تحت عنوان مشروع «ما» أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة كتب مصغرة يجمعها هذا العنوان الإنشائى الاستفهامى الذى يطرح التساؤل عن ماهية أى علم من العلوم أو فرع معين من الفنون والآداب والإنسانيات والموسيقى وغيرها. وكشف الدكتور هيثم الحاج على رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب أن المشروع يقوم على استكتاب كبار المتخصصين فى مجالاتهم، من أجل إصدار مجموعة من الكتابات المبسطة، التى تلقى كل منها ضوءاً على فرع من فروع العلم والمعرفة والفنون والإبداع. والمشروع الجديد يحاكى مشروع كتاب الجيب الذى ظهر فى القرن التاسع عشر، وتحقق الانتشار الواسع له فى ثلاثينيات القرن العشرين، ولاقت فكرة الكتاب إقبالا كبيرا من جمهور القراء فى جميع أرجاء العالم. وحجم كتب مشروع «ما» من القطع الصغير لكى يسهل حمله فى السفر والرحلات بعد أن نختار ما يناسبنا من عناوينها، أو بعض من البحث عنها، نركنها جانباً إلى جانب الحاجات الشخصية التى نحملها، كما البطاقة الشخصية، أو جواز السفر، أو محفظة النقود، أو الهاتف، أو رزمة الأوراق الرسمية، أو النظارات، بالنسبة إلى مستخدميها، أو مفاتيح البيت، بل وربما كما علبة الدخان، بالنسبة للمدخن، أو علبة الدواء، ننكب على قراءتها، فى أى وقت فراغ، خارج البيت، بل وتصبح هذه الكتب ضرورية عندما ننتقل من مكان إلى آخر، ليكون هذا الكتاب رفيق السفر. تسمية كتاب الجيب أتت من حيث إنه من الممكن أن يحمله القارئ معه فى جيبه، ويكاد يكون الكتاب المكتبى المقروء خارج البيت، لذلك فهو رفيق القارئ فى حافلات النقل الداخلي، أوفى المترو، والسفن، والبواخر، والطائرات، بل وتمتلئ به صالات الفنادق، وأجنحتها، وغرفها، بل تجد كتب الجيب فى صالونات الحلاقين، وبعض المقاهي، ينهمك عليها قراؤها، لمدد طويلة، على ضوء المتاح من أوقاتهم، ولطالما كانت هذه الفصيلة من الكتب، بمثابة جسور إلى عوالم «آرسين لوبين»، و»أجاثا كريستي»، ولعل الرواية البوليسية -حصراً- احتلت موقعها الخاص ضمن مكتبة الجيب. ويركز مبسط العلم على منتجات العلم وليس على كيفية الوصول إليه.ففى كتاب «ما الشعر» للشاعر رفعت سلام، يستعرض تعريفات الشعر المختلفة بداية من عصر هوميروس الأب الشرعى للأدب الأوروبي، مروراً بالشعر فى العصر الجاهلي، وصولا إلى الشعر فى العصر الحديث .وليس هناك مفهوم ثابت للشعر على مر العصور والتحولات الشعرية . وقد قسم أرسطو الشعر إلى أنواع متمايزة: الشعر الملحمى والتراجيدى والكوميدى والساتيرى «مقطوعات دينية شعرية غنائية راقصة»، والشعر الغنائي، وهى كلها أشكال من المحاكاة، ويقوم جوهر الإبداع الشعرى لدى أرسطو على اللغة والإيقاع والتناغم، والشاعر هو من يؤلف عملاُ من الأعمال المحاكاة، باستخدام مزيج من المحاكاة. وعادة ما يقسم باحثو الشعر العربى تاريخه، فيما بعد عصر المعلقات، الجاهلي، إلى صدر الإسلام، ثم العصر الأموي، والعصر العباسي، الذى ينتهى بسقوط بغداد فى يد التتار، ويرى رفعت سلام أنه تقسيم سياسى لا علاقة له بالشعر. وفى كتاب «ما التاريخ» للدكتور أحمد زكريا الشلق يذكر أن المعنى اللغوى لكلمة تاريخ تعنى «الزمن» وبيان الوقت وإثبات الحوادث والوقائع مقرونة بزمن حدوثها.