كتب - توني كارون كانت محاولة الولاياتالمتحدة لتعرقل حلفائها العرب عن مواصلة السعي في مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار يدين المستوطنات الإسرائيلية يشكل تحديا بالنسبة لها علي أي حال. لكن ثورة «قوي الشعب» التي وقعت الأسبوع الماضي في تونس جعلت جهود واشنطن ضد الخطة أكثر صعوبة. لقد منحت تونس لقادة في الشرق الأوسط سببا آخر للخوف من شعوبهم، بالنسبة إلي هذه الأنظمة، فإن التحدي الرمزي للدعم الأمريكي لإسرائيل أصبح لفتة قليلة التكلفة تؤدي عملا جيدا أمام الشوارع الثائرة. مواصلة السعي من أجل القرار الذي نوقش يوم الأربعاء في مجلس الأمن، والمطالبة بالإيقاف الفوري لجميع أشكال البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، هو تصويت بحجب الثقة عن جهود صنع السلام التي تقوم بها الولاياتالمتحدة. وهو يسبب صداعا لإدارة أوباما حول ما إذا كان يجب استخدام حق النقض «الفيتو كما فعلت واشنطن بشكل تقليدي علي القرارات الخطرة بالنسبة إلي إسرائيل. لكن المختلف هذه المرة هو أن القرار يماثل إلي حد كبير المواقف التي أبدتها الإدارة الأمريكية من قبل. كانت واشنطن تأمل بأن إبداء نيتها استخدام الفيتو ضد قرار كهذا يمكن أن يجبر الفلسطينيين ومن يدعمهم من العرب علي التراجع عنه. لكن مضوا ووضعوه علي أجندة المجلس «ولن يكون التصويت عليه قبل مرور بضعة أسابيع»، ما وضع الولاياتالمتحدة في موقف حرج. فقد طالبت إدارة أوباما إسرائيل بإنهاء البناء الاستيطاني من أجل السماح بتقدم محادثات السلام. وبعد انتهاء مفعول قرار التجميد الجزئي الذي استمر 10 شهور في «سبتمبر» الماضي، واصلت إسرائيل البناء بكثافة، وقاومت الضغوط التي قامت بها واشنطن من أجل فرض تجميد آخر. وقالت مساعدة السفير الأمريكي في الأممالمتحدة روزماري ديكارلو إن الولاياتالمتحدة عارضت جلب قضية الاستيطان إلي المجلس «لأن تصرفا كهذا لا يقربنا أكثر إلي هدفنا باتفاق نهائي يتم التفاوض عليه» ويمكن أن يقوض التقدم باتجاه ذلك الهدف. لكن ليس من المرجح ان تقنع هذه الحجة المجتمع الدولي، مع وجود الجمود الحالي في عملية السلام إذ ليست هناك أي مفاوضات جارية، وقد رفض الفلسطينيون استئنافها إلي أن توقف إسرائيل البناء الاستيطاني. وتعكس الردود الأولية في مجلس الأمن الدعم الدولي بالإجماع لمطالبة إسرائيل بوقف البناء الاستيطاني. ولو تم عقد جلسة التصويت اليوم، فإن الولاياتالمتحدة ستكون الدولة الوحيدة التي قد تعارض القرار. قبل فترة طويلة من أحداث تونس، بدأ القادة العرب الأكثر استثمارا في عملية السلام يدركون أن قوة الدعم الذي تتمتع به إسرائيل في السياسة الداخلية الأمريكية أضعفت من قدرة الولاياتالمتحدة علي لعب دور الوسيط العادل في السلام. وقد استغرق الأمر شهورًا طويلة لتكتمل الخطوة باتجاه الأممالمتحدة. ويعكس ذلك، بالإضافة إلي الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية علي حدود عام 1967 في أمريكا اللاتينية وغيرها، الإحباط الدولي المتزايد بشأن الجهود الأمريكية التي كانت مبادئها تقضي بالبقاء ضمن ما تقبل به الحكومة الإسرائيلية. ليس قرار مجلس الأمن بديلا عن مفاوضات السلام، كما يقول داعموه. وفي الواقع، فإن نصه يحث الأطراف علي استئناف مفاوضات الحل النهائي بناء علي الأطر الموجودة، التي تتطلب تجميد الاستيطان. وقد وصفت الإدارة الأمريكية الحالية مرارًا البناء المستمر في المستوطنات الإسرائيلية بأنه غير شرعي وأنه يشكل عقبة في طريق السلام. ويستخدم مشروع القرار مصطلح «غير قانوني» لأن القرارات الصادرة عن مجلس الأمن أعلنت أن جميع أشكال البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية تشكل انتهاكًا للقانون الدولي. أما قيام إدارة أوباما باستخدام الفيتو ضد قرار تتفق مع محتوياته بشكل أساسي فيمكن أن يتم حله من خلال نقاش سياسي داخلي. وقد حثت مجموعة تضم 16 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المنتمين إلي الحزبين الجمهوري والديمقراطي برئاسة السناتور الديمقراطي عن ولاية نيويورك كيرستن جيلبراند، وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون علي استخدام حق النقض «الفيتو» ضد القرار. غير أن عددا من كبار الدبلوماسيين والمسئولين الأمريكيين السابقين، ومن بينهم فرانك كارلوتشي، الذي كان وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس ريجان، ومساعدا وزير الخارجية سابقا توماس بيكرينج وجيمس دوبنز، بعثوا برسالة إلي الرئيس أوباما يحثونه فيها علي دعم القرار، الذي قالوا إنه لا يتعارض مع مفاوضات التوصل إلي نهاية للصراع، كما أنه لا ينحرف عن التزام الولاياتالمتحدة تجاه أمن إسرائيل. وأيا كان الأسلوب الذي ستتبعه الولاياتالمتحدة في التصويت علي القرار، فإن الأمر يوفر مؤشرا آخر علي أن الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط تفلت سريعا من بين أصابع واشنطن. وسواء كان الدليل يقع في إطار تشكيل حكومة عراقية أو انهيار حكومة في لبنان، فقد أصبح واضحًا من دون ريب أمام الصديق والعدو علي حد سواء في الشرق الأوسط أن تأثير الولاياتالمتحدة في المنطقة قد تقهقر بشدة. نقلا عن مجلة «تايم» الأمريكية ترجمة - داليا طه