كتب: د/ على الشامى يقول الكاتب والفيلسوف اليونانى نيكوس كازانتاكيس: «ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة»، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت إن هدف الكثيرين فى هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحو التحلل، نحو المادة، ويقول «نيكوس» أيضا فى وصف هذين التيارين: «هذان التياران كلاهما مقدس»، إلى هنا انتهى كلام كازانتاكيس، ويقول الطبيب النفسى والمفكر النمساوى الشهير سيجموند فرويد: «إن الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاواعية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء، ودعاها «الإيروس»، والأخرى رغبة الهدم وسماها «الثانتوس»، وفى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط، تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة، وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة، وأن العدوان والتدمير المقصود به كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها، بل خصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء. وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقامت على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو. الحديث هذه المرة حديث خاص عن نموذج فريد فى جماعة الاخوان المسلمين المحظورة ويكتسب تفرده من طبيعة التجربة ذاتها التى عاشها قبل وبعد أحداث 25 يناير، شخصية دسمة بكل ما تحمله الكلمة من معان، حديثنا فى هذه الحلقة عن حازم صلاح أبو إسماعيل. عندما نتحدث عن أبو إسماعيل فإننا نتحدث عن شخصية معقدة رغم بساطة الطرح التى تقدمه دوما أو وضوحه أو لنقل هو وضوح مزيف إلى حد كبير، فتبدو الأمور وكانها بسيطة على تعقيدها وتركيبها، وقبل أن نخوض فى حديثنا عن أبو إسماعيل لابد لنا أن نخوض فى حديث غيره، لكنه لا ينفصل بشكل أو بآخر عن الإطار الذى نتحدث فيه، فلابد أن نلقى الضوء على عموم الصفات التى تتصف بها جماعة الإخوان الإرهابية وملامحها النفسية بشكل عام قبل أن نقترب من السمات الخاصة المميزة للشخصية، أعنى شخصية حازم صلاح أبو إسماعيل. الإخوان المحظورة كجماعة كما اتفقنا مسبقا تتسم بصفات شخصية عامة، أى أنواع محددة من الطبائع الشخصية، فنجد نوعين بالتحديد غالبين على السلوك الإخوانى وهى الشخصية البارانوية والشخصية السيكوباتية، أما الأولى فتتسم بعدة سمات ألا وهى التعالى و الإنغلاق والتشكيك فى الآخرين وانعدام الثقة إلا فى أشخاص محددين، ويحدث هذا مع الإخوان تجاه المجتمع الكلى الكبير، أعنى بذلك مصر، فهم لايثقون بأحد خارج جماعتهم أى أن مجرد انتماء الشخص للجماعة يكفى جدا لأن ينال هذا الشخص الثقة، أما فكرة التعالى وتضخم الأنا فتجدها فى الشخصية الإخوانية واضحة للغاية وتجدها فى شخصية اليوم حازم صلاح أبو إسماعيل جلية لا تحتاج إلى براهين، فالرجل يتعالى ليس عن الأخطاء وإنما حتى على فكرة كونه يخطئ، وكونه متورطاً فى دماء أنصاره، سواء كان ذلك فى أحداث العباسية الأولى أو فى غيرها، أما النمط الثانى التى يتميز بها الاخوان وبالتالى أبو إسماعيل كونه أحد أفراد الجماعة هى الشخصية السيكوباتية، وتتصف هذه الشخصية بانعدام وجود قيم مجتمعية داخلية لدرجة أن الشخص ربما يميل إلى إيذاء انصاره أو من يحيطون به، وهو أمر ربما كان واضحا جدا فى النموذج سابق الذكر، وفى نماذج أخرى