«أنا الذى ألبست الأدب الفرنسى القبعة الحمراء - قبعة العمال -»، هذا هو فيكتور هوجو، عميد المدرسة الرومانسية فى الأدب الفرنسى وهو رسام وشاعر وروائى بل يمكن أن نقول أنه من أبرز مبدعين القرن التاسع عشر، الذى تحل علينا ذكرى ميلاده فى 26 فبراير عام 1802. وعلى الرغم من كونه أحد أعمدة الأدب العالمى وواحد من أبرز الأدباء فى الحقبة الرومانسية من الأدب الفرنسى فى القرن التاسع عشر، إلا أن مواقفه السياسية والإنسانية تجاه الطبقة الفقيرة والمعدومة فى أوروبا، جعلت منه رمزًا من رموز المقاومة الفرنسية خاصة بعد نفيه من باريس عام 1851، بعد استيلاء نابليون الثالث على حكم فرنسا ونصب نفسه إمبراطورًا عليها، وبعد محاولة هوجو فى تنظيم حركة مقاومة ضده، لكنها فشلت وأدى هذا إلى نفيه إلى جزيرتى جيرزى وجيرنيزى فى بريطانيا لمدة 20 عامًا. فيكتور مارى هوجو، اسمه بالفرنسية Victor Marie Hugo، ولد فى السادس والعشرين من فبراير عام 1802م، فى بيزانسون بفرنسا وهو الابن الثالث والأصغر لوالده جوزيف ليوبولد سيجيسبيرت هوجو ووالدته صوفى تريبوش، وكان يعتبر والده مثلًا أعلى له, حيث كان جنرالاً تحت قيادة نابليون، بينما كانت والدته صوفى كاثوليكية مُتدينة، ومن مؤيدى النظام الملكى. أمضى هوجو السنوات العشر فى حياته فى كورسيكا وإيطاليا وإسبانيا بسبب عمل والده، وبسبب كثرة سفر والده لطبيعة عمله واختلاف وجهات نظره السياسية مع والدته، أدى إلى انفصالهما فى النهاية، وانتقل فيكتور هوجو للعيش مع والدته فى باريس, حيث قال «باريس التى ولدت فيها روحي». وتأثر فيكتور بآراء والدته المؤيدة للملكية فى البداية، ولكنه تمرد على هذه الآراء عقب ثورة 1848 الفرنسية وصار من مؤيدى الجمهورية. درس القانون بين عامى 1815 و1818، على الرغم من عدم ممارسته لمهنة المحاماة، إلا أنه شرع فى كتابة الأعمال الأدبية، بعد تشجيع والدته له. وقام بتأسيس جريدة المحافظون الأدبية Conservateur Litteraire لنشر أعماله الشعرية وأعمال أصدقائه الأدبية. بعد وفاة والدته عام 1821، تزوج هوجو من أديل فوشير Adèle Foucher، ونشر أول كتاب شعرى بعنوان: «قصائد وأشعار متنوعة» Odes et poésies diverses، والذى نال عليه مكافأة من الملك لويس الثامن عشر. واستمر هوجو فى كتابة النثر والشعر والدراما والمقالات السياسية، واشتهر كأحد الكتّاب الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم «الكتّاب الرومانسيين»، وكان هوجو طوال حياته معارضا ومناهضا لعقوبة الإعدام، وقد عبر عن موقفه هذا فى أعماله الأدبية وكتاباته الأخرى، كان أبرزها روايته الشهيرة «آخر يوم لمحكوم عليه بالإعدام» التى أصدرها عام 1829. ثم تطور إبداع هوجو الرومانسى خلال العقد الأول من حياته الأدبية ففى عام 1831، نشر أحد أكثر أعماله بقاءً، وهى رواية «أحدب نوتردام» Notre-Dame de Paris أو The Hunchback of Notre Dame، التى تدور أحداثها فى العصور الوسطى عن قصة حب لفتاة شديدة الجمال مع شخص أحدب، كما توجه انتقادات قاسية للمجتمع الذى يهين وينبذ الأحدب كوازيمودو Quasimodo وتعتبر أحد أشهر أعمال هوجو حتى الآن، والتى مهدت الطريق لكتاباته السياسية اللاحقة. ولكونه كاتبًا غزير الإنتاج، صار هوجو أحد أبرز الشخصيات الأدبية فى فرنسا بحلول عام 1840، ومع بروز اسم هوجو وزيادة شهرته فى أوروبا كلها، تعرض لحادث آليم آثر عليه بشكل كبير وواضح، وهو حادث وفاة ابنته الكبرى والمفضلة ليوبولدين عام 1843، حيث غرقت فى نهر السين مع زوجها، مما أصاب هوجو بصدمة شديدة وكتب العديد من القصائد فى رثائها وضعها فى كتاب اسمه «التأملات». العمل السياسى بعد حادث ابنته قلل هوجو من أعماله الأدبية لكنه لم يتركها لمدة وصلت إلى عشر سنوات، وبدأ يتجه أكثر إلى العمل السياسى والمجتمعى، فطالما كان مناهضًا قويًا لحقوق الإنسان والحريات وحق مجانية التعليم و إعادة النظر فى القوانين لضمان حق حرية الانتخاب، وقد تم انتخابه عام 1845 عضوًا بالأكاديمية الفرنسية الأدبية Académie Française وترشيحه لمجلس النُبلاء Chambre des Pairs، ثم انتخب فى مؤتمر باريس الدائم. النفى وال«البؤساء» وفى ديسمبر من عام 1851، وبعد أن استولى لويس نابليون على السلطة