قال عماد أبو غازي وزير الثقافة، أن تتبع الباحثة بسمة عبد العزيز للعلاقة بين الشعب وجهاز الشرطة، وتحوله من جهاز يحمي المجتمع إلي جهاز يقمع المجتمع، بدءا من عصر الدولة المصرية القديمة، يكشف أن تحول جهاز الشرطة للقمع، كان نتيجة للاستعمار الذي عانته مصر علي مر العصور، كان تتبعا يتميز بالجرأة. جاء كلام أبو غازي خلال مشاركته في مناقشة كتاب "إغراء السلطة المطلقة"، للباحثة بسمة عبد العزيز الطبيبة النفسية في مجال ضحايا التعذيب بمركز "النديم" لحقوق الإنسان، وهي المناقشة التي أقيمت علي هامش حفل توقيع الكتاب أمس الأول بمكتبة " أ "، مع كل من الدكتورة نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وبهي الدين حسن مدير مركز "القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، وأدار الندوة عماد العادلي المستشار الثقافي للمكتبة. أكد أبوغازي أنه حرص علي التواجد كباحث في التاريخ والوثائق، وأنه عاون الباحثة في الجزء التاريخي من الكتاب، وأن جرأة الباحثة في التناول للظاهرة ووصولها في قراءتها حتي اللحظة الراهنة لفت انتباهه، ودارت بينهما عدة مناقشات، من بداية تناولها التاريخي حتي بدايات القرن الماضي. وقال إن الباحثة عملت مقارنات بين الفترات التاريخية المختلفة ومحاولة لرصد طبيعة الحكم، نظرا لتأثر الجهاز بطبيعة الحاكم الأجنبي أو المصري أي الوطني، كذلك رصد الصعود والهبوط في شكل وتطور العلاقة في العصر الحديث منذ القرن العشرين وصولا للعام الماضي، ما بين المجتمع والجهاز من خلال العنف الجسدي وأشكاله الموجهة في البداية للمعتقلين السياسيين، إلي أن تطورت لتصبح سائدة علي كافة المواطنين. وأضاف: وكذلك من المحاور المهمة في الدراسة، رصد الطبيعة النفسية والتحولات الحادة وعلاقتها بتكوين "ضابط الشرطة" في مرحلة الدراسة، وكيف أنها تؤدي به لممارسة سلوك معين مع المجتمع". في ختام كلمته أكد أبو غازي أن أهمية الكتاب تكمن في التنبؤ بتصاعد ورفض المجتمع فيما بعد، لكنه تساءل هل تصورت الباحثة أنه سيكون بهذه الطريقة أم لا، إنما يحسب لها أنها قدمت صرخة ضد السلطة المطلقة في وقت تحكمها في كل شيء، وتقديمها لرؤية مهمة وعمل قد يفتح بابا لدراسات عديدة عن العلاقة بين السلطة المطلقة التي تمارس ضغوطا علي المجتمعات التي تعيش بها، لكن اليوم وبعد سقوط هذه السلطة أعتقد أنه درس لاحترام الإنسان الذي هو القيمة العليا أملا في عدم تكرار ما حدث في الماضي، لأن دروس الماضي هو رهينة الحفاظ علي ما تحقق للمستقبل. ومن جانبها عبرت الدكتور نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية في بداية حديثها عن سعادتها باهتمام كل هذا الحضور بموضوع الكتاب المطروح للمناقشة، واعتبرت أنها ظاهرة ثقافية غير منتشرة، كما أكدت علي عدم مزايدة الباحثة علي الثورة استنادا لاستلامها الكتاب في 27 يناير الماضي، إنما جاء اهتمامها بدراسة هذه العلاقة كخط أصيل في الممارسة لعملها الابداعي والدأب في معالجة الظاهرة. ركزت مسعد علي ظاهرة "التحقيب" التي اعتمدت عليها الباحثة والتي تسمح للقارئ بمتابعة آليات وتطور العنف في المجتمع، قائلة: " أري أن الباحثة قد حاولت استخلاص تطور أشكال العلاقة بين الجهاز والمجتمع، نظرا لأنه في حالة استقرار الوطن تكون العلاقة طبيعية وسوية، لكن في عدم الاستقرار تبدأ الشرطة في الاستئساد والقمع، الذي هو من أهم سمات الدولة الضعيفة. كذلك التمييز بين وجود المشروع الوطني من عدمه، فلقد تحدثت عن نظام ثورة يوليو من خلال الثلاث جمهوريات وميزت عند "عبدالناصر" بين التعامل الانساني من الشرطة مع المجتمع وبين غلظتهم مع المعتقلين السياسيين، لأنه لم يكن نظاما ديمقراطيا. المرحلة الثانية "السادات" كانت الغلظة تسري علي الجميع حتي أصبحت مصر كلها تقريبا معتقلة قبيل قتل السادات. في عهد "مبارك" أفردت الباحثة المساحة الأكبر من الدراسة، من حيث نوعية العنف وآلياته ونطاق استخدامه، أيضا مجموعة من الظواهر التي تميز بها عمل الشرطة، من حيث التماهي بين رجل الشرطة والقانون وكيف أنه لم يستطع الخروج والفصل ما بين مهنته وبين حياته الشخصية كمواطن مصري عادي. في هذه المرحلة