عندما قال أمير الشعراء أحمد شوقي في بداية العشرينيات من القرن الماضي في تكريم السيد نصير بطل مصر لرفع الأثقال بدورة أمستردام وبعد أن قهر لعبة الحديد وأظهر نموذجا إنسانيا رائعا لتكرمه مصر ويقول فيه شوقي قصيدة كان مطلعها: إن الذي خلق الحديد وبأسه.. جعل الحديد لساعديك ذليلا لم يكن أمير الشعراء وقتها يدري أنه سيأتي يوم أيضا علي أبناء مصر ليقهروا ليس فقط الحديد في البرازيل لكنهم يقهرون القهر نفسه.! برونز الكرة الطائرة تاريخ جديد للرياضة المصرية لم تكن مجرد مشاركة في دورة ولا تفوق وإحراز ميداليات.. كما أنها لم تكن فقط فرصة لإثبات التميُّز وإحراز النصر.. لكنها فوق كل هذا كانت درسا حقيقيا في معني الإرادة وقدرة الإنسان علي أن يتحدي نفسه وظروفه وإعاقته .. يتحدي قسوة الحياة. ولم يكن حصاد مصر البارالمبي من دورة ريو 2016 التي احتفل بختامها بعد منتصف ليلة الأحد باستاد الماراكانا الأسطوري والتاريخي إصرارا فقط علي إحراز 12 ميدالية متنوعة لمصر، كان ختامها مسكا حتي وإن جاء بطعم البرونز، لكنه كان الطعم الأحلي والأجمل كونه تحقق في لعبة جماعية هي الوحيدة ضمن الألعاب الخمس التي شارك بها الفراعنة مع 170 دولة في الدورة الخامسة عشرة، وهي الكرة الطائرة جلوس كما أن ما زاد من طعم ميدالية الختام البرونزية في الكرة الطائرة لمن منعتهم قسوة الحياة وإصاباتهم من الحركة الطبيعية ليلعبوها وهم جلوس، إن الفوز بهذه الميدالية جاء علي حساب البرازيل وبعد مباراة قوية وممتعة وبالغة الإثارة ووسط حضور جماهيري كبير وراقٍ ورياضي حقا وانتهت بفوز الفراعنة بثلاثة أشواط لشوطين وبعد الاحتكام لشوط فاصل شديد الإثارة والندية والتكافؤ.. لكن فوق كل هذا وذاك وتلك كانت إرادة المصريين مدهشة.. وكأنها قيم بحق صنعت في مصر.. صحيح أن من بين أبطال الدورة البارالمبية من أبناء الدول ال170 المشاركين في الدورة والذين زاد عددهم عن أربعة آلاف رياضي هناك قصص وحكايات وحواديت إنسانية كثيرة ودموع غزيرة يمكن أن تنسال إذ يكفي رحيل لاعب الدراجات الإيراني باهمان الذي وافته المنية إثر مشاركته في سباق الدراجات في اليوم الأخير للدورة، ولكن تبقي قصص الإرادة المصرية مجسّدة وبوضوح في كثير من النماذج المصرية شديدة العزيمة وفولاذية الإرادة. الديب يقهر الحديد وإذا كان لاعب تنس الطاولة إبراهيم حمدتو المبتورة ذراعيه الذي يلعب تنس الطاولة والمضرب في فمه ويستخدم أصابع قدمه في رفع الكرة من علي الأرض ليرفعها في مستوي وجهه ليلعبها بفمه ظهر كمعجزة الدورة حتي وإن لم يتمكن من تحقيق الفوز فيها لصعوبات كثيرة في مواجهة منافسين يلعبون والمضرب بيدهم متحرري الحركة والتوجيه وهو النموذج الإنساني بالغ الدلالة علي قوة الإرادة الإنسانية الذي عرضته »آخر ساعة» علي صدر غلافها بعدد الأسبوع الماضي ضمن اهتمام عالمي كبير بحالة حمدتو الفريدة، فإن بطل رفع الأثقال وبلديات حمدتو وهو محمد الديب صاحب ذهبية وزن 97 كيلو جراما كان هو الآخر نموذجا حقيقيا وقويا في الإرداة وقهر الظروف القاسية. محمد الديب ابن دمياط تعرض وهو شاب صغير لحادث مؤلم حين سقط بين عجلات القطار وخرج مبتور الساقين ليواجه ظروفا صعبة كانت كفيلة بأن تولِّد بداخله طاقة إيجابية من التحدي جعلته واثقا من قدرته علي قهر الحديد الصعب. الديب في لقائه ومجموعة من أبطال الرياضة