ينتشر العديد من المراكز الفنية الثقافية المستقلة بوسط البلد، حتي أصبحت هذه المنطقة ذات طابع معاصر له مذاقه الخاص، مركز الصورة المعاصرة cic أحد هذه المراكز التي تعمل في هدوء علي تنمية المجتمع وثقافته من خلال المشروعات الفنية المعاصرة والتي آخرها معرض «بروباجندا المعالم التذكارية» لفوتوغرافيين معاصرين من مصر: أحمد كامل، إيمان عيسي وآخرين أجانب: حسن وحسين إسوب، انجيلا فريرا، دان هالتر، كيلوانجي كيا هندا ورونا إسلام والتي سيتم افتتاح عملها بجاليري التاون هاوس يوم 29 مارس الجاري. تعامل الفنانون مع الصورة الفوتغراوفية بأسلوب معاصر يخرج عن الإطار التقليدي للقطة الفنية الموضوعة داخل الإطار الزجاجي والمعلقة علي الحائط، فاللقطة هنا في «بروباجندا المعالم التذكارية» هي لقطة توثيقية أكثر تناقش سرديات إعادة البناء وإعادة تشييد المكان علي المستويين الجمعي والفرد خاصة عقب فترات الاضطراب والثورة. أيضاً الصورة هنا هي جزء من منظومة فنية أخري، فالفنانون كل في مشروعه قد تعامل مع الصورة الفوتوغرافية باعتبارها عنصراً في نسق فني آخر تقاسمت فيه دور البطولة مع عمل تجهيز في الفراغ تارة ومع عمل فيديو آرت تارة أخري، لتتعدد مستويات العمل الفني المعاصر ما بين الصورة الثابتة الجامدة والصورة المتحركة مع الموسيقي والعناصر المختلفة من البيئة التي أعيدت صياغة علاقاتها فيما بينها، وكأنها إعادة إنتاج للخامة ولكن في سياق يختلف عن المعتاد. في عمل أحمد كامل «مونولوج» يقدم كامل حالة من التنافر بين جمهوريتين مصريتين جمهورية عبد الناصر في فترة الستينيات وما تحمله من حالة تألق فني وشعور جمعي بالقومية من خلال استخدامه لمقاطع غنائية وطنية مختلفة علي مجموعة من الصور المتحركة لرقصات مختلفة من جمهورية مبارك لكنها تبدو خاوية وبلا معني، لذا تدخل في علاقة متنافرة مع الموسيقي التي تسمعها الأذن. يناقش الأخوان حسن وحسين اسوب قضية مهمة وهي قضية المسلمين وتشكلهم بمختلف السلوكيات داخل النسق العلماني الذي يسود المجتمع الأوروبي، في نفس الوقت لا يتسبب ذلك في أي نوع من أنواع التشتت، لكنه من خلال الصور التي في كل لقطة منها نجد فيها إعادة صياغة لهذا الفرد تبعًا للمكان الذي يتواجد فيه، وكأنه نوع من التحايل علي الاختلاف، مما أعطي في بعض اللقطات إيحاء فكاهياً لوضعية الأخوين في الانساق المختلفة. إيمان عيسي قدمت مستويات مختلفة في عملها الفني ما بين الصورة والمصباح الضوئي، مع نص حواري ما بين موظف ومديرته، وهو نص لا يوحي بأكثر مما يظهر من حوار جاف رسمي، لكنه لم يخل من القليل من الود الممزوج بالاحترام من المرءوس لرئيسه. إنما استخدمت عيسي المصباح الذي يضيء بشكل متوتر وكأنه يبحث عن عنصر مفقود، فلا يجده ويظل يضيء وهو ساكن بمكانه. دان هالتر يقدم حالة مختلفة التناول للصور المتحركة «ملكة الاحتفال الزيمبابوية» فهو يقدم من خلال فيلمه لقطات متحركة متضادة لمجموعة في المجتمع الأبيض وهم يحتفلون ويرقصون في فترة النصف الأول من التسعينيات والتي يرفضها المجتمع الأوروبي، فهو يعتبر هؤلاء الشباب في احتفالهم متطرفين ومتمردين علي القيم الأوروبية، في لقطات أخري متوازية نري المتظاهرين الأفارقة وهم يتظاهرون مطالبين بالحرية، وتتسم مظاهراتهم بالكرنفالية من حيث الرقصات القبلية التي يقومون بها. هناك حالات من التضاد الواضحة للناظر ما بين حرية هؤلاء وتعبيرهم الحر والآخرون المتظاهرون يطالبون بحريتهم أيضاً لكنهم متشابهون في طريقة التعبير أيضاً وهو «الرقص» لهذا عرض هالتر هذه اللقطات المتنوعة مصحوبة بأغنية واحدة راقصة وهي «الكل يصرخ» فالصرخة كفعل إنساني هدفها واحد وهو لفت الأنظار والتأكيد علي قوة الحدث، لكن تختلف أسبابها فالمجتمع الأبيض عند هالتر يصرخ من فرحة الحرية إنما الأفارقة يصرخون مطالبين بحريتهم المسلوبة هذه بعض من الأعمال التي قدمت المعالم التذكارية من وجهة نظر صاحبها وكيف يعبر عنها وكيف يصيغها في سياقات مختلفة عما تعود عليه المتلقي، فهو يقدم تجارب مختلفة لشعوب مختلفة، لكن في النهاية المطلب الإنساني الذي تتوحد فيه كلمة الشعوب جميعاً هي الحرية والعدالة والإنسانية.