كانت الأحداث الأخيرة بجوار مجلس الوزراء مثار جدل كبير للرأي العام حول الأسباب وبداية اندلاع الأحداث، خاصة أنها كانت تشبه الحرب الأهلية بين المعتصمين وقاذفي الحجارة من أعلي المبني المتاخم لمبني مجلس الوزراء، الأمر الذي أسفر عن ما يقرب من أربعمئة مصاب وعشر حالات وفاة، توجهت روزاليوسف إلي مستشفي قصر العيني لمقابلة بعض المصابين وهم شهود عيان أيضا كما توجهنا للمستشفي الميداني لوزارة الصحة وعمر مكرم، فكانت هذه هي رواياتهم. في الدور الرابع من قصر العيني بقسم المسالك البولية يرقد سيمون زاهر 28 سنة مهندس ميكانيكا إنتاج من حركة «مينا دانيال» الذي أصيب في أحداث مجلس الوزراء بطلق ناري في رجله اليسري وأحد شهود العيان يروي ماحدث: أنا تواجدت من حوالي الساعة 3 عصرا من بداية إلقاء أفراد الجيش الطوب والمولوتوف علي المتظاهرين، بعد أن احتد الاشتباك بدأ الضرب ومع دخول الليل بدأ الضرب يهدأ ثم بعدها بقليل فوجئنا بطلقات نارية كثيفة..36 طلقة من خزنة بندقية آلي من المبني المجاور للمجلس ذي الثلاثة أدوار!.. مع الخزنة الثانية أصيب الواقف بجانبي في رأسه، فحملته سريعا وركضت به تجاه المستشفي الميداني بجوار المجلس لإسعافه وعقب خروجي من المستشفي علي بابها أصبت في رجلي اليسري ودخلت المستشفي الميداني، لكن الأطباء قرروا نقلي لقصر العيني سريعا، حملني الشباب في بطانية لأفاجأ بإصابة الشاب الذي كان يحمل رأسي ويهوي علي الأرض وبالتالي خبط رأسي في الأرض!.. وطلقة أخري سقطت بجانبي، حملونا الشباب سريعا للإسعاف ونقلنا، علمت فيما بعد أن هذين الشابين قد استشهدا! وصلت قصر العيني وظلت لمدة 45 دقيقة في انتظار طبيب الأوعية الدموية الذي لم يتنبه في البداية إلي أنني مصاب بطلق ناري وليس خرطوشا والحمدلله أنا أفضل كثيرًا. عن تأكيده أن من كانوا يطلقون النيران من أعلي المبني المجاور للمجلس هم من أفراد الجيش يقول: «أنا أعرف جيدا الضابط الذي أطلق علي النيران، هو ملازم أول جيش بفرقة 777 لأنه هو من استقبلنا بمبني ماسبيرو للاجتماع مع أفراد من المجلس العسكري وقت أحداث ماسبيرو.. أعتقد أنه من الصعب أن أخطئه خاصة أنه كما ذكرت كانوا يقفون علي المبني القصير أي إنهم واضحون ونستطيع تمييزهم برؤية العين». وعن إصابته ومدي تعافيه الآن يقول سيمون: «الحمد لله أنا اليوم أستطيع أن أقول إن لدي رجل يسري!.. بالأمس لم أكن أشعر بها مطلقا حتي أن الطبيب نفسه كان في شدة القلق والخوف من أن تكون الطلقة قد أصابت العصب مما يعني الشلل التام!. لكن الحمدلله تمت العملية الجراحية التي استغرقت 3 ساعات متواصلة نتيجة لنقل شرايين من رجلي اليمني لليسري والحمدلله مرت بسلام». هل كان هناك أي من المجتمع المدني أو جهات رسمية دور في علاجك وإنقاذ حياتك؟.. يجيب: «هناك موقفان من الصعب نسيانهما، موقف الدكتور محمد حمدي أحد أطباء المستشفي الميداني الذي صاحبني من هناك للقصر العيني وظل بجواري حتي خروجي من الإفاقة، فهو سبب رئيسي في إنقاذي لأن طبيب الأوعية الدموية تأخر لأنه يأتي حسب الطلب، أيضا الدكتورة مني مينا التي أدركت أن مجموعتنا «مينا دانيال» مستهدفة نتيجة للإصابات المباشرة وملاحقتنا للقبض علينا. لم تكن هذه أول إصابة لسيمون.. بل هي الرابعة بعد إصابته من قبل في 29 يناير ثم ماسبيرو ومحمد محمود وأخيرا مجلس الوزراء، لذا كان سؤالي الأخير بعد كل هذه الإصابات: هل سيشارك مرة أخري في المظاهرات؟ بمنتهي الحسم والثقة أجاب: «نعم». من سيمون نتوجه للدور الخامس بقسم جراحة المخ والأعصاب لنلتقي بأحد المصابين علاء مسعود 24 سنة مسئول المبيعات بشركة أجهزة أمنية، الذي أصيب بطوبة في رأسه تسببت في إحداث شرخ بجمجمته يسرد تفاصيل إصابته في جمل متقطعة وابتسامة رضا وسعادة لم تفارقه قائلاً: «إذا أردنا أن نقول إن ما حدث هو عمل ناتج عن بلطجية فسيكون بلطجة الجيش علي المتظاهرين وهو ما كان واضحا أمام الجميع حتي القابعين بمنازلهم، فأين هي الديمقراطية وأين حقوق الإنسان؟!... هذا ما فعلوه بنا نحن المعتصمين وبمجرد إحساسهم أن التسجيل قد بدأ والكاميرات تدور غيروا ملابسهم وبعضهم كان يقف عار أمام الفتيات ويقوم بعمل إشارات غير مهذبة بأصابعه وكل هذا مسجل وموجود ورآه الجميع وتم عرضه علي الفضائيات والمواقع الإلكترونية، فلست بمتجن أو مدعٍ علي أحد». يستكمل: «كانت الساعة الثامنة مساء حين أصبت «بالرخامة» وكانت قطعة كبيرة في رأسي، وتم إجراء العملية الجراحية لي بالأمس بقصر العيني، وإحدي السيدات من المجتمع المدني هي التي تحملت نفقات العلاج والعملية كاملة وهو ما فعلته مع تقريبا كل المصابين وليس كما يقال صندوق رعاية المصابين أو غيره، هذا لم يحدث ونحن مسئولون عن ذلك». علاء نقله زملاءه لقصر العيني بالتاكسي نظرا لكثرة أعداد المصابين لذا كانت سيارات الإسعاف جميعا مشغولة، إضافة إلي أن علاء كان رافضا للنقل بالإسعاف نتيجة للأقاويل حول تسليم المصابين للجيش والشرطة. سألت علاء: هل بالفعل كان «عبودي» هو مفجر هذه الأحداث أم أن بعض المعتصمين تعدوا علي ضابط أثناء تفقده الأمني للمبني؟.. أجاب: بالفعل «عبودي» كان مفجر هذه الأحداث التي أراها مدبرة، لأنه ليس من الطبيعي أن أطلب كرة سقطت داخل سور المبني ويتم السماح لي بالدخول لأخرج وأنا بهذا الشكل الذي رأيناه جميعا..متورما والدم يسيل من كل مكان!! وفيما بعد تبدأ هذه الأطنان من الطوب في الإلقاء علينا من أعلي المبني!! من أين أتوا بكل هذا الكم من الطوب؟ ولماذا استخدام الآلي؟ هل كنا في حرب؟!..كذلك استخدموا خراطيم المياه في الرش علينا.. كيف تأكدت أنهم من أفراد الجيش؟..يجيب: «كان واضحًا جدًا من الأسلحة التي يحملونها علي جانبهم التي استخدموها فيما بعد مع الآلي». اختتمت معه وسألته ماذا ستفعل بعد خروجك من هنا؟.. أكد ضاحكا أنه سيقابلني في التحرير. في الطريق إلي الميدان مرورا بميدان سيمون بوليفار الذي تستقر فيه عيادات وزارة الصحة المتنقلة وكذلك سيارات الإسعاف التابعة للوزارة التقينا الدكتور محمد جاد مسئول العيادات المتنقلة ومدير إدارة القوافل الطبية بالوزارة الذي أكد اهتمام وزارة الصحة بالمصابين من حيث الدعم بالعيادات المتنقلة والتي كانت حوالي