إن الخطاب القرآنى الذى نزل به أمين الوحى جبريل عليه السلام على النبى محمد صلى الله عليه وسلم قد جعل الحوار أصلاً ثابتاً فى الدين وفى أصول الحضارة الإسلامية، ومبدأ من مبادئ الشرع الحنيف، استناداً إلى قوله تعالى: {قُلْ يٰأَهْلَ الْكِتَٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ}[آل عمران:64] فهذه الآية دعوة صريحة إلى الحوار الهادف بين المسلمين من جهة وبين أصحاب الأديان والحضارات والثقافات من جهة أخرى. ومن هنا، فإن الحوار الذى ندعو إليه وندخل فيه هو الذى يستمد الاعتدال من روح الإسلام وتعاليمه التى تدعو إلى الوسطية فى كثير من الآيات القرآنية، والتى منها قوله تعالى: {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:143] والمقصود بالوسط هنا الاعتدال والمثالية وعدم التعصب، بحيث يكون حوراً بالكلمة الراقية والمنهج السوي. ولقد حرصت الأمم والشعوب منذ القدم على تبادل المعارف والخبرات وأنماط الحياة من قيم وسلوك وتقاليد عن طريق التفاعل العفوى الطبيعى بحيث أصبحت بمجملها جزءاً من مفردات نسيجها الاجتماعى دون قصد بفعل التواصل الحضارى على مدى الأزمان المتعاقبة، وهذا فى حقيقته يمثل طرفاً من المفهوم الذى أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَٰرَفُواْ}[الحجرات:13]. وعليه فقد اقتضت حكمته تعالى أن يخلق الناس متفاوتين ومختلفين، وأن يظلوا كذلك ربما من أجل تحقيق التعارف والتبادل والحوار بين بنى البشر: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود:118-119] وهكذا استمرت العلاقات بين الأمم والشعوب فى أرجاء المعمورة مضطربة مرة ومتفقة مرة أخرى يحدوها الأمل فى إقامة علاقات حسنة تقوم على أساس التفاهم والاحترام المتبادل. وقد وضع الإسلام قواعد واضحة للعائلة البشرية، وأعلن فى صورة واضحة لا تحتمل اللبس أو التأويل أن الناس خلقوا جميعًا من نفس واحدة مما يعنى وحدة الأصل الإنساني، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا}[النساء:1]. لذلك فقد جاء الخطاب النبوى يقول: «الناس بنو آدم وآدم من تراب» وعليه فالناس جميعًا فى نظر الإسلام لهم الحق فى العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز، ولا يصح أن يكون اختلاف البشر فى ألوانها وأجناسها ولغاتها ودياناتها سببًا فى التنافر والعداوة، بل يجب أن يكون داعيًا للتعارف والتلاقى على الخير والمصلحة المشتركة، كما أخبرنا الله تعالى بقوله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا}[الحجرات: 13] وميزان التفاضل الذى وضعه القرآن إنما فيما يقدمه الإنسان المؤمن من خير للإنسانية كلها {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات: 13] وعليه لا بد من نقل هذا التلاقى والتعارف وهذا الحوار الراقى إلى مشاريع وأهداف تصب فى صالح البشرية فى كافة مجالاتها، وأن يترجم هذا الحوار إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، ويخرج من دائرة الندوات والمؤتمرات والمناظرات إلى واقع التنفيذ والعمل الجاد من أجل العالم أجمع. مستشار مفتي الجمهورية