فى الرابعة والنصف، من ظهر الثلاثاء الماضى، كان موعدى مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى الليبى، مضينا بالسيارة إلى مابعد مطار بنينا بقليل، على أطراف مدينة بنغازى، كان فى انتظارنا اللواء عون الفرجانى، رئيس الهيئة العامة للسيطرة، كانت تلك هى المرة الأولى التى التقى فيها المشير حفتر وجهًا لوجه، تحدثنا عن الأوضاع الراهنة، كانت كلماته محددة، وتقييمه للأوضاع ينطلق من مسئولية، ووطنيته تنطلق من إدراك بأهمية اللحظة الراهنة وطبيعة الأوضاع التى تحكم مسارات الموقف الدولى والاقليمى. فى حديثه عن مؤتمر موسكو قال المشير: إن قرار عدم التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الذى كان مقترحًا فى هذا المؤتمر، الذى جاء بناء على اتفاق روسى- تركى، ينطلق من ثوابت الموقف الليبى، وأبرزها المطالبة بأن يوقف إطلاق النار فى هذا اللقاء، جاء بعد الانتصارات التى حققها الجيش الليبى، وتحريره للعديد من المناطق المؤدية لقلب العاصمة طرابلس، فكانت هذه الانتصارات دافعًا لتحرك بعض الأطراف، ولكننا لايمكن أن نقبل بوقف لإطلاق النار، دون تفكيك للميليشيات الإرهابية المسلحة، ووقف التدخل التركى فى شئون ليبيا، وإمداد حكومة أردوغان للميليشيات بالسلاح. قال المشير: لقد طلبنا مهلة من الوقت لدراسة المقترح وبعد الدراسة أدركنا أن وقف إطلاق النار بالصيغة المطروحة يعنى فتح الطريق أمام هذه الميليشيات لمحاولة تغيير الواقع على الأرض، عن طريق المزيد من صفقات الأسلحة وإرسال الدواعش إلى داخل طرابلس بهدف تغيير موازين القوى. وقال: نحن ندرك أن هذه العناصر الإرهابية المسلحة ليس لها ضابط أو رابط، ومن ثم فهى لاتخضع لأية قيادة ولاتلتزم بأي قرارات لوقف إطلاق النار، أو خلافه، وقال: لقد أبلغنا القيادة الروسية بموقفنا بشكل واضح، وقلنا إننا لسنا ضد وقف إطلاق النار، ولكن وقف إطلاق النار له شروط، يجب أن يلتزم بها الطرف الآخر، خصوصا بعد أن أدركنا أن الطرف التركى هو الذى يتفاوض، نيابة عن الطرف الآخر. وعندما تحدثت مع سيادة المشير عن مؤتمر برلين ومقرراته أكد على نفس المعانى والثوابت، فانتصارات الجيش فى طرابلس وسرت، كانت دافعًا لهذا الاهتمام الدولى، بالبحث عن حلول للأزمة، وقال :نحن لسنا ضد أى حل سياسى يضمن وحدة وطنية بموافقة مجلس النواب المنتخب من الشعب، ولايجب على الطرف الآخر أن يستغل الموافقة على الهدنة لمحاولة فرض أمر واقع، الجيش الليبى لن يسمح بالتحايل لتحقيق المكاسب لهذه الميليشيات من الحصول على المزيد من الأسلحة وتهريب المرتزقة إلى طرابلس. وقال: ليكن معلومًا أن الجيش لايحارب طرفا متساويا معه، لأن الجيش هو جيش الوطن، ورسالته هى تحرير كل جزء من أرض الوطن من الميليشيات الإرهابية وغيرها، خاصة أن هذه الميليشيات هى محظورة بقرار من مجلس الأمن والمنظمات الدولية لأنها تمارس الإرهاب والقتل وتخريب الأوطان. وقال: إن ليبيا لن تكون مستودعًا للإرهابيين وغيرهم والجيش الليبى فى نحو خمس سنوات