأوضاع مؤخرا بدءا بأحداث جمعة الغضب الموافق 28 يناير وعمليات ضرب المتظاهرين في مختلف محافظات الجمهورية لتفريقهم بعنف وباستخدام القنابل المسيلة والرصاص المطاطي مرورا بعدة مليونيات شهدها ميدان التحرير والتي تم من خلالها إراقة الدماء المصرية أبرزها ما تعرف بجمعة «المطلب الواحد» والموافق 19 نوفمبر الماضي والتي راح ضحيتها ما يقرب من خمسة شهداء في محافظات مصر المختلفة و حوالي 920 مصابا جراء استخدام القوة المفرطة من جانب جهاز الشرطة حيث وصفت المنظمات الحقوقية هذه الاحداث بالجريمة التي ترتكب في حق الإنسانية مما يمثل انتهاكا فاضحا لجميع القوانين والمواثيق. الأقباط واجه الأقباط خلال عام 2011 العديد من المجازر الدموية التي نتج عنها سقوط العديد ولعل من أبرزها هي تداعيات الاعتداء علي كنيسة الشهيد مار جرجس وحرقها مع عدد من منازل الأقباط بقرية المريناب التابعة لمركز إدفو بشمال أسوان يوم الجمعة الموافق 30 سبتمبر، علاوة علي عمليات تهديد وترويع المواطنين داخل منازلهم. ويبدو أن الأقباط كانوا من أكثر الفئات المضطهدة خلال العام، فلم تمض أحداث المريناب، حتي تفاجئنا الأقدار بمذبحة أبشع منها وهي مذبحة ماسبيرو والتي راح ضحيتها 25 قتيلا و300 مصاب حيث قامت قوات الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزي بعمليات دهس المتظاهرين السلميين الذين خرجوا لتأييد حقوق المواطنين الأقباط في منطقة ماسبيرو وسط القاهرة يوم التاسع من أكتوبر الماضي وطالبت المنظمات بضرورة تشكيل هيئة تحقيق مستقلة لا استثنائية، رافضة أن تتولي النيابة العسكرية التحقيق في القضية باعتبارها جزءاً من المؤسسة العسكرية التي يتهمها مصابون ومتظاهرون بالقتل، والتي لا يمكن اعتبارها طرفًا محايدًا في هذه القضية. المرأة وسط جميع هذه الأحداث، كان للنساء دور مهم في مساندة الثورة منذ بدايتها حيث تزعمت المرأة قول الهتافات التي رددها خلفها الرجال، واشتركت في تأمين اللجان الشعبية وتطوعت في المستشفيات الميدانية حتي استشهدت في سبيل حرية مصر فبلغ عدد شهيدات الثورة خلال شهري يناير وفبراير فقط 15 شهيدة. كما أكملت نساء مصر نضالهن في المليونيات المختلفة في الموجات المتتالية للثورة المصرية والتي خرجت حتي تتحقق أهداف الثورة، وتحملت المرأة الكثير من العنف الذي واجهته بقوة خلال بعض هذه المليونيات. وفي هذا السياق، رصد المركز المصري لحقوق المرأة حالة المرأة المصرية خلال الثورة من خلال تقرير شامل صدر حديثا حيث لفت إلي أن الثورة استطاعت أن تكسر حواجز الخوف أمام النساء وتغير كل المفاهيم التقليدية حول المرأة المصرية ليس علي المستوي المحلي وإنما علي المستوي الدولي، مشيرة إلي إعادة الصورة الحضارية والإنسانية لوجه المرأة العربية والمسلمة في العالم. وأعلنت «النيوزويك» الأمريكية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة عن قائمة تضمنت 150 امرأة من مختلف دول العالم وصفن بسيدات العام اللاتي حركن العالم وقد واكب هذا الإعلان تنظيم مؤتمر عالمي في الفترة من 10 حتي 12 مارس تم فيه تكريمهن والاحتفال بهن، كان من بين القائمة 4 مصريات هن «د. نوال السعداوي، الإعلامية والناشطة جميلة إسماعيل، الناشطة سلمي سعيد التي شاركت في إنجاح ثورة 25 يناير والناشطة الحقوقية داليا زيادة، كما وضعت