أثار العدد الأخير من مجلة «روزاليوسف»، جدلاً كبيرًا.. من حيث إنه تضمن تسليطًا للأضواء علي خطر انتشار السلفية في مصر.. خلف أستار أنها فكر سلمي.. لا يرنو للعنف.. بخلاف مواد صحفية أعتقد أنها مميزة.. وإن كان لا يجوز من جانبي كرئيس للتحرير أن أقول هذا.. ثم إن هذا هو المفترض في كل مادة تنشر. ولعل أكثر التحقيقات إثارة للجدل والنقاش والتساؤلات هو ذلك الذي أعدته الزميلة المحققة «أسماء نصار» واخترت له عنوان «فضيلة الإمام محافظ كفر الشيخ».. وتتناول فيه الصحفية المميزة كيف أن السيد المحافظ أحمد زكي عابدين يرعي بنفسه وعن معرفة ووعي بما يفعل مجموعات متسعة من فصول التحفيظ التي تقوم عليها منقبات وسلفيون.. يمنع فيها الاختلاط بين البنين والبنات في عمر الطفولة.. وكيف يفتخر سيادته بذلك. لقد سافرت المحررة إلي كفر الشيخ بناء علي اتصال مسبق بالمحافظ، انطلاقًا من خبر سبق أن نشرته «روزاليوسف» الجريدة تضمن معلومات عن أن المحافظ قد أمر بوقف تحفيظ القرآن في البيوت.. وكان الهدف هو أن نحقق في مبررات المحافظ وما هي دوافعه.. وحين ذهبت المحررة إلي هناك تبين لنا وفق معلومات موثقة أن المحافظ قد لجأ إلي هذا لأنه يريد إفساح الطريق لفصول السلفية التي يرعاها ويشرف عليها ويفتخر بها.. ويتمني أن تزيد. المعلومات موثقة، وغير سماعية، وفضلا عن أن لدينا تسجيلاً لحوار مع المحافظ وتصوير فيديو للجان اختبار المحفظين، وصوراً أعطانا إياها فضيلة المحافظ بنفسه.. فإنه لا يمكن إخفاء الفصول.. ولا يمكن طمر هذه الحقائق التي لم نختلقها واكتشفناها بالصدفة وعن طريق فضيلة المحافظ. ليس هذا دفاعا عن التحقيق، المادة الصحفية في «روزاليوسف» المجلة والجريدة تنشر استنادًا إلي توثيقات وتدقيقات وفق معايير محددة.. كما يفترض في أي مادة صحفية.. وكم من مرة جري صراع بين إدارة التحرير والزملاء لأنها تفرض معايير «نمكية» تتجاوزها صحف أخري.. وإنما هو إجابة عن تساؤلات متنوعة عبر بعضها عن نفسه علي موقع الحزب الوطني حين كتب الزميل يوسف ورداني أن ما نشرته المجلة يستوجب الرد من المحافظ.. وأن ترك الأمر يؤدي إلي قيل وقال.. وقد طلب الزميل علي موقع الحزب أن يكون الرد من المحافظ ووزارة التنمية المحلية. نحن أيضًا ننتظر، وإن كان رد المحافظ قد جاء في المادة المنشورة التي صاغها بدقة وعناية الزميل هاني عبدالله، كما أننا نتلقي عشرات من التعليقات علي هذا التحقيق علي موقع «روزاليوسف».. فيها الكثير من السباب والاتهام.. ننشر بعضها حين يكون انتقادا محترما يلتزم الحد الأدني من الأخلاق. عمومًا، تصرف المحافظ ينقلنا إلي ما هو أهم وأخطر.. وهو له أكثر من وجه. أولاً: استفادت «روزاليوسف» من أريحية السيد المحافظ، وإعطائه المعلومات لها بكل فخر، وهذا يحمد له في إطار ما هو متوقع من السلطة أن تتيحه من معلومات.. ولكن ألا يستوقف المسئولين في الدولة أن فضيلة المحافظ تخيل أنه يتحدث إلي مجلة سلفية سوف تمجد فعله ولم يدرك طبيعة مجلة «روزاليوسف» مع كامل التأكيد علي أننا لا نخلط الرأي بالمعلومة.. هل هذا محافظ علي مستوي المسئولية السياسية؟ ثانيا: يطرح التحقيق في عمق مضمونه تساؤلا حول دور المحافظ في هذا الاتجاه.. نحن نعرف أن غالبية المحافظين لا يولون البعد الثقافي الأهمية المرجوة.. فكيف بأحمد زكي عابدين حين ينشغل بهذا الأمر يتحول إلي كل هذا القدر من التطرف المختلف مع سياق الدولة.. ومقوماتها المدنية.. بل ويفاخر به.. ويكرر مبررات السلفية مدافعا عن كونها غير متطرفة كما لو أنه شيخ سلفي يتكلم. ثالثًا: إلي أي مدي يحق لمحافظ في إطار سعيه لحفظ التوازن أن يكون ممالئا إلي هذه الدرجة مع تيارات متطرفة.. لم يمالئها فقط.. بل ورعاها وكان طرفا في تنظيمها. رابعًا: لابد أن الكاتب الموالي للتطرف فهمي هويدي قد سعد الآن وهو يقرأ تحقيق «روزاليوسف» عن فضيلة المحافظ.. فقد سارع بعد أن كتبنا الخبر الأول عن إيقاف التحفيظ في البيوت وكتب «وقع المحظور» مهاجمًا المحافظ.. وبالتأكيد سوف يكتب الآن مهاجمًا ل«روزاليوسف» ومؤيدًا للمحافظ.. ومعضدا للتطرف.. تمامًا كما فعل في التعليق علي حواري مع وزير الثقافة في الأسبوع الماضي.. حين قال الوزير: «ماذا تفعل عشرات من قصور الثقافة أمام 120 ألف مسجد وزاوية».. هنيئًا لفهمي هويدي وتياره بمحافظ كفر الشيخ. خامسًا: لسنا ضد تحفيظ القرآن.. لقد تعلم أغلبنا بداية في كتاتيب داخل القري.. كان يحفظنا فيها مشايخ.. ويقبضون أجورهم من طعام البيوت.. وكانت تلك ويفترض أنها لم تزل مؤسسة راسخة في عمق الريف.. ولم تكن تفرق بين طفلة وطفلة بدعوي عدم الاختلاط.. وتخرجت أجيال تعلمت بهذه الطريقة وأكملت تعليمها مدنيا أو أزهريا ولم يكن بينهم دعاة للإباحية أو العهر الذي يدعيه مروجو منع الاختلاط في كفر الشيخ وغيرها. ويا أيتها الدولة المدنية: نريد محافظين لا محفظين.
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]