قادر على تحرير ماتبقى من أراضيه لأنه مكلف من مجلس النواب، بهذه المهمة ويتحرك فى إطار من الشرعية وحماية لمصالح الوطن. كان المشير يتحدث بلغة تعكس إيمانًا حقيقيًا وثقة بلا حدود فى القوات المسلحة الليبية، التى تولت القيام بهذه المهمة فى إطار عملية الكرامة،التى أسست الجيش، منذ منتصف عام 2014 وخاضت فى سبيل ذلك معارك كبرى فى بنغازى ودرن وبنينا وسرت وغيرها من المناطق، التى سيطرت عليها الميليشيات لعدة سنوات أذاقت فيها الشعب الليبى، الأمرين وقتلت آلاف المواطنين من الشخصيات الدينية والوطنية ورجال المجتمع المدنى، والقضاة ورجال الشرطة والعسكريين، حيث كانت عمليات المحاكمات الوهمية التى تعقبها عمليات قتل لاتتوقف، حيث كانت المعدلات تصل فى مدينة بنغازى وحدها فى بعض الأحيان إلى اغتيال 14 شخصية فى اليوم الواحد. والمشير خليفة حفتر يقدر دور مصر، ودور الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الدفاع عن حق الجيش الوطنى الليبى فى تحرير أراضى بلاده، ورفض التدخلات الخارجية، وهو يرى كما يقول: أن دور مصر لاغنى عنها، وأن مصر اكتوت بنار الإرهاب وأن القوات المسلحة المصرية، كان لها الفضل فى القضاء على الإرهاب الذى سعى إلى تخريب المنشآت وقتل المواطنين ورجال المؤسسات من قضاة وشرطة وجيش وغيرهم، فى محاولة منهم لإفشال الدولة المصرية وقال: إن علاقة الأخوة التى تربط بين مصر وليبيا هى علاقة تحكمها الجغرافيا والتاريخ المشترك، وأواحد الدم والعلاقات الاجتماعية التى تربط بين أبناء الشعب. وقال: إن الرئيس السيسى تحرك منذ البداية وقال موقفًا واضحًا، بأن حكومة السراج سقطت فى قبضة الميليشيات وهو موقف يستحق كل التقدير والاحترام/ كما أن الاتصالات التى أجراها ويجريها الرئيس السيسى، بكافة الأطراف الدولية كان لها تأثيرها الكبير فى التحرك السياسى، لهذه البلدان نحو البحث عن حل للأزمة الليبية. -وحول المحور السياسى لمؤتمر برلين أكد المشير، أن أى حل يعيدنا إلى المربع (صفر)، مرفوض وأن الخيار الوحيد هو فى ضمان وحدة ليبيا، دون أن يكون للميليشيات الإرهابية أى دور فى هذا الأمر، هناك مجلس نواب هو المعبر عن الشعب الليبى، وهو وحده المنوط به تبنى الخيار السياسى الذى يتوافق مع المصلحة الوطنية، وإنهاء حكم الميليشيات. -أما بالنسبة لإغلاق فئات من الشعب الليبى والقبائل للمنشآت النفطية لحين وضع الحلول التى تضمن عائدات، النفط إلى الشعب الليبى وليس إلى دعم الميليشيات والمرتزقة ومن يساندهم، كان من رأى السيد المشير أن القوات المسلحة تحترم قرار الشعب وتحمى الشعب الذى يدافع عن ثروته وخيراته. كانت كلمات المشير محددة، ورؤيته واضحة ونهجه ينطلق من أرضية الثوابت التى تؤكد عليها القوات المسلحة الليبية، فى كافة مواقفها وتحركاتها، وهو على ثقة من أن دماء الشهداء هى التى تبنى الوطن وتحمى أراضيه وشعبه، إنها المعانى التى سبق وأكد عليها أكثر من مرة فى خطاباته المختلفة وتحديدًا خطابه فى أعقاب تحرير بنغازى من الميليشيات