حيث يُنظر للتاريخ باعتباره سجلا للحوادث وليس باعتباره الحوادث نفسها.ومن ثم يصبح التاريخ مصطلحاً دالا على صناعة التاريخ أو عملية التأريخ، أى محاولة الإنسان وصف ماضيه وتفسيره، وهذا يتصل بجهود العلماء وفلاسفة التاريخ الذين جعلوا من التاريخ علماً إنسانياً يهتم بإعادة بناء الأفكار والأعمال التى أنجزها البشر. وفى كتاب «ما الفلسفة» يستعرض المؤلف الدكتور عزت قرنى مفاهيم وتعريفات مختلفة للفلسفة التى فى أحد تعريفاتها الفكر العقلانى التأصيلي، فالتفلسف «التأصيل» هو تجميع وتشميل وإدراك للعلاقات وتنظيم وترتيب لأجل الوصول إلى مبادئ وأصول لمعطيات ميدان معين، أو للوجود ككل، وقد سميت الفلسفة بأم العلوم أى جامعة العلوم النظرية، بما فيها علم الطبيعة وعلم الرياضيات بفروعه، وأحيانا ما انضم إلى علومها الميكانيكا والطب، كما عند الفيلسوف الفرنسى ديكارت،وقد اختلط تاريخ العلم بتاريخ الفلسفة اختلاطاً قوياً، لكن خط التطور كان واضحا وهو استقلال العلوم شيئا فشيئاً عن الفلسفة، وآخرها كان علم الاجتماع وعلم النفس. والفيلسوف قائد لكن بغير سعى إلى منفعة والفلسفة دعوة غير إلزامية للتفكير تتوجه إلى الغير من أعضاء الثقافة والمجتمع والعصر. وفى كتاب «ما الموسيقى» للدكتور زين نصار الذى يعرف الموسيقى بأنها أنغام تنساب سواء من غناء إنسانى أو من آلة موسيقية أو منهما معا، فتؤثر فيمن يسمعها تأثيراً مباشراً. فالغناء له تأثير فى النفس الإنسانية، وهو أهم الممارسات الفنية للتعبير عن المشاعر المختلفة سواء كانت مشاعر عاطفية أم دينية أم تعبيراً عن الأفراح أو الأحزان. أما السيمفونية فهى مؤلف موسيقى طويل يعزفه الأوركسترا السيمفونى ويتكون من أربع أو خمس حركات، وقد استقر شكل السيمفونية عام 1760، وأسهم عدد من المؤلفين الموسيقيين فى تطويرها، حتى نضجت وأخذت شكلها المعروف على يد مؤلفها الموسيقار النمساوى فرانز جوزيف هايدن( 1732- 1809) الذى ألف 104 سيمفونيات وأطلق عليه« أبو السيمفونية». وفى كتاب «ما السينما» للدكتور وليد يوسف الذى يشير إلى المحاولات المبكرة والتى مهدت لظهور السينما متمثلة فى نظريات ابن الهيثم ( 956- 1039) التى نشأ عنها اختراع كاميرا الفوتوغرافيا التى تلتقط الصور الثابتة، والتى أحدثت انقلابا فى العالم لم يفقه سوى كاميرا السينما التى التقطت الصور المتحركة، وكانت أول محاولة جادة من خلال المخترع «إديسون» الذى سبق له اختراع آلة «الفونوجراف» الذى حرر من خلاله الصوت من سجنه، وعلى الدرب نفسه فكر فى تحرير الصورة من خلال جهاز سماه «الكينوجراف» وهو أول كاميرا عرفتها السينما بين عامى 1890، و1891، وهى صورة بدائية للسينما بدون بروجيكتور. وقد استفاد الأخوان «لوميير» من هذا الاختراع وطوروه وأضافوا إليه الكثير، فاخترعوا المحرك الرئيسى الذى لم يفكر فيه إديسون، أى آلة العرض التى ولدت من خلالها السينما، وجاء العرض الرسمى الأول على يديهما فى 12 ديسمبر 1895 فى الصالون الهندى فى الجران كافيه فى باريس، على أنغام البيانولا وأمام جمهور محدود، واستمر لمدة عشرين دقيقة، كانت كفيلة بإحداث ثورة فى تكنولوجيا الصورة، ليصبح هذا التاريخ هو التاريخ الرسمى لبداية السينما فى العالم. أما مصر فشهدت أول عرض سينمائى فى بورصة طوسون بالإسكندرية يوم 5 نوفمبر عام 