بعد غياب طويل تعود هند صبري إلي السينما لتقدم قصة إنسانية تدعو للتفاؤل والبهجة وحب الحياة من خلال فيلم «أسماء» وهي الشخصية المريضة بالايدز التي تشعر معها أنها شخصية حقيقية من لحم ودم وليست مجرد تمثيل ومكياج متقن يجعل هند في الأربعينيات من عمرها لتغير جلدها الفني من مشهد لمشهد حيث تقنعك بأنها الفتاة الريفية الحالمة الجميلة قبل أن تتحول في المشهد التالي إلي أرملة مقهورة منكسرة خط الشيب شعرها ثم تصبح سيدة قوية قادرة علي مواجهة المرض.. عن دورها في هذا الفيلم واقترابها من مرضي الايدز ومعايشتها لهم كان هذا الحوار. كيف استطاعت هند صبري التوحد مع شخصية «أسماء» إلي هذا الحد الذي بهر النقاد والجمهور في المهرجانات العالمية؟ - الفضل لله أولا وأخيرًا، بينما كان السبب الرئيسي في ذلك هو المؤلف والمخرج عمرو سلامة الذي كتب الأحداث بإحساس عال جدا، ورسم شخصية «أسماء» بحرفية عالية ساعدتني علي التعمق في الشخصية لهذه الدرجة، بجانب أن القصة نفسها كانت أكثر من رائعة. يتم طرح الفيلم بالتزامن مع اليوم العالمي للإيدز فما مدي تعاونكم مع الجهات العالمية؟ - حدث تعاون بين فريق الفيلم وبين منظمة الأممالمتحدة من خلال برنامج الأممالمتحدة المشترك للايدز، وبعض نشطاء حقوق الإنسان لمساندة قضية مرضي الإيدز في مصر والوطن العربي ومدي الظلم الذي يقع عليهم بدءًا من نظرة المجتمع المجحفة لهم، وحتي التقصير في توفير الرعاية الصحية لهم. ألم تخافي من نقد الجمهور للفيلم بأنه كئيب؟ - بالعكس الفيلم مليء بالأمل والتفاؤل، ويدعو الناس لحب الحياة والاستمتاع بها مهما كانت الصعاب، لأن الحزن والانكسار لن يحل الأزمة، بل تحلها المواجهة، والتفاؤل، والثقة في أن غدًا يحمل الأفضل، طالما لدينا إصرار علي تحقيق هذا الأفضل، ورغم أن شخصية «أسماء» مريضة ومهددة بالموت، إلا أنها تواجه المجتمع وتتحداه، حتي تحقق أحلامها البسيطة رغم تخلي الجميع عنها، فهي سيدة بسيطة تعرضت للظلم والقهر، ومع ذلك لديها هدف تحيا من أجله، ولا تهمها حياتها بقدر ما يهمها حياة الآخرين. ما الهدف من مناقشة قضية مرضي الإيدز في الوقت الحالي؟ - الفيلم لا يناقش قضية الايدز كما يتصور البعض، بل يتخذ منها مدخلاً لمناقشة قضية أكبر وأعمق وهي فكرة الخوف، حيث المجتمع في أوقات كثيرة يخاف من أشياء لا تستحق الخوف والهلع، لكن خياله يصور له الأمر بشكل خاطئ، فيعيش حبيسا في تلك المخاوف ويفرضها علي من حوله، مثل فهم مرض الايدز بشكل خاطئ يترتب عليه عدم التعامل معهم، أو التعامل بشكل سيئ رغم أنهم مرضي ويستحقون أن نساندهم في رحلة العلاج، كما يناقش الفيلم قضية ظلم المجتمع للغلابة والبسطاء، وكم القهر الذي تتعرض له المرأة ممن حولها، بخلاف قضية التمييز بين الذكر والأنثي حتي في المرض، حيث يعامل المجتمع الرجل المريض بالايدز بطريقة، ويعامل المرأة المريضة بالايدز بطريقة مختلفة، وكلها قضايا يدور الفيلم في فلكها متخذا من مرض الايدز أرضية للأحداث، ويناقش الفيلم أيضا دور الإعلام في مواجهة أمراض المجتمع التي تظلم أشخاصه وتدمر حياتهم. وكيف جاء استعدادك وتحضيرك للشخصية؟ - قابلت العديد من مرضي الايدز، واستمعت لقصصهم وحكاياتهم الأليمة، ومدي معاناتهم مع مجتمع لا يفهم مرض الايدز بشكل سليم، حتي أن الناس قد ترفض مصافحتهم خوفًا من انتقال العدوي رغم أن هذا اعتقاد خاطئ. في الفيلم نشاهد شخصية «أسماء» المريضة بالايدز، ويرفض الأطباء إجراء عملية «المرارة» لها خوفًا من انتقال المرض لهم فهل النماذج التي قابلتها حكت لك قصصا مماثلة؟ - نحن أصلا أخذنا هذه الأحداث من شخصيات حقيقية عانت في الواقع أضعاف معاناة «أسماء»، ولا أنسي سيدة مريضة بالايدز كانت تحتاج لإجراء عملية جراحية سريعة، ولا تجد طبيبا يجري لها العملية، حيث يتراجع الجميع خوفًا علي حياتهم، والمؤلم أنها في كل مرة كانت تخبر الأطباء بحقيقة مرضها خوفا علي حياتهم، أو حياة الممرضين، أو حياة المرضي الآخرين، فكانت تصارحهم حتي يأخذ الأطباء حذرهم وهم يجرون العملية حتي لا يتم خدش أحدهم مثلا فتختلط دماؤه بدمائها وينتقل المرض إليه أو لا يعقمون الأدوات جيدا فينتقل المرض لمرضي آخرين في غرفة العمليات، ورغم كل ذلك كانت هذه السيدة ترفض أن تخبئ علي الأطباء مرضها بالايدز رغم أنها في إمكانها أن تفعل ذلك، لكنها كانت تفضل أن يظلموها علي أن تخفي عنهم اصابتها بالمرض فيترتب علي ذلك حدوث ضرر لأي مخلوق. بعض الأطباء قد يتبرمون من نظرة الفيلم لهم خاصة أن هناك نماذج إيجابية من الأطباء الذين يبذلون قصاري جهدهم في مساعدة المرضي الفقراء، وهناك أيضا الأطباء الذين يكافحون مرض الايدز؟ - اعتذر لأي طبيب شريف ومحترم قد يشعر بأن الفيلم قد أجحف بحقه، لكن احقاقا للحق فمثلما هناك أطباء شرفاء لديهم الأمانة والإخلاص في العمل، هناك أيضا أطباء بلا رحمة يرفضون علاج مرضي الايدز بكل أنانية لينسوا القسم الذي أقسموه، ودورهم المقدس في مساعدة المرضي، وبعضهم يعمم النظرة السلبية في الحكم علي مرضي الايدز باعتبارهم أصيبوا بالمرض من جراء علاقة غير شرعية، رغم أن هناك طرقا أخري كثيرة للاصابة بهذا المرض، ويكون فيها المريض المسكين مجرد ضحية، وهناك مريضة بالايدز أخبرتني بالحرف: «إنتي عارفة طلع عندك ايه؟ روحي بيتك واقعدي فيه أحسن لحد ما تموتي»، بخلاف طبيب آخر كان يقول إن مرضي الايدز يجب أن يتم حرقهم ودفنهم في مقبرة جماعية. ولماذا أصبحت هند صبري مقلة في أفلامها السينمائية؟ - لأنني أتأني كثيرًا في كل عمل اختاره، وأرفض التواجد لمجرد التواجد، حتي أقدم الفن الذي استمتع به ويفيد الجمهور ويضيف لرصيدي الفني، بجانب أن كثيرا من الأفلام تنظر للفنانة فقط علي أنها عنصر مكمل وسنيدة للبطل ليس أكثر، وهذا ما أرفضه تماما، لأن البطلة يجب أن يكون لها دور محوري في الأحداث بغض النظر عن مساحة الدور.