التعليم العالي: فتح التقديم الإلكتروني المباشر لطلاب مدارس التكنولوجيا التطبيقية للقبول بالجامعات التكنولوجية    نيللي كريم توضح سبب غيابها المحتمل في رمضان 2026    18 سبتمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    رئيس الوزراء: ملتزمون بتقوية الروابط الاقتصادية مع إسبانيا وتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين    فلسطين: تعامل إسرائيل مع غزة كعقار اعتراف بمخطط الإبادة والتهجير    مدبولي: رفع مستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية مع إسبانيا يمثل مرحلة جديدة    من مصر لغزة.. انطلاق قافلة المساعدات الإنسانية ال40 ضمن «زاد العزة»    مصر تودّع بطولة العالم للكرة الطائرة بالخسارة أمام تونس    الليلة.. الزمالك والإسماعيلي في قمة «ولاد العم» بحثًا عن النقاط الثلاث    خالد الغندور: مصفطفى شلبي أفضل من شيكو بانزا    التعليم: امتحان الفصل الدراسي يمثل 30% من مجموع الصفين الأول والثاني الثانوي    القبض على المتهمين بقتل أب ونجله في خصومة ثأرية بقنا    إصابة 8 أشخاص إثر تصادم 4 سيارات ودراجة نارية في مدينة السادات بالمنوفية    مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكرم أشرف عبدالباقي في حفل افتتاح دورته الثانية    وزير الصحة يفتتح المؤتمر الدولي الثاني لكلية طب الأسنان بجامعة الجلالة    طموح بيراميدز يصطدم برغبة زد في الدوري الممتاز    تكريم الإعلامي سمير عمر في ختام المؤتمر السنوي الأول للإعلام العربي ببنغازي    سيميوني: تمت إهانتي في ملعب ليفربول    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة مناطق في محافظة بيت لحم    نشرة مرور "الفجر ".. زحام بميادين القاهرة والجيزة    بعد ساعات من هربه.. القبض على قاتل زوجته بمساكن الأمل في ضواحي بورسعيد    مصروفات المدارس الخاصة صداع في رأس أولياء الأمور.. والتعليم تحذر وتحدد نسبة الزيادة    أسعار الفراخ فى البورصة اليوم الخميس 18 سبتمبر    وفاة الإعلامية اللبنانية يمنى شري عن 55 عامًا بعد صراع مع المرض    خواكين فينيكس وخافير بارديم وإيليش يدعمون الحفل الخيرى لدعم فلسطين    حكم تعديل صور المتوفين باستخدام الذكاء الاصطناعي.. دار الإفتاء توضح    الرئيس السيسي يُوافق على بروتوكول اتفاق لتجنب الازدواج الضريبي مع الإمارات    «متحدث الصحة»: نقص الكوادر الطبية مشكلة عالمية    قبل بدايته| استشاري مناعة توضح أهم المشروبات الساخنة في الشتاء    الرئيس السيسى يوافق على بروتوكول اتفاق لتجنب الازدواج الضريبى مع الإمارات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    جامعة حلوان تختتم فعاليات هاكاثون الأمن السيبراني Helwan Cyber Arena 2025    النشرة المرورية اليوم الخميس بمحاور القاهرة والجيزة    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    لميس الحديدي في برومو برنامجها الجديد: أنا لا أخاف، والإصرار سر بقائي (فيديو)    خلال ساعات.. رابط نتيجة تنسيق كليات جامعة الأزهر 2025    بعد تصدرها التريند.. تعرف على أبرز المحطات في حياة أيناس الدغيدي    بيان ناري من غزل المحلة ضد حكم مباراة المصري    مسلسل حلم أشرف يشغل مؤشرات بحث جوجل.. تعرف على السبب    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    بعد تعرضه لوعكة صحية.. محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مركز ومدينة القصاصين الجديدة    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    "زوجها طبيب".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة بطلة الاسكواش نور الشربيني    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    "أكسيوس": المباحثات الإسرائيلية السورية بشأن اتفاقية أمنية بين البلدين تحرز تقدما    إصابة سيدة فى انهيار شرفة عقار بمنطقة مينا البصل في الإسكندرية    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    "معندهمش دم".. هجوم حاد من هاني رمزي ضد لاعبي الأهلي    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    وزير الاتصالات: رفع مساهمة الذكاء الاصطناعي بالناتج المحلي الإجمالي ل 7.7 خلال 2030    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    "أصحاحات متخصصة" (1).. "المحبة" سلسلة جديدة في اجتماع الأربعاء    أمريكا: إصابة شخصين في حادث إطلاق نار بجنوب ولاية بنسلفانيا    احتفظ بانجازاتك لنفسك.. حظ برج الدلو اليوم 18 سبتمبر    رصد شبكات المقاومة ونشر القلق.. لماذا تقطع إسرائيل الاتصالات عن غزة ثم تعيدها؟    البابا تواضروس الثاني يستقبل أسقفي شبين القناطر وأبنوب    بعد خفض الفائدة بالفيدرالي الأمريكي..سعر الدولار الآن أمام الجنيه الخميس 18-9-2025    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شركاء الوطن والدم والمصير


