بعد سلسلة من الهزائم التى منى جيش السلطان العثمانى فى ليبيا وسوريا، وسقط أكثر من مائتى قتيل غير المصابين من جنوده وتقلص نفوذه، ما زال الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، ينكر الهزيمة، ويُنكل بكل من يحاول كشف حقيقته للشعب، لتصبح تركيا فى عهد أردوغان تستيقظ كل يوم على أنباء موت العشرات من أبنائها فى سبيل تحقيق أطماعه التوسعية. ومن أجل دفن رأسه فى الرمال وإخفاء المعلومات المتعلقة بأعداد وهويات الجنود القتلى، وضع أردوغان سياسات تحريرية تعسفية للصحف التركية، والتى تقضى باعتقال أى صحفى ينشر أي معلومة تتعلق بهزائم الجيش التركي، إلا أن هناك مواقع تحدت سياسة تكميم الأفواه، ومن بينهم موقع «أوضا تى في» الذى كشف عن هويات اثنين من قتلى الجيش التركى بليبيا، فتم اعتقال محررى الخبر وهم باريش بهلوان وباريش ترك أوغلو و 3 من زملائهم، داهمت شرطة إسطنبول منزلهم فجرًا بأمر المدعى العام يلماز حسن يلماز، بتهمة الحصول على معلومات ووثائق متعلقة بنشاط المخابرات والإفصاح عنها، وفقا ل«أوضا تى فى». وبعد تصريح الرئيس التركي: «لدينا عدد من الشهداء فى ليبيا» والذى استفز مختلف فئات الشعب التركى، فتحت الصحافة أبواب جهنم على أردوغان بالتحقيق فى مقتل هؤلاء الجنود فذهبت الصحفية هوليا كيلينتش، من جريدة «أوضا تى فى» إلى منزل الضابط المتوفى «سنان جافيلير» البالغ من العمر 27 عامًا، واكتشفت أنه ضابطًا فى المخابرات التركية، وتحدثت إلى أسرته التى أوضحت أنه دفن 19 فبراير فى مسقط رأسه فى بلدة أخيسار بمانيسا وسط تدابير أمنية مشددة، فلم يكتب اسمه على قبره، ما أدى إلى اعتقالها هى واثنين ممن ساعدوها فى الوصول لمنزل الضابط ورئيسيها فى العمل، وفقا ل«خبر فير». وكشف «ترك أوغلو» عن معلومة خطيرة أمام محكمة تشاغليان، وهى أن هناك عددًا من الأفراد المسلحين طاردوه هو وزملاؤه وبثوا الرعب فى نفوسهم لعدة أيام قبل اعتقالهم، وهى منظمة «أرجنكون»، المعروفة ب «الدولة العميقة» وهى تنطيم عسكرى سرى إرهابى نُسبت إليه عمليات اغتيال وتنفيذ انقلابات عسكرية فى تركيا، وهى التى أرسلت إلى الصحفيين تهديدات بإلقائهم فى السجن ثم إعدامهم وترهيب ذويهم، موضحًا أن عصابات «أرجنكون» أصبحت تستخدم كعصا لتنكيل بالصحفيين، والضغط على القضاء لمحاكمتهم، بهدف إسكاتهم عن نشر حقائق انهزام الجيش التركي. وقبل نشر هذه الأخبار، كان أوميت أوزداغ، النائب بحزب الخير التركى، قد كشف عن هويات ضابطين من جهاز المخابرات الوطني، وهما العقيد أوكان ألتناى وسنان جافيليلر اللذين قتلا فى ليبيا بعد تفجير سفينة فى ميناء طرابلس، قائلا: « ما زال جنودنا وضباط المخابرات يدفعون ثمن السياسات الخاطئة لنظام أردوغان». وبعد اعتقال ترك أوغلو وكيلينتش، أصدر قرارًا باعتقال باريش بهلوان رئيس تحرير الموقع وإرساله إلى سجن سيليفرى بعد إحالته إلى محكمة السلام الجنائية للتهمة ذاتها، رغم أن الموقع لم ينشر اسم الضابط وإنما أشار إلى الحرف الأول من اسم عائلته، بينما أفصح المدعى العام عن هويته وذكر اسمه بالكامل فى لائحة الاتهام الموجهة للصحفيين المعتقلين.. وفى يوم الجمعة قضت محكمة إسطنبول، بحجب موقع «أوضا تى فى» بحجة انتهاك قانون ينظم استخدام شبكة الإنترنت، وبهذا القرار حرم 80 مليون قارئ من تصفح الموقع الإخبارى يوميًا، والذى حقق خلال العام الماضى مليارًا و207 ملايين و806 آلاف مشاهدة، كونه واحدًا من أكثر المواقع الإخبارية التركية متابعة فى العالم. وليست تلك هى المرة الأولى التى يتعرض لها «أوضا تى فى» لهذه الهجمات القمعية فقد تعرضت منذ 9 سنوات فى 14 فبراير 2011 لموجة شرسة من الاعتقالات التعسفية بأمر من المدعى العام السابق زكريا أوز «الهارب الآن بتهمة الانتماء لجماعة فتح الله جولن المتهمة بتدبير انقلاب يوليو 2016 الفاشل»، والذى أصدر مذكرات اعتقال بحق 10 من كتاب الصحيفة المعارضة وهم باريش ترك أوغلو وباريش بهلوان وسونار يالتشين وأحمد شيك ونديم شينر. وكان الصحفيان الذين كشفا عن هوية الضابط الأول «ألتيناى» قد أوقفا عن العمل وأغلقت حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وهما مراد أغيرال وباتوهان تشولاك، من صحيفة «ينى تشاغ». كما ألقت الشرطة التركية القبض على رئيس تحرير جريدة «دوغو خبر» ألبتاكين دورسون، بسبب منشور على حسابه فى تويتر تناول الأحداث فى إدلب، اتهم فيه بإثارة العداء بين المواطنين. وليس الصحفيون فقط من يحذر عليهم تناول خسائر أردوغان فى سوريا وليبيا، وإنما الشيوخ أيضًا ليس مسموح لهم سوى بالتهليل والمديح لأردوغان وسياساته الفاسدة، وهو ما تناولته صحيفة «سوزجو» حول اعتقال الإمام على متين أوزيت مفتى مقاطعة ألاشهير فى مدينة مانيسا بالأمس، والذى أصدر فتوى تقضى ببطلان شهادة الجنود الأتراك الذين قتلوا فى إدلب، قائلا : «لا يمكن أن نحسب من صوب السلاح لرؤوس المدنيين شهيدًا، سواء شرطيًا أو عسكريًا .. فليست تلك شهادة»، مشيرًا إلى ما يرتكبه الجيش التركى من جرائم إنسانية بحق المدنيين العزل ليس بطولة وأن الموت فى سبيل تنفيذ هجمات عسكرية على أراض عربية استهدفت الأبرياء ليس بشهادة، وبعد نشره تلك الفتوى على مواقع التواصل الاجتماعى تم اعتقال الإمام أوزيت، حيث استمر التحقيق معه لساعات ثم أفرج عنه.