من خسائرنا في موقعة شارع مجلس الوزراء اشتعال النيران في أعظم ما نملك من تراث «المجمع العلمي المصري» عدت إلي مقال كتبته يوم 30/11/2006 في نفس المساحة بنفس الجريدة عن هذا المجمع حيث كتبت «لبيت دعوة لحضور ندوة بالمجمع العلمي المصري - 13 شارع الشيخ ريحان ناصية قصر العيني بمواجهة مبني الجامعة الأمريكية مكان ما كنت أتخيل وجوده وما كنت أتصور محتوياته وما كنت أحسب أن أهم العقول المصرية وأجمل الشخصيات هم أعضاؤه - وما كنت أحسب أبداً أن تحتوي القاهرة علي مثل هذا المبني والذي شيد عام 1798 كما هو مخطوط علي «بوابته» الرائعة في قدمها وفي تاريخها! ويعود هذا التاريخ إلي غزو الحملة الفرنسية لمصر وغزو العلماء الفرنسيين المصاحبين «لنابليون بونابرت» للثقافة والتراث المصري ونفض الغبار التاريخي عنه وتقديمه للعصر وأبنائه لزيادة «النهل» - منه والإضافة إلي الحضارة الغربية المعاصرة! حينما «دلفت» إلي صحن هذا المبني القديم الرائع وجدت نفسي بين أرفف مكتبة عريقة بارتفاع أكثر من 6 أمتار - رصت الكتب علي جميع أرففها وغطت جميع حوائطها (الأضلع الأربعة) وأصبحت أبواب الدخول مثل ثقوب في المكتبة والكتب المتراصة والشديدة «القدم» بحكم ما ظهرت عليه دون تجليد حديث وأصبحت من كثرة القدم والإستخدام وكأنها «تئن» أو تنادي المشاهد لها بضرورة العون أو المساعدة أو الانقاذ من الحالة التي وصلت إليها «يرثي لها»! وبعد انتهاء الندوة وكتابتي لهذا المقال دعيت مرة أخري لتكريم العالم المصري الأستاذ الدكتور «مصطفي السيد» وكان ذلك بعد مرور عامين علي الزيارة الأولي ولقد قدم الدكتور «مصطفي» للحاضرين من العلماء في المجمع نتائج بحوثه في علم الليزر واستخدامه لعلاج السرطان خامة الذهب وكتبت المقال التالي عقب خروجي من تلك الندوة في المجمع العلمي المصري! والجدير بالذكر أن الدكتور مصطفي السيد كان قد ألقي يوم الثلاثاء الماضي في الثالث من فبراير محاضرة بالمجمع العلمي المصري المنشأ عام 1897 أقدم مؤسسة علمية في الشرق وليس في مصر فقط ولعل مواظبتي علي حضور الندوات والمحاضرات في هذا المجمع العلمي المصري ينبع من أول مرة دعيت للحضور منذ أكثر من عامين وكنت قد كتبت مقالاً عما شاهدته وكانت الكتب العظيمة القديمة علي أرفف هذا المجمع دون غطاء- ومكدسة بصورة غير علمية أوتعامل معاملة غير إنسانية وكأن علم المكتبات- وجامعاتنا وأقسامنا العلمية قد تغاضت عن هذه الذخيرة العلمية الوطنية وابتعدت بخريجيها عن تخصصاتهم فنسوا أن هناك مثل هذا الكم وهذه النوعية من الكتب والمراجع التي تحتاج للإنسان الفاهم الواعي المتحضر، الخائف علي كنوز بلاده ومدخراتها من البحوث والعلوم والوثائق التي تكتنز في هذا المجمع العظيم وإذ بي في حضوري هذه المرة أجد أن الأتربة أزيلت من علي الأرفف وأن هناك إضافة (بالبراويز المزججة) علي المكتبة تحمي تلك المراجع من الزمن ومن أتربة القاهرة وسعدت حينما وجدت أن شيئاً قد تعدل - ولكن أسعدني أكثر أن أري وجوهاً جميلة علماء أجلاء تعدت أعمارهم (أطالها الله) الثمانين والتسعين عاماً حافظوا علي حضور المحاضرة رأيت أستاذنا الدكتور «إبراهيم بدران »، أستاذنا الدكتور «أحمد محرم» (91 عاماً) وكثيرين من أساتذتنا العلماء. هذا ما كتبته في مقالين عن المجمع العلمي المصري العريق، واليوم أكتب نعياً لهذا الصرح العلمي الذي احترق عن آخره بما يحتويه من ذخائر علمية وتراثية بدأت مصر في حفظها منذ عام 1798مع علماء الحملة الفرنسية في مصر، واليوم الأحفاد حرقوا التراث، حرقوا المجمع العلمي المصري - رحمة الله علي تراثنا وعلي أبنائنا أيضاً!