كتب - محمد الدمرداش العقالي
استيقظت قوي الاستعمار والاستكبار العالمي المهيمنة علي معظم مقدرات العالم ومصائر شعوبه، لتجد عروش حكومات عصابات المماليك التي كانت تحكم بلادنا العربية، قاهرة شعوبها، زارعة كل ألوان الفتن بين أهلها، تتهاوي وتتحطم بقوة ثورات شعبية تشارك فيها ملايين هادرة، تصدح برغبتها بإنهاء عقود من الاستغلال والاستبداد. خلخلت المفاجآت الثورية التي دكت حصون الطغيان كل خطط أمريكا والدول الاستعمارية المرتبطة بمصالح قوية مع أنظمة ظلت تنهبنا بقوة القمع، وما كان لهذه القوي أن تقف مكتوفة الأيدي وهي تري انهيار بيت العنكبوت الذي شادته وخيم علي قلب الأمة العربية لعقود من الزمان؛ فكان لابد من أن تنهض لاستجلاب شياطينها وأبالستها، وأن تستحضر القصة القديمة الحديثة في نفخ النار في أتون اضطهاد الأقليات وعلي الأخص ملف الإخوة الأقباط، فما حدث يوم الأحد في ماسبيرو من غير الممكن عقلاً أن يكون سببه حادثة صغيرة في أقصي جنوب البلاد، ولا أن يكون جل قوامه غضب الإخوة المسيحيين من منعهم من بناء كنيسة من دون ترخيص في مدينة أسوان في أقصي الجنوب.
وباليقين أن عدد القتلي والجرحي وحجم التخريب يقطع بأن هذه الأحداث ليست وليدة مشكلة كنيسة أسوان بقدر ما هي رغبة من جهات داخلية وخارجية تبغي إجهاض الثورة وتعويق مسيرتها نحو الحرية والعدل والديمقراطية، ولو أدي الأمر إلي حرب أهلية بين إخوة الوطن والدم والتاريخ.
لقد حذر عقلاء هذا الوطن في مناسبات متعددة من أخطار التساهل والتواطؤ مع عمليات التعبئة والتفجير الطائفي، ومحاولات الثورة المضادة لحمل المصريين علي الدخول في صراع ديني عن طريق تدبير الاعتداء علي الأقباط وكنائسهم، كما حذر المهمومون بهذا الوطن من تفجير الفتن الطائفية كغطاء للحكم بالطوارئ وباب يشرع لكل أشكال الاستبداد وصوره.. وكانت المطالبات باتخاذ مواقف حاسمة تجاه مشعلي الفتن، و في الوقت نفسه اتخاذ تدابير تضمن حرية العبادة لكل الطوائف بما يتفق وقيم المواطنة والمساواة.. وللأسف ذهبت هذه المطالب أدراج الرياح.. بل الأدهي والأمر ما بدا من سلوك بعض المسئولين في مواقع الفتنة من إشارات تنبئ عن تواطئهم وتشجيعهم أحيانا لمشعلي الحرائق.. وهو ما كان يزيد الأوضاع احتقانا.
وكل هذا من ميراث الشؤم الذي ورثناه من حقب وعقود الظلم، ونتيجة حتمية للاستبداد الذي ساد في مصر، ليس فقط في الثلاثين عاما الماضية، بل لمئات السنوات. فدائما ما يكون هم الحكم المستبد في كل مكان وفي كل زمان أن يبرم عقدا سياسيا مع الأقليات الدينية ليضمن تهميشها وإقصائها وينتهي بهم المطاف إلي عدم الخوض في القضايا العامة أو المشاركة في الحياة السياسية والصراع علي السلطة، وفي المقابل يتكفل بتوفير بعض الحماية لهم، ومنحهم بعض الحقوق و قدرا لا بأس به من الأمن، ويخاطب بهذا التحجيم الممنهج للأقليات عواطف الأغلبية، ويدغدغ مشاعر العامة، وهذا دأب المستبدين قديما وحديثا، وعليه تنهض الدولة لتتدخل بحسم وصرامة في أعقاب كل حادث طائفي ولا تسمح بأن يتجاوز التوتر درجة معينة أو خطوطا حمراء تنفرد هي بتحديدها للجميع. وهكذا مع مرور الوقت صار ملف الأقليات ملفا أمنيا صرفاً، وخرج المسيحيون وغيرهم من الأقليات من ساحة العمل العام وانسحبوا من المشهد السياسي المصري بعد أن كان منهم زعامات تاريخية ملأت الحياة السياسية بحراك وطني لا حدود له، ويقينا أن هذا النمط الاستبدادي في التعامل مع الأقلية الدينية كان يستلزم أيضا إشاعة جو من الرعب والفزع من الإسلام السياسي بمختلف أطيافه وتياراته، بل من كل اصحاب الفكر الإسلامي، لأن جزءا كبيرا من شرعية النظام في البقاء ارتبطت باستمرار الاحتقان بين الأقلية بمختلف أطيافها والأغلبية بكل تياراتها، وعليه لن تجد الأقلية حماية حقيقية في ظل الفزع من الأغلبية إلا الحماية الوحيدة التي يقدمها النظام المستبد ولو بشروط باهظة. وبالعكس يظل تحجيم النظام للأقليات وإقصاؤها عن المشهد السياسي والحياة العامة يشكل وشائج قربي وتقدير من الأغلبية لهذا النظام المستبد.