العلاقة بين الشرطي والمواطن هي كعلاقة السيد والعبد، أذكر أن مجلة "الشرطة" في إحدي السنوات مارست نوعا من النقد الذاتي، من خلال استطلاع آراء المثقفين وآخرين من الأساتذة والمفكرين في شكل أداء الجهاز، والذي حمل عددا من الآراء المتباينة ولم يتكرر هذا الاستطلاع مرة أخري إطلاقا". أضافت مسعد أن فصل "انفراط عقل الدولة" هو أفضل فصول الدراسة، نظرا لمناقشته وضع إحالة الدولة لوظائفها إلي المواطن، وبالتالي أصبح يحاجج الشرطي، ووجود ظاهرة اللجان الشعبية بعد الثورة التي ذكرتها الباحثة، وكأنها كانت تقرأ كتابا مفتوحا !! كما اهتمت مسعد في وقوفها عند بعض نقاط الدراسة علي تحليلات أخري كظاهرة البلطجة والتحرش الجنسي، التي قد أحالها البعض لضياع القيم واختلاف الأجيال، في حين البعض الآخر وجدها نتيجة للضغط والظروف الاجتماعية ولابد من ايجاد البدائل، غير أن البلطجة لم تقتصر علي الطبقات الفقيرة بل إنها تمارس علي نحو أوسع من الميسورين، رغم نشأتهم علي القيم إنما بشكل مختلف. عن ظاهرة التحرش أشارت مسعد أنه أصبح من الطقوس اليومية التي تمارس بشكل عادي في الحياة مما يدعو للتقزز، فأصبحت هذه الظاهرة عابرة ومتجاوزة للطبقات الاجتماعية. اختتمت مسعد كلمتها بملاحظتين علي الدراسة قائلة: " الملاحظة الأولي هي عدم مساس الباحثة بالجزء الغاطس من جبل الثلج وهو جهاز "أمن الدولة"، الملاحظة الثانية كنت أود أن تظهر الباحثة أشكال استخدام هذا الجهاز لأقصي درجات عنفه حماية للسائحين وأثناء الانتخابات، لأنهم في هذه الأثناء لا يعنيهم سوي "سمعة مصر" والدخل القومي، مما يوضح تنوع عنف الشرطة تبعا لاختلاف أولويات النظام عن أولويات المواطنين، مما صنع انعدام الثقة والفجوة بين المجتمع والشرطة". تركزت كلمة بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في الربط مابين الدراسة وبين الوضع الراهن بعد ثورة "25 يناير"، من خلال مجموعة من الإشارات لبعض أحداث الثورة، قائلا: " تكاد تكون الدراسة كأنها كتبت خصيصا لثورة "25 يناير"، والتي لم تبدأ كثورة! إنما اختار الشباب يوم "عيد الشرطة" ليعلنوا غضبهم من الدولة البوليسية، بصرف النظر عن تخطيط الجماعات الشابة لإنجاح اليوم ليصبح ثورة، يصل فيها عدد المتظاهرين لحوالي 12 مليون متظاهر في أحد أيامها. استطاعت الباحثة بطريقة مبسطة توصيل أفكار عميقة وكبيرة تكاد تكون قد أعادت تأصيل الوضع كاملا قبل الثورة، ولقد انتهت الدراسة بنبوءة لما حدث، وهي قريبا جدا لأحداث الثورة". أشار حسن لواحدة من مفارقة تماس الدراسة مع الأحداث، في تأكيدها لانسحاب الشرطة فعليا من دورها، واستدلالها بعشرات الأمثلة علي هذا الانسحاب، الذي استكملته بانسحابها الفج يوم 28 يناير، الذي يتم التحقيق فيه الآن كمؤامرة. يتوقف حسن عند نقطتين أساسيتين بالدراسة، الأولي "نظرة المواطن للشرطة"، التي وصفتها الباحثة بالتعددية، من حيث نظرة الشفقة الشديدة علي عسكري المرور وجندي الأمن المركزي، رغم الصدام معهما، فرغم التصادم في التظاهرات إلا أن المتظاهرين كانوا يشعرون أن عسكري الأمن المركزي "مفعول به" وهذه هي نقمته الأساسية، النظرة لكيفية فرض الشرطة للإتاوات، المستوي الثالث من هذه النظرة لممارسة القسوة والعنف. أما النقطة الثانية فتتعلق بتفسير العنف، التي اختلف فيها مع رأي نيفين مسعد في اننا ازاء نظام واحد وليس ثلاثة، بناء علي أحادية العقيدة الامنية في أن الشعب هو العدو! مشيرا إلي أن الباحثة في تعرضها لما عرف بالبوليس السياسي فترة "عبدالناصر" تعاملت معه وكأنه خارج علي نطاق الدراسة، فالقسوة التي حدثت في عهد عبدالناصر اكثر منها عند مبارك وهو ليس تمجيدا لعصره، فالخطاب الديماجوجي بالثلاث جمهوريات واحد، إلا أن التعذيب كممارسة منهجية كان قد توقف في عهد السادات في مواجهة المواطن العادي، انما كانت ممارسات في مواجهة السياسيين، والتي كانت مشتركة بين جهازي الشرطة والمخابرات. واختتم كلمته بالإشارة إلي أن مناقشة وضعية الشرطة الخاصة بعهد "مبارك"، لا بد من الأخذ في الاعتبار الوضع الجديد الذي بدأ في الثمانينيات وهو الترسيخ لفكرة الدولة البوليسية، وأن المؤسسة العسكرية هي ركيزة النظام.