صحيفة «جارديان» البريطانية الدكتورة نوال السعداوي، الناشطة النسائية، في المركز ال16 بقائمة أهم 100 ناشطة نسائية في العالم، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فيما اختارت صحيفة «أرابيان بيزنس» إسراء عبد الفتاح، الناشطة بحركة 6 أبريل، في قائمة أقوي 100 امرأة في العالم العربي. كما اختارت مجلة أرابيان بيزنس الشهيرة الدكتورة داليا مجاهد المصرية الأصل ومستشارة الرئيس الأمريكي أوباما لشئون العالم الإسلامي، ثالث شخصية في العالم العربي لعام2010 من أثروا في العالم ضمن مائة شخصية. لقد شهد عام 2011 إقصاء للمرأة المصرية علي حد ما ورد في التقرير ليس فقط من المشهد السياسي ولكن من المشهد المصري بشكل عام، فكان إقصاء المرأة من المناصب القيادية حيث اقتصرت وزارات الثورة علي عدد ضئيل من السيدات، حيث ضمت وزارتا دكتور عصام شرف سيدة واحدة في كل منهما، بينما ضمت وزارة الإنقاذ الوطني برئاسة الدكتور كمال الجنزوري ثلاث سيدات. كما تم إقصاء المرأة من المواقع المهمة مثل منصب المحافظ، ومن لجنة التعديلات الدستورية وحتي من المناقشات حول تعديل قانون مجلسي الشعب والشوري وقانون تقسيم الدوائر «والتي لم يشارك فيها من النساء سوي عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فيما ألغي قانون مجلسي الشعب والشوري تخصيص 64 مقعداً للمرأة ونص علي أن تتضمن كل قائمة امرأة واحدة علي الأقل، ولكن لم يحدد القانون الجديد مكان المرأة علي هذه القوائم مما أدي إلي وضع أغلب القوي السياسية المرأة في مكانة متأخرة علي القوائم. الانتخابات البرلمانية جاءت الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2011 كأول انتخابات بعد نجاح الثورة وعلي الرغم من ظهور عدة انتهاكات فيها إلا إنها بشهادة التقارير الحقوقية لا تعد تجاوزات تبطل من سلامة العملية الانتخابية برمتها. فيما وجهت المنظمات انتقادات لاذعة لأداء اللجنة العليا للانتخابات ممثلة في شخص المستشار عبد المعز إبراهيم حيث رصدت التقارير الحقوقية عدم التواصل بينها وبين اللجان الفرعية وتأخر وصول القضاة إلي اللجان مع عدم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الدعايا الانتخابية المخالفة للقانون وعدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في بعض الدوائر.التمويل الأجنبي تعرضت منظمات المجتمع المدني خلال 2011 لهجمة شرسة بسبب قضية التمويل الأجنبي حيث قرر المستشار محمد عبد العزيز الجندي وزير العدل في حكومة عصام شرف تشكيل لجنة تقصي حقائق لبحث هذه القضية ومعرفة حجم الاموال التي دخلت إلي مصر من قبل الجهات المانحة ومدي شرعية حصول الجمعيات عليها. أحكام قضائية فيما صعد مؤشر الأحداث الإيجابية لأعلي حينما استقبل النشطاء خبر الإفراج عن علاء عبد الفتاح بفرحة غامرة إخلاء سبيله بضمان محل إقامته. وأشادت المنظمات بحكم القضاء الإداري الذي قضي ب«وقف إجراء فحوص العذرية علي الإناث اللاتي يتم احتجازهن أو القبض عليهن أو اعتقالهن بمعرفة القوات المسلحة». ووحدت المنظمات مطالبها خلال العام حيث طالبت بالانسحاب الفوري للمجلس الأعلي للقوات المسلحة من الحياة السياسية، وإجراء تحقيق فوري بشأن الاعتداءات الحالية وجلب المسئولين عنها للعدالة؛ وكذلك حماية الحق بحرية التجمع والتنظيم والتعبير.