وصحيح أن هناك العديد من القيادات والرموز المسيحية التي لم تقبل هذا التحجيم وشروطه المجحفة، ورفضت ترك الساحة العامة، ولكنها كانت دائما تصطدم بالواقع الذي أوجده النظام وكان مؤداه عدم تعاطف الشارع معهم أو استجابته لخطابهم السياسي المخلص للوطن، وكأن خطيئتهم أنهم لم يستوعبوا العقد السياسي الذي ينهض علي تمثيل رمزي للأقلية وليس علي مشاركة سياسية حقيقية وفاعلة.
ونحن في أمس الحاجة لأن يراجع الكثير منا نظرته تجاه الأقباط ، وأن نتعاطي مع مطالبهم المشروعة بروح الإسلام العظيمة السمحة وحُسن المعاشرة التي تحتاج إليها الحياة اليومية، ولا يغني فيها قانون ولا يحكمها قضاء، والتي تكفل حرية الاعتقاد وتفرض الاحترام المتبادل، وعلي المسيحيين ونحن نعايش هذه الأيام بوادر المعركة البرلمانية أن ينفضوا عنهم ما ألفوه من التقاعس في المشاركة السياسية، و يرفضوا التهميش مرة أخري، وألا يقبلوا عقدا سياسيا جديدا يحقق لهم حماية واهية واهنة وحقوقا منقوصة مشوهة مقابل السكوت والانزواء. وكذلك علي جميع القوي السياسية وعلي رأسها التيار الإسلامي بمختلف طوائفه من الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والسلفية بمختلف أحزابها ألا يتركوهم ليسقطوا فريسة للاستبداد مرة أخري، وأن تتضافر الجهود لتبني مطالبهم العادلة، المبنية علي المواطنة الحقيقية الكاملة غير المنقوصة ولا المشروطة، فالوحدة الوطنية لن تتحقق بالتنديد بالأحداث الطائفية حين وقوعها ولا بتعانق الهلال مع الصليب في الاحتفالات الرسمية أو بتماسك الأيدي بين الشيخ والقسيس، وإنما باستمرار مشاركة عنصري الأمة في العمل السياسي علي قدم المساواة، وبديل ذلك أن نتشرذم إلي مجموعات متباينة مستقطبة استقطابا حادا، فتتسع الهوة بيننا وتتضاءل مساحة القواسم المشتركة يوما بعد يوم وبعد قليل سنتحول إلي مجموعة من الذئاب المتصارعة، وذئاب تتشارك في زحمة السير وهموم ارتفاع أسعار المعيشة، وتكابد وتعاني من مشاكل وهموم لا حصر لها، ولكنها تتلمظ لافتراس بعضها بعضا رغم أن الهموم لم تفرق بيننا يوما إلا أن الأهواء لا تزال تفرقنا .
وختاما أقول لكل المتأسلمين المتسلطين علي رقاب العباد بسيف الفتوي وسطوة الدين الذين يتلهفون لسكب الزيت علي النار حتي تصير ضراما ولا يلقون بالاً لأن الكلمة أمانة ونور وأن بعض الكلام قبور وينسون(فلتقل خيراً أو لتصمت)، ولكل الصادحين من الذين يريدون أن يتصدروا المشهد القبطي وينادوا بمظلومية شركاء الوطن والدم والمصير: أفيقوا لأن النار لن تميز أو تختار والجميع سيبوءون بالخسران المبين، ولتتذكروا قصة الزعيم الوطني مكرم عبيد حينما أرسلت ملكة إنجلترا رسالة إليه نصها: "إنني أبدي تعاطفي مع أقباط مصر وأدعوهم إلي إقامة دولة في جنوب مصر.. فكان رده درساً لأي مسيحي و أي مسلم علي السواء، قال: "نحن نصاري ديناً، مسلمون وطناً"، ودعا قائلا: اللهم اجعلنا نصاري لك.. مسلمين لمصر .
حفظ الله مصر من غول الطائفية وبطش الاستبداد وزيغ الهوي، حتي تتحقق شعارات العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية للمواطن المصري، أيا كان دينه ومعتقده.
وكيل مجلس الدولة
ورئيس المحكمة الادارية لجامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.