1896، وأعقبه أول عرض سينمائى فى القاهرة يوم السبت 28 نوفمبر 1896 فى صالة حمام شنيدر. وفى كتاب «ما علم الاجتماع» للدكتور أحمد زايد، يعرف علم الاجتماع بأنه العلم الذى يدرس المجتمع دراسة علمية من أجل التوصل إلى القوانين الحاكمة للمجتمع فى حالة استقراره وتغيره، وكذلك التعرف على ما يمكن أن يتعرض له المجتمع من مشكلات اجتماعية والطريقة التى يمكن بها الوقاية من هذه المشكلات وبسط مسارها. والقضايا التى يتناولها الاجتماع تشمل: المجتمع والبناء الاجتماعي، والنظم الاجتماعية والأنساق الاجتماعية والثقافة، والأسرة، والحياة السياسية والاقتصادية والتنشئة الاجتماعية وآلياتها، والجريمة والانحراف. و لا بد من معرفة أمر مهم، أن كتاب الجيب، هو مختلف عن الكتاب الكلاسيكي، من حيث علاقته بالمكان، إذ صحيح أن له مكتبته الخاصة، فى أى مكتبة بيتية أو مؤسسية، إلا أن الأرفف المخصصة له تكون صغيرة، قياساً إلى حجم الأرفف المخصصة للمجلدات، والمعاجم، والموسوعات، والكتب ذات الحجم الكبير، أو حتى المتوسط، إذ يصح فيها قولنا «الكتاب صغير الحجم» أو«الكتاب الصغير» إلى جانب اسمه الحقيقي، الشائع، الأغلب عليه: «كتاب الجيب»، وهو من هنا كتاب يتخذ من المكتبة محطة، حيث إن إقامته فيها مؤقتة، مقابل إقامة الكتب الأخرى الدائمة فى حاضناتها المكتبية، إذ إن الكتاب الجيبى قد يستعمل فى حدود البيت، شأن الكتاب دائم الإقامة، أو أنه يرافق حامله خارج عنوان إقامته . وإذا كانت المكتبة البيتية- أكثر ثباتاً وديمومة وصموداً- أمام عوامل تبديدها، وزوالها، من حيث العمر الطبيعى للكتاب، فى ظل الظروف المناخية، أو غيرها، أو حتى إمكان تعرضها للسطو الشرعي-عبر الاستعارة أو غيرها من الأساليب المشابهة - فإن مكتبة الجيب تكون فى الأغلب -سيارة- أو طائرة- بحسب التوصيف الشعبي، لأنها متحركة، غير ثابتة، سهلة الحمل، بل إنها سهلة التلف، وذلك فإن الكتاب التقليدى يعتنى بورقه، وغلافه، وحبر طباعته، بل وبطريقة خرزه، بيد أننا نجد أن ورق كتاب الجيب غالباً ما يكون من النوع الهش، سريع التلف، بل ومطبوع بأنواع رديئة من الحبر، ناهيك عن أن أغلفتها نفسها تكون من الورق المقوى جزئياً، وأن جمع صفحاتها يكون بوساطة مادة الغراء، لذلك سرعان ما تتآكل أغلفة وأوراق هذا النوع من الكتاب، بفعل الاستخدام، حيث هناك من يرى أن كتاب الجيب، قصير العمر، بل إنه لايصلح للتداول، والقراءات المتكررة، حيث يرمى، ويغدو غير قابل للاستخدام لكن مشروع هيئة الكتاب الجديد جاء فى طباعة فاخرة ومميزة. ولعل ما يزيد من شعبية الكتاب الصغير الحجم، هو أنه سهل التكلفة، طباعياً، نتيجة رخص الأدوات التى أعد منها، وهو ما يجعله فى المقابل رخيص السعر، فى متناول جميع الطبقات الشعبية بالإضافة إلى أن قلة تكلفته، تشجع دور النشر على طباعة أعداد كبيرة منه، بحيث تكاد تصل إلى كل مدينة، أو قرية، أو مؤسسة، أوحي، أو مكتبة، أو شارع، أو بيت، بل وإلى أى قارئ متابع. ومن هنا، فإن طالب المدرسة، أو العامل، أو الموظف، أو الجندي، يحصلون على هذا الكتاب، ناهيك عن أنه يقرأ بين أوساط النساء، كما يقرأ بين أوساط الرجال، بل إن من مميزاته أن الطفل، أو الشاب، أو الكهل يقدمون على قراءته، كل من أجل ضالته التى يبحث عنها بين غلافيه.