الإرهابية على يد الجيش الوطنى بعد ثلاث سنوات من عملية الكرامة عندما قال « إن هذا النصر يأتى ليعيش المواطن كريمًا وسيدًا، قدم قوافل الشهداء منتصبى القامة مرفوعى الرأس فى ساحات الشرف، وأنه حان الوقت لتدخل بنغازى عهدًا جديدًا من الأمن والسلام والتصالح والوئام والبناء والعمار والعودة إلى الديار» . وكذلك الحال عندما أعلن المشير حفتر تحرير مدينة « درنة « بالكامل فى 28 يونيو 2018، لقد قال يومها فى خطابه « نعلن بكل فخر تحرير مدينة درنة الغالية على كل الليبيين وعودتها آمنة مطمئنة إلى أحضان الوطن لتعم الفرحة كافة أرجاء ليبيا». لقد كان كلام المشير حفتر عن قرار الشعب فى محاصرة حقول النفط ينطلق من إيمان حقيقى بحق الشعب فى التحكم فى ثرواته البترولية، وقد سبق أن أكد على ذات المعانى فى خطابه بمناسبة تحرير درنة 2018 عندما قال « نرفض أن تتحول ثروات ليبيا إلى مصادر تمويل للجماعات الإرهابية، منتقدا موقف الدول التى تمنع الجيش من التسلح وتغض الطرف عن تلقى الإرهابيين للسلاح. ويرفض القائد العام للقوات المسلحة الليبية حسبة المصالح التى تقضى بإخلاء شمال سوريا من الدواعش والإتيان بهم إلى ليبيا، وليبيا كما يرى لن تكون منطقة نفوذ ولا منطقة مصالح على حساب الشعب الليبي. وإذا كانت عملية الكرامة تتمدد ولا تنكسر كما هى فى رأى المشير حفتر، إلا أنه يرى أن العبء الذى تحملته القوات المسلحة منذ عام 2014 هو تأكيد على إخلاص أبناء الجيش للشعب الليبى الذى يمثل الظهير الحقيقى لعملية الكرامة التى تستهدف وحدة الأراضى الليبية وتحريرها . ويرى المشير حفتر أن كافة مطامع القوى الاستعمارية سوف تتحطم على صخرة صمود الجيش والشعب الليبي، ذلك أنهم كما يقولون: لا يعرفون طبيعة هذا الشعب الأبي، ولم ينجحوا طيلة الفترة الماضية فى تمزيق نسيجه الاجتماعي، خاصة أن ليبيا دولة تمتلك إمكانات هائلة ومساحة واسعة من الأراضى تمكنها أن تكون رقمًا مهمًا فى المعادلة الدولية . ويراهن المشير خليفة حفتر على مواقف الدول العربية فى الدفاع عن الأمن القومى العربي، ورفض التدخلات الخارجية للتصدى لإعادة إنتاج مرحلة الاستعمار العثمانى فى بلادنا من جديد. كانت تلك هى الثوابت التى كانت مجالًا للنقاش مع المشير حفتر فى الجلسة الخاطفة التى تمت فى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وبعدها اصطحبنى اللواء عون إبراهيم الفرجانى رئيس الهيئة العامة للسيطرة بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية فى جلسة استمرت لأكثر من ثلاث ساعات ونصف، تحدث فيها عن الأوضاع الراهنة على الساحتين الليبية والعربية، وشرح فيها عملية الكرامة وكيف تأسست على يد المشير خليفة حفتر الذى انحاز إلى جانب مطلب الشعب الليبى وتحمل المسئولية وتصدى لها، وبدأ فى بناء الجيش الوطنى بمائتين من الجنود والضباط حتى أصبح الآن بفضل عزيمته وإصراراه مع إخوانه من القادة جيش قوى وقادر على إلحاق الهزيمة بأعداء الوطن الذين سعوا إلى تمزيقه والتآمر عليه.