أجواء سياسية ساخنة وأحداث قتل وعنف سيطرت بشدة على الشارع المصرى طوال الأيام الماضية لكن كل هذا لم يمنع المخرج المسرحى هانى عفيفى من افتتاح عرض «عن العشاق» الاثنين الماضى بقصر «الأمير طاز»، وهو نفس اليوم الذى شهد هجوما من بعض مؤيدى الرئيس السابق على ميدان التحرير، العرض مأخوذ عن كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسى وقال هانى عن أزمة يوم الافتتاح:
هو أحد أبطال عرض «قهوة سادة» اختاره المخرج هانى عفيفى للمشاركة فى بطولة عرض «عن العشاق» للقيام بدور ابن حزم ولأنه يتميز بصوت مسرحى نادر استطاع حمزة العيلى أداء الدور ببلاغة وبساطة شديدة، وبالرغم من حالة الإنتشار التى سيطرت على أبطال مسرحية «قهوة سادة» بأعمال مسلسلات رمضان على مدار ثلاث أعوام وكان من ضمنهم بطل «عن العشاق» إلا أن حمزة اختار أيضا الاستمرار فى المسرح بلا تردد وقدم بالفعل أكثر من عمل مسرحى سابق مثل «السفينة والوحشين»، و«ظل الحمار»، و«ارتجال فى المخ» وأخيرا «عن العشاق» ويقول حمزة: أعشق المسرح للغاية وبالتأكيد أحب العمل فى السينما والفيديو لكن المسرح أدواره صعبة وأشعر فيه بالتعب الحقيقى أثناء العمل ويمنحنى حالة معينة أحب أن أعيشها خلال الأعمال التى أقدمها لذلك لن أتخلى عن تقديم أعمال مسرحية مهما قدمت أعمال بالتليفزيون.
وعن تقديمه شخصية «ابن حزم» قال: «ابن حزم» كان رجل صاحب مذهب وله دماغ خاصة به وفكر يتعلق بالحب وفى رأى هو كان رجل «رايق» بمعنى أننى لم أبذل مجهودا فى تقديم الشخصية بسلاسة لأنه هو كان فى الحقيقة سهل وسلس فى الرد على الأسئلة المتعلقة بالحب والسلو والتصبر، لكن ما كان يقلقنى فقط واحتاج منى مجهودا كبيرا حفظ الكلام الذى جاء على لسانه والذى كان به بعض الصعوبة خاصة أننى كنت أدقق مع المخرج فى تشكيل الكلمات حتى يخرج نطقها صحيحا وبالتالى وجدت بعدها سهولة فى الإلقاء.
وعن تأخر خروج العرض للنور قال: الأزمة المالية التى كانت تمر بها الوزارة تسببت فى تأخر العمل أكثر من مرة لكننى سعيد لعرضه خلال شهر رمضان لأن أجواءه مناسبة لأجواء هذا الشهر وأعتقد أن هذا التوقيت كان الأنسب له.
ومخرج العرض: الجمهور أراد الخروج للحياة رغم الأحداث وفوجئنا بهذا الزحام!
«لم نكن نتوقع حدوث هذه الأزمة بميدان التحرير لكن عندما علمنا بما يحدث قبل الافتتاح بساعات قررنا الإستمرار والعمل رغم كل الظروف خاصة ونحن نعطل أعمال كثيرة منذ ثلاث سنوات بسبب أحداث التخبط السياسى والأمن، لذلك قررنا أن نصنع الظروف وكل ما توقعناه ليلة الافتتاح أن يكون الجمهور ضعيفاً لكن حدث العكس تماما حتى أن الجمهور كان أكثر من طاقة قاعة القصر وبالتالى فالناس اختارت أن تستمر فى الحياة ونحن كذلك»
اختار عفيفى فى ظل هذه الأجواء الصعبة تقديم سهرة مسرحية رومانسية رقيقة تفصل الجمهور بنعومتها عن الأحداث العنيفة التى تشهدها الساحة السياسية حاليا، فالمعروف أن كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسى هو تفسير ورسائل ابن حزم عن الحب وأسبابه ففى ثلاثين فصلا يشرح ابن حزم بعمق وخبرة رأيه فى الحب والقصص التى عايشها خلاله، فعلى سبيل المثال تناول فى موضوعات كتابه «علامات الحب»، و«الهجر» و«الوصل»، و«الغدر»، و«من لا يحب إلا بعد المطاولة»، و«التعريض بالقول» وغيرها من الموضوعات التى تتعلق بقصص الحب المختلفة على تنوعها، لكن أبرز ما يميز هذا الكتاب أن مؤلفه من أكبر علماء الفقه الإسلامى، وعلى عكس كل التوقعات يؤيد ابن حزم وبشدة فى فصول مؤلفه الثلاثون الحب وأسبابه ويؤكد على أن القلوب بيد خالقها وهو المتحكم الأول والوحيد بها حيث جاء على لسانه فى باب الوصل « من وجوه العشق الوصل، وهو حظ رفيع، ومرتبة سرية ودرجة عالية وسعد طالع، بل هو الحياة المجدة والعيش السنى والسرور الدائم ورحمة من الله عظيمة».
