خلال حرب السادس من أكتوبر، كانت القوات الخاصة والصاعقة المصرية بمثابة أشباح جعلت العدو يعرف أنه لن يستقر فى سيناء الحبيبة، حيث أكد اللواء أ.ح محمود خلف، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أحد أبطال قوات الصاعقة فى حرب أكتوبر 1973، أن القوات المسلحة المصرية تحظى باحترام جميع دول العالم لما حققته فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وأن الجميع بمن فيهم الدول الكبرى تعرف وتقدر حجمها وقدراتها، موضحًا أن القوات المسلحة المصرية، تصنف كأكبر قوة مسلحة فى الشرق الوسط، والشعب المصرى هو صاحب الإنجاز الحقيقى لأنه أصر على النصر مهما كلفه الأمر. وقال خلف: «أثناء حرب أكتوبر، تنوعت أدوار رجال قوات الصاعقة، منها غلق طريق سدر عن طريق عمليات إبرار جوى بالطائرات الهليكوبتر خلف خطوط العدو وعمليات إنزال بحرى لقطع الطريق الساحلى، بالإضافة إلى فتح ثغرات داخل خط بارليف بسرعة واستخدامها لقطع طرق تقدم الدبابات المعادية نحو شاطئ قناة السويس». وأوضح مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، أن من العمليات المهمة على خط بارليف التى قامت بها مجموعة الصاعقة مع المشاة، والتى عملت معنا من القنطرة حتى الإسماعيلية، كان تدمير اللواء مدرع 200 بالكامل بحيث لم تكن هناك ماسورة فى موضعها فى تلك المدرعات لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلى حينها «موشيه دايان»، عندما شاهد ذلك اللواء بعد تدميره ذهب للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى «جولدا مائير» ليطلب منها سحب القوات لأنه يخشى من وصول القوات المصرية لقلب إسرائيل. وأضاف: «فى الساعة الثانية عشرة ظهرًا يوم 6 أكتوبر، تسلم الترفيه المعتاد ولكن الذى تعجبت له وقتها أن التعليمات شددت على ضرورة توجه قائد الوحدة لتسلم الترفيه، وبالفعل توجهت لقائد الجيش ووجدت الترفيه ليس كالمعتاد بل هو كيس مملوء بالأعلام المصرية، وقبل أن استفسر نظر إلىّ القائد بابتسام وذكر لى أن تلك الأعلام مطلوب رفعها على الجانب الآخر الساعة الثانية وخمس دقائق». واستطرد خلف، قائلاً: «انتصار أكتوبر هو فى الأساس انتصار للعقلية المصرية قبل أن يكون انتصارًا عسكريًا، حيث استطاعت القوات المسلحة التغلب على جميع العقبات التى وقفت أمام الانتصار من خلال الفكر، وأبهرت جميع دول العالم خاصةً الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى، بحيث أصبحت مرجعًا وسندًا تاريخيًا للمراجع العسكرية وتطوير الأسلحة فى العالم، لأنها غيّرت العقيدة القتالية فى العالم، لأن كل الأسلحة التى شاركت فى الحرب كانت تقريبًا تطويرًا للأسلحة التى شاركت فى الحرب العالمية الثانية». وأشار إلى أنه كانت هناك مجموعة من المعوقات التى كانت تواجه الجيش المصرى بعد حرب 1967، حيث إن العدو الإسرائيلى احتل الضفة الشرقية لقناة السويس بالكامل، وشيد خط بارليف على ارتفاع 20 مترًا، وتم رفع العلم الإسرائيلى على الضفة الشرقية، مضيفًا: «القوات المسلحة فقدت معظم أسلحتها سواء كان بالتدمير أو تم تركها فى سيناء خلال الانسحاب، وكانت الخطوة الأولى لتفوق القوات المسلحة فى الحرب هى تلاحم الشعب مع الجيش، وهو الدرس الأول والمهم المستفاد من حرب أكتوبر». واستكمل خلف حديثه قائلاً: «عندما تلاحم الشعب والجيش تحقق الانتصار، والشعب توقف عن الحديث عن الماضى وأخطائه بعد 3 أو 4 شهور من وقوع النكسة، وبعدها كانت عينه على المستقبل وكيفية وتوقيت خوض معركة التحرير»، متابعًا: «الكل كان ينتظر الحرب ويعمل ويجهز نفسه من أجلها وظل الشعب وأفراد الجيش يتحدثون عن الحرب أكثر من 5 سنوات باعتبارها هى المستقبل فى هذا التوقيت والكل أعلن أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وقامت القوات المسلحة بإعادة