أربع عيادات متواجدة.. كذلك التدعيم بالإسعاف والأدوية والاحتياجات الطبية مثل الضمادات والبيتادين وأكياس القمامة لإمداد المستشفيات الميدانية بها، حتي الدعم بأطباء من تخصصات مختلفة وأشار إلي الدعم باستشاري جراحة وعظام للمستشفي الميداني اليوم، لكن أشد ما يزعجه هو حالة الرفض من المصابين لهم بل الاشتباك أحيانا مع الأطباء والمسعفين نتيجة حالة القلق وانعدام الثقة في صدق وأمانة وزارة الصحة والفتنة الدائرة بخصوص تسليم المصابين للجيش وأمن الدولة، وأكد عهدته الخاصة أنه لا يحدث، وأكد علي كلماته محمد أحمد مشرف الموقع بإسعاف القاهرة الذي قال: بالفعل هناك حالة من الرفض للإسعاف وصلت لحد الاشتباك مع المسعفين بالأيدي مما أدي لإصابة البعض منهم وتم تكسير سيارات إسعاف، لكننا نقدر ذلك في الحقيقة ونتعامل معه بهدوء لأنه قلق طبيعي من المتظاهرين، لهذا نعمل جاهدين لإقناعهم بأن ما يشاع هو عار تماما من الصحة وأننا نقل المصابين بمنتهي الأمانة خاصة أن عملنا ينتهي عند باب المستشفي ودخول المصاب لها، فلا علاقة لنا بما يحدث بعد ذلك. «شاش وقطن وبيتادين.. الدكاترة هنا مش ماشيين».. شعار أطباء المستشفي الميداني مع الدخول أكثر إلي الميدان نصل إلي المستشفي الميداني بعمر مكرم وبها الأطباء المتطوعين لعلاج المصابين، لنلتقي مع أحد أطباء الطوارئ بقصر العيني الذي رفض ذكر اسمه حفاظا علي قيمة عمله التطوعي وشاركه في السرد المسعف عبدالخالق السيد، كانت أبرز المشاكل التي يواجهها الأطباء الميدانيون هي مهاجمة الجيش للمستشفي وحرق الخامات الطبية بالمستشفي، والأطباء والتمريض وتعذيبهم والتعدي عليهم بالضرب والذي وصل من قبل في أحداث محمد محمود إلي قتل طبيبتين واغتصاب طبيبة أخري وحلاقة شعرها تماما. كما أشار إلي ما حدث اليوم من حبس الأطباء والمصابين ومنعهم من الخروج أو ممارسة عملهم بعمر مكرم، بالاستفسار عن دعم وزارة الصحة لهم، أعلن عبدالخالق عدم اعترافه مطلقا بالوزارة وأشارا إلي أنه لم يحدث أن استلم المستشفي تدعيمًا من وزارة الصحة، وعن حالة المصابين أشار الطبيب إلي سوء التعامل الذي لاقاه المصابين بمستشفي المنيرة وعدم الاهتمام بالمصاب وعرضه علي الطبيب المختص أثناء استلامهم لحالات التسمم الماضية، كما أشار إلي محاولات فض الاعتصام العنيفة وقت إلقاء الجنزوري خطابه وانشغال جميع الفضائيات به ليظهر الميدان فيما بعد خاليًا من المعتصمين كأنهم اقتنعوا بالخطاب! حكايات وحكايات متنوعة عايشها هؤلاء الأطباء لكنها اتفقت جميعها علي عنف التعامل مع المتظاهرين والمعتصمين الذي لم يعد يفرق بين أحد أو بين شاب وفتاة. من داخل المستشفي الميداني وأثناء إجراء خياطة لبعض المصابين فج رت المسعفة والممرضة رحيمة الشريف مفاجأة في تأكيدها أن معظم المعتصمين الذين أتوا مصابين للمستشفي هم من الرعاع حسب قولها الذين يتعاطون المخدرات، وأقسمت في حديثها أنها أخرجت العديد من أشرطة الترامادول وغيرها من الأصناف المخدرة، وأكدت حزنها الشديد لوجود هؤلاء ضمن المتظاهرين الشرفاء الذين شوهوا الثورة وقيمها النبيلة.