كتب – أحمد سميح «هذا قضاء حياتنا، نحن الذين يموت أفضلنا ليحيا الآخرون بلا دموع، نحن الذين نخوض معركة المصير بلا دروع ضد اللصوص الدارعين، نحن الذين ظهورهم كصدورهم مكشوفة للطاعنين، نحن الذين بلا خوذ، لم ينعكس وهج على جبهاتنا وعروقنا، بالرغم من هذا يؤججها لهيب الشوق فى أعماقنا».. هكذا جاءت كلمات الكاتب الكبير الراحل عبد الرحمن الشرقاوى على لسان بطل مسرحيته الشهيرة (الفتى مهران) وفيها تتراص الكلمات والمعانى بإحكاما فقد احترم «الشرقاوى» الكلمة وقدسها، ووهبها نفسه فوهبته احترام القراء، وخلدته ليظل مدرسة فى فن الكتابة سواء الصحفية أو الأدبية أو الشعرية، فقد أضاء بكلماته سماء الحرية. ولد الشرقاوى فى العاشر من نوفمبر عام 1920 فى قرية الدلاتون بمحافظة المنوفية، وقد أتم تعليمه الأول فى مدرسة القرية ثم انتقل إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة الابتدائية، بعدها انتقل إلى مدرسة الخديوية الثانوية، دخل كلية الحقوق ليتخرج فيها عام 1943 ليعمل محاميا، لكنه سرعان ما يتفرغ للصحافة حيث أصبح عام 1945 رئيسا لتحرير المجلة التى تصدرها رابطة الخريجين، وأصدر عام 1952 بالتعاون مع الفنان والكاتب حسن فؤاد مجلة الغد وهى مجلة تقدمية يغلب عليها الطابع الماركسي، كما ترأس رئاسة تحرير مجلة «روزاليوسف»، صدرت أولى أعماله الروائية «الأرض» عام 1945 وكان قبلها قد أصدر مجموعة قصصية بعنوان أرض المعركة عام 1952، وألحقها عام 1954 بمجموعة ثانية بعنوان «أحلام صغيرة»، عام 1957 أصدر ديوانه «من أب مصرى إلى الرئيس ترومان» ويعده النقاد من أوائل القصائد فى حركة الشعر الحر فى الوطن العربي، عام 1959 يصدر مسرحيته الشهيرة «مأساة جميلة» وفى نفس العام يصدر كتابه محمد رسول الحرية، فى الخمسينيات ينتمى إلى الحزب الشيوعى المصري، لكنه لم يستمر طويلًا حيث تعرض إلى الاعتقال والفصل من وظيفته . وبعد هزيمة 1967 كتب الشرقاوى مسرحية بعنوان «تمثال الحرية» يندد فيها بالاستعمار الأمريكى وخداعه للدول النامية بشعارات الحرية. وفى عام 1963 قدم مسرحيته «الفتى مهران» والتى صور من خلالها مأساة بطل يريد أن يمارس حقه فى الاختيار ومأساة بشر يريدون أن يعيشوا مجتمعًا عادلًا. وقد صرح بأن هذه المسرحية تقدم نموذجًا للبطل الوجودي: «كنت حينها متأثرًا بشدة بما يكتبه جان بول سارتر من مسرحيات تلهب حماس الجماهير»، وواصل الشرقاوى مسيرته مع المسرح الشعرى فكتب مسرحية «وطنى عكا» عن مأساة فلسطين، ثم يتوج أعماله المسرحية بمسرحية «الحسين ثائراً» و» الحسين شهيدًا» عام 1968 وفى هاتين المسرحيتين أكد الشرقاوى على قيمة الاستشهاد دفاعًا عن القيم الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية، أما مسرحياته الأخيرة فقد كتب مسرحية «النسر الأحمر» وأخيرًا مسرحية «أحمد عرابي»، كما تم اختياره ليكتب حوار فيلم الرسالة الذى أخرجه مصطفى العقاد، وتوفى الشرقاوى فى الرابع والعشرين من فبراير عام 1987. كان عبد الرحمن الشرقاوى علامة من علامات الثقافة العربية المعاصرة وقد ظلت موضوعات العدالة تشغل تفكيره، فانتمى لليسار المصرى وانحاز للفكر الماركسى فى بدايات شبابه ونضجه الفكري، وكان مولعًا بكتاب رأس المال ونهج البلاغة واعترافات جان جاك روسو، وأُغرم بكتاب فولتير فى التسامح ومقدمة ابن