لن يتركوني في حالي انفرد بنفسي لأتأمل للحظة.. كثيرون هم من يميلون للصلح ذلك أن الصلح خير.. لأن ذلك في عرفهم يعني أنك لست من هواة المشاكل.. تريد أن تستتب روحك.. بعد ما أثارته فيك المتاعب من أشجان.. وأخطر ما تثيره المتاعب هو ما تثيره في النفوس.. مهما كانت الآثار المادية لما حدث في المعاركة تبقي ندوب الروح وقروح النفس أنكي.. والذبيح الجريح المظلوم طعن مرتين طعن يوم طعنه الظالم.. وطعن ثانية منذ تعايش مع القهر.. "يهري وينكت" حسب التعبير العامي البليغ؛ يكلم نفسه، يحاجج ظالمه، يقارعه كلمة بعشر، ولكمة بألف، لكن بلوعة الوقت بدل الضائع.. المظلوم أسير هوسه طالما ظل غريمه بمأمن من ملاقاته بعد أن تحصن بالخداع عن مواجهته.. لقد فر دائماً قبل أن يدرك غريمه ما سلبه إياه.. طبعا ولك ألف حق "الصلح خير"، خير لنفس ترتضيه فهو صلح بين المرء وبين نفسه قبل أن يكون بينه وبين غريمه.. ولكن ضمان التصالح مع النفس هو أن تحدث المصالحات وفقاً للأصول.. و إلا كانت استمراراً للظلم واستمراء للباطل، ولنا مع الأصول وقفة. يسوق إليك دعاة الصلح المدججين بالعظة ما يخرسون به جنابك فيبلعونك لسانك.. يثبتونك بالعفو عند المقدرة كشيمة من شيم الكرام.. وهم بذلك يقيمون علي أنفسهم الحجة قبل أن يقيموها عليك.. نعم العفو عند المقدرة.. ومهرها التحقق من المقدرة أولاً، يعني أن أكون قادراً في أتم أوضاع التمكن فأخير بين العفو وبين سواه.. لكن أن تكون الأوضاع ملتبسة وزئبقية يغار قرموط من تزحلقها ثم تطالبني بالعفو - ذاك لعمري - تسجيد في تثبيت.. فغداً يعود من عفوت عنه فيقول لك ولو بلسان حاله - اللي عايز قطعه - هو العفو كان علي إيه أساساً؟! يقول لك من يقول:"عفا النبي عن قريش" وقال: "أذهبوا فأنتم الطلقاء"، يستشهد آخرون بقول المسيح : من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر، و ثالث يذكر قول يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم" فأقول حقاً وصدقاً ويقينا عفا النبي حين ملك وعفا وقال له من قال أخ كريم وابن أخ كريم يعني يوم اعترفوا له بالكرم وأقاموا علي أنفسهم الحجة بأنهم ليسوا كراماً بل لئام ولا يستحقون عفوه فإن عفا فعن كرم.. وقال المسيح قولته لتلك التي لم تخاتل في جرمها واعترفت صريح الاعتراف ولم تنكر أو تناور أو ولم تحنث باليمين أخطأت وخطئها يهون أمام من علا فاستكبر وتنطع واستعلي وتعاظم عن الاعتراف بالخطأ إلي حين.. ويوسف عفا عن إخوته حين اعترفوا باستحقاقه عليهم وتابوا وأعلنوا أن الله قد أثراه عليهم استحقاقاً لا اصطفاء. إذن أصول المصالحة أولها الاعتراف والاعتراف لا يأتي بعد ثبوت الدليل.. وليست التوبة لمن عاين شبح الرحيل فقال إني تبت الآن.. لكن مزيج الغطرسة بالهطرسة بالكبر بالتلفيق بالسلبطة بالمناورة قدر الطاقة وتخطئ من ترجو عفوه قدر الاستطاعة عفواً لن يكون أبداً إلا تضليلاً.. لن أطالب بدم الشهداء فلست أهلاً للمطالبة به. لن أطالب بدية ألوف الألوف افترسهم السرطان ولاكهم الفشل الكلوي واعتصرهم الفشل الكبدي وغيرهم فحسابهم عندك سينالونه بين يدي عدل لا يعرف المواربة والحق لديه لا ينتقص. لن أقول رد للبلاد ما سلبت ما أكلت ما شربت ..ما لبست و ما لا أدري فكله لن يعود إلا ملوثاً. لن أقول رد للبلاد كرامتها ومكانتها وقدرها وانزع من تاريخها سطراً ملوثاً جاء فيه رئيس لص. لن أقول رد استحقاق زي عسكري ارتديته في غفلة من الزمن فلوثته بعار لن يمحوه اعتراف. لن أقول ذلك لأنني لم اقله يومها وأي مروءة في قوله الآن. لكني أقول: رد لي ثلاثين عاماً مضت من حياتي وأنا اليوم أشارف الأربعين ولست تدري كم خربت في.. رد عمراً ضاع ومثلي يسعون في إثبات استحقاقات نزعتها منهم يد الجهل والغطرسة واللؤم والتطاول وسحق القيمة والاستخفاف وسم الموهبة ودعم الفهلوة وإذكاء الاستعباط .. ورد للأزواج، للآباء، للأبناء معني القيمة رد لي أيامي بيتي رفاقي أمني براءتي وإلا فدعنا نجاهد أن ننساك في سلام ولتنتهي في صمت لا تعتذر .