ويقول أيضا : «شاهدت محاضر الملوك فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب لمحبوبه ورأيت تمكن المتغلبين على الرؤساء وتحكم الوزراء وانبساط مديرى الدول فما رأيت أشد تبجحا ولا أعظم سرورا بما هو فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده ووثق بميله إليه وصحة مودته له».
وبالتالى يرد ابن حزم فى رسائله عن الحب على الجهلاء والمتشددين غلاظ القلوب من المدعين بالإنفراد بحمل لواء الإسلام الذين قرروا تحريم وتحجيم كل شىء جميل خلقه الله على الأرض وهكذا رأى مخرج العمل فى هذا الكتاب ردا شافيا وكافيا على المنافقين من دعاة الإسلام السياسى سواء إخوان أو سلفيين وقرر خلال حكم محمد مرسى الرئيس المعزول تقديم هذا العمل حتى يظهر خلاله سماحة ورحابة الدين وقال هانى عن اختياره لهذا الكتاب وتحديدا فى هذا التوقيت:
«بالطبع كان اختيارى لهذا الكتاب له بعد فكرى فى هذا التوقيت لأننا أصبحنا نعيش حالة تخبط شديد فى الدين، وابن حزم قدم كتاب قيم جدا على المستوى الفكرى والأدبى والفنى وكان الهدف هو إظهار كيف أن إمام كبير كتب فى الحب ووصف مشاعر بالشعر والموسيقى والفن لذلك هو رد مناسب على التشدد الذى أصبح يجر إليه المجتمع حاليا».
ويقول: «بالتأكيد كنت أتوقع حدوث مضايقات ومشاكل للعرض الفترة الماضية فى ظل استمرار الحكم الإسلامى لأنه حدثت بالفعل بعض التدخلات واقتحامات لأماكن عروض وهذا طبيعى فى ظل حالة التوتر الشديدة التى كانت تشهدها البلد سابقا»
وبالرغم من اللغة المعقدة التى احتوى عليها كتاب ابن حزم إلا أن مخرج العرض هانى عفيفى ومعد النص المسرحى كريم عرفة اختارا معا تبسيط هذه اللغة بالإستغناء عن الأشعار المعقدة بأغانى أم كلثوم وعن ذلك قال عفيفي: «أنا وكريم كنا نعمل معا على كتابة النص فكنت أقول له كل ما يدور فى خيالى ثم يصيغه هو فى الكتابة المسرحية وبالطبع كان كل ما يكتب إنطلاقا من الكتاب حتى أننا حرصنا على الإستعانة بالأجزاء التى تحتوى على الحكى لأنها تساعد أكثر فى الدراما وبالتالى كنا نستعين بنصوص من الكتاب كما هى دون تغيير لكننا بذلنا مجهود فى تبسيط العمل دون إخلال بأدب ابن حزم ودون تحريف أو الخروج عن نطاق طريقته فى السرد، وأكثر ما حاولنا تبسيطه هو الإستعانة ببعض أعمال أم كلثوم الغنائية لأنها هى أيضا كانت كتاب عظيم فى الحب بأعمالها الخالدة واستعنا بهذه الأغانى بدلا من الأبيات الشعرية التى استخدمها ابن حزم».
