من يقارن الصخب الذي أحدثته إسرائيل قبل أن تعبر السفينتان البحريتان الإيرانيتان من قناة السويس بالصمت الذي ألم بها بعد عبورهما لابد أن يتساءل: ما هو القصد الأول من إحداث الصخب؟ هل هو صمت حقيقي أم يخفي شيئاً؟ كتبت من قبل في الصفحة الأولي عن الأسباب التي توجب علي مصر أن تسمح بمرور السفينتين في ضوء اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888، وأنها تمر إلا إذا كانت هناك حرب بين مصر وإيران.. وهذا غير موجود.. أو كانت هناك خشية علي حرية الملاحة.. وهو ما لم تكن هناك دلائل عليه.. وقتها تساءلت: هل سوف تعبر السفينتان أم تمتنع إيران؟ وما رد فعل إسرائيل حين تمران إلي البحر المتوسط؟ من الواضح أن كلتا الدولتين كانت تقصد توريط مصر في شئون التوتر الحاد بينهما.. إيران كانت تريد من مصر أن تمنع مرور السفينتين.. وهو ما لم تقم به مصر.. ولو قامت به لتم شن حرب سياسية وإعلامية ضد هذا.. وإسرائيل كانت تريد من مصر أن تواجه هي إيران بالمنع.. وهو ما لم تذهب إليه القاهرة.. ومن ثم مرت القطعتان.. ولم تتراجع إيران وبقيت إسرائيل شبه صامتة. صحيفة النيويورك تايمز تساءلت حول صمت إسرائيل في مقال لها أمس الأول.. ونقلت عن مسئولي إسرائيل وصفهم لهذا التحرك الإيراني بأنه استفزاز.. ونقلت وكالة رويترز عن مسئولين إسرائيليين قولهم سابقاً قبل مرور السفينتين بأنه (أمر خطير).. ونقلت وكالات أخري عن مسئولين أمريكيين قولهم: إن حرية الملاحة مكفولة.. ولكن السفينتين قيد المتابعة. من المقرر أن تعود القطعتان البحريتان مجددا من قناة السويس يوم 3 مارس.. وبينما هما في البحر المتوسط في اتجاه سوريا أو عودة منها سوف تكونان - فرضاً - قيد متابعة أمريكية وإسرائيلية.. ولكن السؤال هو: هل ستلجأ إسرائيل إلي أي إجراء غير متوقع.. هل ستلجأ إلي العنف؟ هل ستقول لإيران إنه ليس عليها أن تمرح في البحر المتوسط؟ ربما كانت رسالة إيران موجهة إلي مصر أكثر من غيرها.. علي أساس أن مصر أرسلت سفينتين عسكريتين إلي الإمارات من أجل مناورات تدريبية في يناير.. وهذا رد علي ذاك. بالنسبة إلي تل أبيب: في الذاكرة ما جري للسفينة الإنسانية التركية.. وما فعلته إسرائيل ضدها وضد من عليها.. لكن السفينة التركية كانت ذات أغراض - معلنة - غير عسكرية.. وقد غطت التفاعلات المصرية علي خلاف عميق بين الدولتين اللتين كانتا تحاولان تخطي الأمر.. ولم تقبل إسرائيل الاعتذار.. ورفضت تركيا التسوية بدون إعلان الاعتذار أولاً. هنا نحن أمام قطع عسكرية.. يقال إنها في الطريق إلي مناورات بحرية مع سوريا.. ولا أعتقد أن إسرائيل سوف تلجأ إلي أي إجراء حاد.. إلا إذا افترضنا جدلاً أن القطعتين ستقومان بأمر ما في جنوب لبنان وهو أمر مستبعد.. ومن ثم فإن إيران سوف تكون قد نجحت في أن تبلغ رسالة لإسرائيل مؤداها أنها قد وصلت بحرياً إلي مياه المتوسط. وهذا في حد ذاته متغير استراتيجي مهم. ما هو التالي؟ من المتوقع أن يمر بعض الوقت قبل أن تعود إيران لتكرار عبور قطع بحرية أخري.. وقتها سوف تطبق مصر معايير اتفافية القسطنطينية مرة أخري.. السوابق حددت قواعد اللواحق.. وسيكون علي إسرائيل لو اعتبرت أن الاستفزاز قد تكرر أن تتخذ موقفاً.. إما بمواجهة مع تلك السفن في المياه الدولية بالبحر الأحمر.. وإما انتظارها في البحر المتوسط.. إلا إذا حدث أمر ما خلال الساعات المقبلة بناء علي تصرف قطع إيران البحرية. علماً بأمرين: إن التعدي علي سفن حربية بمثابة إعلان حرب.. وأن صمت إسرائيل لا يعني إطلاقاً أن هناك تغاضياً منها عن التصرف الإيراني. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]