من دفع مجموعة معينة إلى الإيذاء ثم انكار ذلك أو التبرؤ منهم أو ادعاء المرض أو الغياب عن المشهد لأى سبب، فى الغالب يكون سببا تافها. نتحدث أيضا عن مركب أوديب، وهو أمر غاية فى الأهمية فى حالتنا هذه، ولكن كنبذة سريعة عن طبيعة مكونات الشخصية و عن طبيعة تكوين المركب أو عقدة أوديب، نقول أن الشخصية تتكون من الأنا العليا أو مجموعة القيم والقوانين أو السلطة القاهرة القامعة، يمكننا أن نطلق عليها السلطة الأبوية، المركب الثانى وهو يسمى ب «الهو»، وهو مجموعة الغرائز البدائية الهمجية، هاتان القوتان فى حالة صراع شديد وتطاحن دائم، بالطبع يحدث هذا على مستوى اللاواعى أو النفس اللاواعية، هذا التطاحن إن ظل هكذا فإن النفس أو الأنا وهى المركب الثالث أى الذات الإنسانية سوف تنسحق تحت وطأة القلق العصبى الناتج عن هذا الصراع، ومن ثم فإن الأنا هذه تلجأ لحيلة طريفة وهى تكوين ميكانيزمات أو آليات يمكننا تسميتها بالحيل الدفاعية، وعن طريق هذه الحيل الدفاعية فإن الأنا - الذات الانسانية - تستطيع أن تتحمل هذا القلق العصبى الناتج عن الصراع الدائر بين القوانين الصارمة والرغبة الجامحة وهى – الحيل الدفاعية – الوجه الذى نتعامل به مع الآخرين فى كل تفاصيل حياتنا، وهى القناع الذى نرتديه لمجابهة المواقف المختلفة. ما الفارق إذن؟، ما الفارق بين الناس إذا كان الجميع يستخدم نفس الأقنعة؟، حسنا.. الفارق هو أن طبيعة هذا القناع تحددها الشخصية، فعلى سبيل المثال طبيعة الشخصية الإخوانية وحازم صلاح أبو إسماعيل - الذى يقف على أقصى يمين الشخصية - تميل لاستخدام حيلة دفاعية شهيرة وهى الإنكار، إنكار حدوث الأمر وكأنه لم يكن من الأساس، وشاهدنا ذلك فى حالة التخلى عن أنصاره أو حتى إنكار حدوث الأذى الموجه لهم بسببه، أو أنه مسئول بأى شكل عن الاأمر من قريب أو من بعيد، أيضا الهروب هو حيلة دفاعية، وكذلك الإزاحة بمعنى إلقاء الصفات التى يتصف بها والأفعال التى يقوم بها على الآخرين وكأنهم هم أصحابها، كتلك التى «تبليك وتجيب اللى فيها فيك»، وحيل أخرى كثيرة كى يتمكن الكيان الإخوانى من الاستمرار فى الحياة ومواصلة الكذب والإرهاب، ومحاولة تغطيته بغطاء أخلاقي، على الأقل من الناحية النفسية. لا يمكننا الخروج من حديثنا عن أبو إسماعيل قبل أن نتطرق للحديث عن المركب «الأوديبي»، فأوديب كمركب هو رغبة الابن فى الاستحواذ على الأم والتخلص أو القضاء على الأب، كل ذلك طبعا على المستوى النفسى وبشكل رمزى، وبالطبع غير واع. لاحظ أن حدة «البارانويا» عند أبو إسماعيل مرتفعة، وأن العظمة وحالة الإنكار الشديدة جعلته على المستوى النفسى يتصدى لمحاولة كسر المركب أو حله مما أوقعه فى مأزق، وهو موضوع جنسية والدته الأمريكية، وهنا نجد رغبته على الاستحواذ النفسى بالطبع، وهو إنكار أنها أمريكية، وأنها تحمل الجنسية المصرية فقط، و محاولته تزييف ذلك، وعندما حاول أبو إسماعيل ممارسة دور الأب نجده قد جبن وخاف وترك أنصاره ليبحث عن شاحن موبايل!! . الملامح النفسية لأبو إسماعيل تصب فى النهاية فى اطار عام هو الملامح النفسية العامة للإخوان، وإن تغيرت أقنعتهم بين قناع ليبرالى مزيف أو قناع سلفي، إلا أنه ورغم كل شيء يظل دوما مافى القلب فى القلب، وتظل نفوس أفراد الجماعة الإرهابية المريضة مخزن أسرار، يطلعنا كل يوم على الجديد من خبايا تصب فى صالح التأكيد على خلل الأفكار والنفوس.