هكذا خلال ساعة واحدة استطاع عفيفى وكريم عرفة بسلاسة شديدة تقديم «طوق الحمامة» دون إخلال أو تحريف رغم أنه لم يلتزم بالكتاب كاملا لأسباب قال عنها :» إذا أردت تقديم الكتاب بحذافيره كان سيتغرق منى وقتا طويلا لكننى وضعت لنفسى 70 دقيقة فقط ألتزم فيها بتقديم النص حتى يخرج بشكل ممتع للمتفرج وفى النهاية كان يجب إبراز فنون الحكى والتمثيل والسينوغرافيا والغناء والأزياء والإضاءة».
لم تقتصر متعة العرض على تقديم كتاب «طوق الحمامة» وحده بهذا الشكل البسيط الذى حرص عليه صناع العمل لكن كان الأهم هو مكان العرض حيث أصر المخرج على تقديم عرض «عن العشاق» فى مكان أثرى قديم كلفه هذا الإصرار إنتظارا طويلا امتد إلى عام كامل حتى استقر به الأمر فى قصر «الأمير طاز» الذى اختار أن يقدم به العمل بلا ديكور يذكر وقال : « واجه العمل أزمة كبيرة فى بدايته واضطررت إلى الإنتظار سنة كاملة بسبب الأزمة المالية أولا التى كانت تمر بها وزارة الثقافة خاصة بعد انفصالها عن الآثار، ثم البيروقراطية فى إختيار مكان العرض ففى البداية اخترنا «بيت زينب خاتون» لأنه فى رأى كان الأنسب لتقديم العرض لكن حدثت مشاكل إدراية لعدم سماح بيت الشعر لنا بإستغلال المكان، بعدها اخترنا «بيت السحيمي» ثم «بيت الهراوي» لكنهما انشغلا بجداول عروض أخرى، لذلك اخترت الإنتظار حتى استطعنا الوصول إلى قصر «الأمير طاز».
ويواصل عفيفى: «بعض الأماكن الأثرية تحتوى على خشبة مسرح بداخلها حتى تقام العروض عليها لكن اختيارى لقصر «الأمير طاز» كان لعدم احتوائه على خشبة مسرح وهذا كان شرطى من البداية لأننى أردت التحرك داخل المكان الأثرى نفسه واستغلال أبوابه ومساحاته بالعرض والتعامل معه على أنه هو خشبة المسرح وبالفعل استخدمت شبابيك وأبواب وسلالم المكان وهذا بالطبع احتاج تصريح خاص من وزارة الآثار، لأنه كان يجب أن يحدث هذا الإستخدام الصحيح لمكان يحمل معمار بديع ورائع فلا يمكن أن أعوض أثر بهذا الجمال بخشبة مسرح تقليدية كما أن المكان ومعماره يتداخل بشدة مع أجواء العرض ومكنا من تقديم حالة حب وشجن وموسيقى جديدة نحتاجها جمعيا بعيدة عن السياسة والأشكال التقليدية التى اعتدنا تقديمها فى المسرح».
ساهم أيضا فى نقل هذه الحالة الرومانسية بالعرض أزياء أيمن الزرقانى واستعراضات العمل التى كانت على بساطتها جزء هام وقوى ملتحم بالعرض لم يكن أى استعراض دخيل أو مخل بما احتوى عليه النص المسرحى من تمثيل ودراما على العكس كان معبرا بقوة عن كل حالة حب يرويها ابن حزم على لسانه، شارك فى بطولة العرض طلبة الدفعة الثانية والثالثة من مركز الإبداع الفنى فى دور «ابن حزم» حمزة العيلى وماهر محمود وسارة هريدى وأحمد زكريا وسارة عادل ومارتينا عادل واستعراضات هانى حسن وشارك بالعزف عازفين من بيت العود التابع لنصير شمة .
حرص على حضور العرض المخرج المسرحى خالد جلال رئيس الإدارة المركزية لمراكز الإبداع وفى نهاية العرض قدم أبطاله ووجه كلمة للجمهور يشكرهم على الخروج وحضور الافتتاح رغم الأحداث وطالبهم بضرورة المواظبة ومواصلة الخروج وتشجيع العمل حتى تستمر الحياة وحتى تتنصر إرادة الشعب