فى فرنسا، نظم هوجو حركة مقاومة ولكنها باءت بالفشل فترك فرنسا مع عائلته وعاش فى المنفى حتى عام 1870م، وأثناء إقامته فى المنفى نشر هوجو أعمالا أدبية كثيرة كان أكثرها يشتمل على طابع السخرية اللاذعة وانتقادات اجتماعية حادة، ومن ضمن هذه الأعمال كانت رواية البؤساء العالمية «البؤساء» Les Misérables، والتى نشرت أخيرًا فى عام 1862 بعد أن استغرق كتاباتها 17 عامًا. وتدور أحداث الرواية حول الظلم المجتمعى الذى تعرض له «جان فالجان»، والذى سجن ظلمًا لمدة 19 عام لسرقته رغيفًا من الخبز. وقد حققت الرواية نجاحًا ساحقًا فى أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. ثم عاد هوجو إلى فرنسا كرجل دولة وكأديبها الأول، وانتخب نائبا عن باريس فى فبراير من عام 1871م ولكنه استقال فى مارس بعد وفاة ابنه شارل. وفى عام 1878 أسس فيكتور هوجو «جمعية الأدباء والفنانين العالمية» وأصبح رئيسًا فخريًا لها. «هوجو» والفن التشكيلى وقد طغت شهرة فيكتور هوجو كأديب وشاعر على شهرته كرسام، وربما لم يعرف الكثير من قرائه أنه كان مصورًا عبقريًا يضعه البعض فى مصاف جويا ورامبرانت. وصدرت عدة كتب تناولت هذا الجانب الخفى من إبداع هوجو منها كتاب جان سرجان، الصادر عام 1965 بعنوان: «فيكتور هوجو رساماً عبقرياً»، ويبين هذا الكتاب أن سنوات المنفى كانت من أخصب فترات الإبداع الفنى لفيكتور هوجو، وبين أن جزءاً كبيراً من هذه الرسومات هى إبداع تجريدى وسيريالى حتى قبل وجود التجريدية والسريالية كمذاهب فنية محددة، كما أوضح أنه كان رسامًا ماهرًا، بل خبيراً فيه، لدرجة أنه فى بعض الأحيان كان يرسم بيده اليسرى أو يرسم دون أن ينظر إلى الصفحة، وكان حينما لا يتاح له القلم والحبر يلجأ إلى السناج أو غبار الفحم أو بقايا القهوة. وصدرت رسومات فيكتور هوجو فى كتاب سنة 1998 بعنوان «ظلال اليد»، وفى عام 2017 افتتح فى متحف ليوبولد بالعاصمة النمساوية فيينا، معرض خاص للوحات هوجو ورسوماته والتى غلب عليه أسلوب الرسم بالتفريغ «الاستنسل» والفرشاة. ورسم هوجو أكثر من 4 آلاف لوحة بعضها سوداوى لم يستخدم فيها غير اللونين الأسود والبنى ورسم القليل على منسوجات صبغها بألوان تنوعت وتظلّلت فى رمزية. وكما لم يخط هوجو مؤلفاته ببساطة متلاعبا برص الحروف وتنسيقها، كذلك كانت رسوماته التى فجر فيها قوة كامنة، فأحدث تأثيراً فى عدد من الفنانين وإن بنسبة أقل كثيراً من تأثيره على الكتاب والمؤلفين. وبحسب موقع «باريس ريفيو» فقد قال ابنه شارل أنه لم يكن ينشر رسوماته، خشية أن تلفت الأنظار بعيداً عن كتاباته، بل كان يكتفى بعرضها على أصدقائه وأسرته. هوجو والعرب كان لفيكتور هوجو اتجاهات ربما تكون مختلفة عن البعض خاصة فى زمنه، وقد أوضح الروائى على بدر فى حديث له، إن هوجو من الشعراء المهمين الذين كتبوا عن العالم العربى والإسلامى، وقد كتب عن نابليون فى زيارته لمصر ووصفه كيف أنه وقف على النيل كالسيف. وأوضح بدر، أن الكاتب الفرنسى كان يعتقد أن الشرق روحانى بعكس الغرب المادي. ويؤمن أن بإمكان الغرب أن يلتقى مع الشرق ويقدم أجمل ما يمكن، وكان يعتقد أن الشخصية العربية قادرة على تكوين الفردوس «مجتمع الخدمة» ومستعمرة السعادة ويتحدث فيه عن القبائل الشرقية والشخصية العربية مع أنه لم يزر الشرق إلا أنه استطاع أن يتخيله، كما كان قارئاً جيداً لأدب الرحلات. وفاته على الرغم من اعتبار هوجو رمزًا للانتصار الجمهورى عقب عودته إلى فرنسا عام 1870، إلا أن سنواته الأخيرة كانت فى منتهى البؤس. فبعد فقدانه اثنين من أبنائه وزوجته ما بين الأمر الذى أثر على أعماله الأدبية وجعلها تتسم بالكآبة أكثر من سابقتها، وركزت على مفاهيم الألوهية والشيطان والموت. وفى عام 1878، أُصيب بمرض الاحتقان الدماغي، واستمر هوجو فى العيش بباريس مع رفيقته جوليت حتى وفاتها 1883. وتوفى فيكتور هوجو فى باريس فى 22 مايو، 1885. حيث تم تشييعه فى جنازة تشريفية حضرها الملايين، ووضع جثمانه أسفل قوس النصر لفترة، ثم تم نقله فى مقبرة العظماء Panthéon لاحقًا. ما زال هوجو أحد عظماء الأدب الفرنسي، وبرغم شهرته كشاعر بين الجمهور الفرنسي، إلا أنه اشتهر فى الدول المتحدثة باللغة الإنجليزية بكونه روائيًا.