بناء وهيكلة وتنظيم صفوفها ووضعت دراسة كاملة عن نقاط قوة وضعف العدو، ونقاط قوتها وضعفها». وشدد مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، على أن كل المقومات السابقة ساهمت فى أن تكون الحرب بالشكل التى ظهرت به، حيث إن الجيش المصرى كان أمام عدة تحديات تمثل نقاط قوة العدو، وهى خط بارليف واحتلال الأرض وقدرة الطيران الإسرائيلى على الوصول إلى عمق الأراضى المصرية، مؤكدًا أن القوات المسلحة استطاعت الوصول إلى نقاط القوة والضعف فى العدو، وتم بناء الخطط على هذا الأساس، وقامت بخوض حرب الاستنزاف التى تكبد خلالها العدو خسائر فادحة وكان حائط الصواريخ بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير حيث حقق لمصر الحماية من التفوق الجوى لإسرائيل. ولفت إلى أن القيادة السياسية استطاعت إقناع إسرائيل بأن الجيش المصرى ليس فى استطاعته أو بمقدوره شن حرب شاملة لتحرير سيناء، ولكنه يمكن أن يقوم بمناوشات للتأثير على المعنويات فقط، متابعًا: «أعطت القوات المسلحة للعدو من المظاهر التى تؤكد له صحة التقارير بأن مصر لن تحارب قبل 30 عامًا». وأضاف: «كانت إسرائيل على قناعة تامة، بأن كلام الرئيس محمد أنور السادات عن الحرب لمجرد رفع معنويات الشعب المصرى، وكان الجنود يقومون بصيد الأسماك على الشواطئ ووصل هذا إلى مداه حتى أن عددًا كبيرًا من الجنود كانوا يمارسون الرياضة والألعاب على الجبهة حتى قبل قيام الحرب ب90 دقيقة، وتركنا بعض الجنود فى ممارسة الألعاب لحين اندلاع الحرب لتحقيق عنصر المفاجأة، لأن القوات المسلحة وصلت إلى قناعة بأن تحقيق عنصر المفاجأة سيشل تفكير العدو ويفقده القدرة على المواجهة». وعن تدمير خط برليف المنيع، والذى يعد أكبر ساتر ترابى صناعى فى التاريخ، قال خلف: «تدمير خط برليف يمثل إعجازًا وإنجازًا حققه الجيش المصرى فى زمن قياسى، وهذا لم يكن ليتم إلا بالعمل والترتيب الدقيق لنحو نصف مليون مقاتل يعملون فى تناغم منتظم»، مشيرًا إلى أن عبقرية سلاح المهندسين العسكريين، استطاعت التفوق على القوة الغاشمة للعدو، فأغلقت فتحات «النبالم» قبل الحرب مباشرة واستخدمت المياه فى مواجهة الخط الذى انهار أمام العبقرية المصرية، وللحقيقة فقد حققت الضربة الجوية نتائج مذهلة، حيث دمرت خطوط الدفاع الأمامية للعدو، وحققت إنجازًا كبيرًا تمثل فى تدمير شبكات الاتصال للعدو، وبالتالى أصبحت إسرائيل لا تعرف ماذا يحدث فى سيناء وعلى الجبهة الشرقية للقناة وظلت لمدة 24 ساعة لا تعرف ماذا حدث، لدرجة أن «موشيه دايان» كان موجودًا على الجبهة صباح يوم 6 أكتوبر وزار النقاط وانصرف معتقدًا أن كل شىء على ما يرام ومصر لن تحارب كالعادة، ولو فكروا فى الحرب فستفعل بهم إسرائيل الأفاعيل، وبعد 4 ساعات كان يصرخ بعدما علم بحجم الخسائر فى صفوف الجيش الإسرائيلى». وتابع: «فى تمام الساعة ال8 من مساء 6 أكتوبر كانت الدبابات تعبر القناة واندفعت القوات نحو الجبهة الشرقية لتحرير سيناء، وكان عامل الوقت مهمًا للغاية وحاسمًا فى المعركة لأننا كنا على يقين بأن الولاياتالمتحدة ستدعم الجيش الإسرائيلى، وهذا ما حدث بالفعل فى يوم 12 أكتوبر». ووجه مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا رسالة للمصريين، قائلاً: «علينا أن نراجع مذكرات قادة الجيش الإسرائيلى لنعرف ما حدث فى حرب أكتوبر، ومصر عندما قامت بالحرب لم تكن تريد مواجهة الولاياتالمتحدة ولكن لإعادة الأرض، فمثلا وزير الخارجية الأمريكى حينها هنرى كيسنجر، قال خلال لقائه يوم 4 أكتوبر مع أحد القادة العسكريين المصريين: «أنتم المهزومون والمهزوم لا يفاوض بمنطق القوة، ولكن عنصر المفاجأة أذهل الجميع بمن فيهم الأمريكان والغرب، لدرجة أن كيسنجر استيقظ من نومه على خبر قيام الحرب وعبور القوات المصرية الجبهة الشرقية للقناة».