خلدون ولزوميات المعرّي، فأصبح يشرحها لقرّاء مقاله الأُسبوعى فى مجلة «روزاليوسف»، وانتقل منه إلى الصوفية فى أواخر حياته، إلا أن التبشير بفكرة العدالة الاجتماعية ظل يمثل الأساس فى معظم كتاباته سواء فى الشعر أو الرواية أو الدراسات النقدية أو كتب السيرة أو المسرحيات فإنها جميعا يغلب عليها طابع الدفاع عن حق الإنسان فى العيش بكرامة، فهو يعبر من خلال كتاباته عن هموم الإنسان، كما تؤرخ مسرحياته لكثير من الأحداث فى حياتنا الاجتماعية والسياسية والفكرية. كان لقرية الدلاتون مسقط رأس كاتبنا الكبير عبدالرحمن الشرقاوى دور كبير فى بناء مشهدية أعماله الأدبية وفيها الترعة والدوار وبيوت القرية النائمة اليقظة فى حضن الخضرة وكلها أماكن دارت فيها وخلالها أحداث رواية «الأرض» رائعة عبد الرحمن الشرقاوى التى نشرت مسلسلة بصحيفة المصرى وصاحبتها رسوم الفنان الشامل حسن فؤاد وصدرت بعد ذلك فى كتاب بأكثر من طبعة ..وتحولت إلى فيلم من أهم أفلام السينما المصرية بطولة محمود المليجى وعزت العلايلى ونجوى إبراهيم وكتب له السيناريو أيضًا فؤاد من إخراج يوسف شاهين . ومع «الأرض» للشرقاوى مكتبة تنوعت فيها إبداعاته الأدبية والفكرية فله أيضًا رواية «الفلاح» و«الشوارع الخلفية» التى تحولت إلى فيلم سينمائى وفى المسرح :الحسين ثائرا والحسين شهيدا وأيضًا «محمد رسول الحرية» و«العز بن عبد السلام» الذى نشر مسلسلًا فى الأهرام، وعبد الرحمن الشرقاوى كاتب سيناريو جميلة بوحريد أو جميلة الجزائرية، وعندما كتب عبد الرحمن الشرقاوى مسرحية الحسين ثائرا – شهيدا، كان يريد أن يعبر عن عواطف وطنية وأيضًا إنسانية تجاه مواقف التضحية فى سبيل إعلاء كلمة الحق، وينبه العرب إلى الجرح الغائر بسبب يونيو عام 1967. يلخص «الشرقاوي» أهم محطات ومراحل تكوينه الفكرى والأدبى فيقول: «قرأت القرآن وتفاسيره ورأيت فيه استجابة لأشواق الإنسان إلى العدل ولعنة شديدة على الظلم.. وأول ما أحببته من القراءة شعر الشعراء الصعاليك العرب وعندما درست اللغات الأجنبية أحببت الشعراء الصعاليك الأجانب لأن أدب الصعاليك يمثل صرخة احتجاج على الظلم وتمرداً على الأوضاع الجائرة. كما استهوانى الفكر الإنسانى الذى يتحدث عن قضايا حق الإنسان فى ممارسة العدل وأن يحيا سعادته وأن يحقق بعمله كل أحلامه وأن يمنحه المجتمع الحب والفضائل. وفى الفكر العربى استهوانى الثوار من أيام على بن أبى طالب أولئك الذين كان لديهم الطموح فى أن يحولوا الدنيا إلى جنة للحب والإخاء وأن يجعلوا شرف الإنسان أقوى من كل شيء وأن يرتفعوا فوق الطمع والخوف.. وفى هذا الإطار أيضا بهرنى فكر المعتزلة والمتصوفة وشخصية الحسين وشعر المعرى والمتنبى - وثوريات طه حسين واقتحامات توفيق الحكيم وتفتح إسماعيل أدهم وإسماعيل مظهر وكتابات سلامة موسى عن الاشتراكية والأدب ونظريات محمد مندور المتطورة فى نقد الشعر. أما فى الفكر الأجنبى فقد استهوانى ماركس وكتابات لينين وتمرد فرانسوا فيون وصلابة فيكتور هوجو وتمرد شكسبير وأحلام الرومانتيكيين بيرون - شيللى - بلزاك - ديكنز - شو - توماس مان.. كما بهرتنى كتابات بوشكين - دوستوفيسكى - تولستوي- تشيكوف - غوركى - أراغون - هيمنجواى - لوركا.. وهناك من المفكرين والأدباء من يدفعك إلى اتخاذ موقف آخر مثل جويس - إليوت - سارتر – كامو».