انتهى شهر رمضان المبارك، الذى كان فرصة كبيرة لتنقية الروح والنفس من كل ما علق بها من أحقاد وعدوانية، ومحاولة إعادتها إلى فطرتها التى خلقها الله تعالى عليها صافية نقية تفيض بالخير والمحبة والروحانيات التى تبتعد بالإنسان عن شهواته وملذاته الشيطانية، وتكبت الدوافع العدوانية الشريرة، وتطرد عنه الأفكار الشيطانية التى تضر بنفسه وبالآخرين، روحانيات تجعل منه إنساناً أقرب للملائكة فى أفعاله وتصرفاته الطيبة النبيلة التى تسمو به، وتنفع الناس وتسعدهم. وإذا كان شهر رمضان قد انتهى هذا العام، ولا نعلم ما إذا كنا سنبلغه العام القادم لنتزود بجرعة روحانية تغفر لنا ما اقترفناه من ذنوب ومعاصى وآثام فى حقوق الآخرين؟ أم سنكون مع من سبقونا إلى الدار الآخرة دون أن ننال من رحماته التى تنزلت، والتوبة والمغفرة التى وعدنا الله بها، لكن عيد الفطر الذى جعله الله تعالى جائزة لعباده الصائمين، ليفرحوا ويسعدوا بطاعتهم وتقربهم إلى الله خلال شهر رمضان، وجعلهم أقرب لملائتكه الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يمثل ذلك العيد فرصة فى نهاية شهر رمضان لكى نحاول تطهير أنفسنا بإدخال السعادة فى نفوسنا ونبعدها عن كل الأحقاد والشرور، ونسعد غيرنا الذين حُرموا من السعاد بحزنهم على ما أصابهم من مكروه نتيجة أحقاد الآخرين. يأتى عيد الفطر لنتعلم منه معنى السعادة والفرحة، والتى غابت عن كثير، إن لم يكن كل أبناء مصرنا العزيزة، ووطننا العربى الكبير وعالمنا الإسلامى الواسع، فلقد شهدت مصرنا الحبيبة وعالمنا العربى والإسلامى أعمال قتل وترويع وشرور طالت كل بيت وكل أسرة، فما أبقت للنفس سبيلاً إلى البهجة والسعادة، وباتت كل أسرة مكلومة بفقدان أب أو أخ أو ابن، أو جار عزيز أو قريب حبيب، فعزفت النفس عن الفرحة والابتهاج، على عكس ما أراده الله لنا، وما خلقنا لأجله أن نكون شعوباً وقبائل لنتعارف ونتبادل المحبة ونتعاون على البر والتقوى. لم يرد الله لعباده أن يحزنوا، ويعيشوا دنياهم فى حزن وهم وشقاء، بل على العكس من ذلك، أراد الله تعالى للمسلمين أن يكونوا أسعد البشر، بتراحمهم ومحبتهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي، فلماذا يبدل البعض ما أراده الله لعباده من السعادة والبهجة بالتعاسة والشقاء، ويتقولوا على الله ما لم ينزل به سلطانا؟ لماذا يبيحون القتل والترويع للآمنين المسالمين؟ من دلائل رحمة الله تعالى على عباده أنه أوجب عليهم الفرح والابتهاج، فقد وهب عيدى الفطر والأضحى للمسلمين لكى يعيشوا السعادة والسرور، لذا فقد حرّم صيام يومى العيدين، حتى لا يحجبهم الصيام فى هذين اليومين عن البهجة وممارسة الحياة الطبيعية بكل مباهجها دون إسراف أو انحراف عن الخلق القويم الذى يدعو إلى المحبة والسلام بين كل البشر. لقد أراد الله تعالى ألا تكون الفرحة والبهجة مقصورة على الأغنياء دون الفقراء، أو مقتصرة على مجموعة من الناس دون غيرهم، فقد شرع الله زكاة الفطر فى شهر رمضان حتى يترفع الفقراء عن مذلة السؤال فى يوم العيد، ولا يكون فى هذا اليوم جائع أو محتاج، لتكون فرحته وسعادته مكتملة كغيره من البشر، وحتى تكون فرحة الأغنياء سوية لا يكدرها منظر بائس أو محروم. ليكون العيد فرصة لنتعلم كيف نفرح ونسعد فى حدود ما يُرضى الله عز وجل، وندخل الفرحة فى نفوس غيرنا ممن يعيشون معنا على أرض هذا الوطن، فكلنا فى سفينة واحدة، ننجو جميعاً ونسعد بحياتنا، أو نغرق جميعاً ونخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فإذا كان العيد يبحث للإنسان عن فرصة للتدريب على السعادة، فلا يجب أن يكون ضيق الأفق سبباً فى الحزن وتعاسة الآخرين. يدعونا العيد للبهجة والسعادة فى أبسط صورها، وتلك هى السعادة التى يجب أن تعيش معنا طوال العام بعد أن نكون قد تدربنا عليها فى أيام العيد، ونعمل على نشرها بين الجميع، إنها أخلاق العيد الذى نقتبس اسمه لنضيفه إلى المناسبات التى تدخل فى أنفسنا البهجة والسعادة والسرور، فنضيف إلى كل مناسباتنا السعيدة لقب «عيد» لنفرح ونسعد بها.