عندما التقاهم الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن الاحتفال بأسبوع الشباب قبل أيام قليلة من السفر إلي البرازيل ربت الرئيس علي كتف الديب الذي رد واعدا الرئيس بالفوز بالذهبية.. وظل الديب يتذكر وعد الرئيس وتعهده له أثناء أقوي سباقات رفع الأثقال بالدورة. محمد الديب أبهر العالم كله وهو الوحيد في وزنه الذي كان مبتور الساقين وهو يجلس علي كرسيه المتحرك ثم ينزلونه إلي الملعب ليحمل الحديد علي صدره وهو نائم علي ظهره في وضعية تحتاج لبطل حقيقي لكنه يفتقد قدميه اللتين يمكن أن يرتكز عليهما عند رفع الثقل كما هو متاح لغيره من المنافسين، لكن الديب وبرغم هذه المعاناة القاسية أصر علي تحطيم كل الأرقام وتمكن بعزيمة فولاذية من الفوز بالميدالية الذهبية من أول رفعة تاركا بقية منافسيه يتصارعون علي الفضة والبرونز ووقفت وفود كل الدول تصفق له بإعجاب شديد واحترام أشد. محمد الديب الحاصل علي وسام الجمهورية من الطبقة الأولي عام 2012 والبالغ من العمر 37 سنة قال هو وبقية زملائه إنهم يتطلعون كثيرا للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي لتكريمهم وقال الديب: نفسي أقول للرئيس.. »وعدت سيادتك ووفيت ياريس.» بطل من أول نظرة كما لم تكن قصة عمرو مسعد فاروق طالب الصيدلة وفي أول مشاركة له بدورة الألعاب البارالمبية سهلة علي لاعب صغير تم الدفع به سريعا في أتون صراع الجبابرة وفي وزن 107 كيلو جرامات لرفع الأثقال.. وهو أعلي الأوزان. عمرو فاروق مسعد وقع في غرام الميدالية من أول نظرة وصمّم عليها وهو ابن ال 24 ربيعا الذي لم تمنعه إعاقته من التحدي.. ليحرز عمرو فضية الوزن بقوة وثبات. ويؤكد أنه إذا كان زمن متولي مطحنة بطل الأثقال التاريخي لمصر في الدورات الأوليمبية قد بدأ في الانحسار فإن زمن عمرو فاروق هوالقادم بقوة. شكرا ريو.. أهلا طوكيو شارك فيها 4 ألاف رياضي يمثلون 170 دولة وجاءت الصين في المقدمة كبطل للدورة الخامسة عشرة برصيد 172 ميدالية متنوعة متفوقة علي بريطانيا صاحبة المركز الثاني ورصيدها 95 ميدالية متنوعة ثم أوكرانيا ب 81 وأمريكا 80 ميدالية وجاءت البرازيل الخامس ب 48 ميدالية وقطعا جاء غياب روسيا عن الدورة لإيقافها بسبب تعاطي لاعبيها المنشطات ليمنح الفرصة لبقية الدول لاحتلال مراكز متقدمة سواء في معظم الألعاب أو ترتيب الميداليات.. وجاء حفل الختام رائعا ليودع به الرياضيون ريودي جانيرو وترحب بهم طوكيو التي تسلمت العلم الأوليمبي وتستعد لاستضافة الدورة القادمة 2020. قائمة الأبطال شاركت مصر في الدورة ب47 لاعبا في خمس ألعاب هي رفع الأثقال وألعاب القوي والسباحة وتنس الطاولة والكرة الطائرة جلوس ونالت 12 ميدالية متنوعة منها ثلاث ذهبيات وخمس فضيات وأربع ميداليات برونزية واحتلت مصر المركز 26 علي لائحة الدورة وجاءت في الترتيب الثاني عربيا خلف تونس وهي ال 17 عالميا ب11 ميدالية متنوعة بينها أربع ذهبيات جميعها في ألعاب القوي وكانت مصر الثالث أفريقيا بعد نيجيريا الأولي علي القارة السمراء والعاشرة عالميا ب11 ميدالية متنوعة ولكن بينها 8 ذهبيات معظمها في رفع الأثقال التي جاءت بالمركز الثاني فيها بعد الصين وتلتها مصر. وضمت قائمة أبطال مصر أصحاب الميداليات عشرة من رفع الأثقال إضافة إلي ميدالية واحدة لألعاب القوي كانت فضية. فاز بالذهبيات الثلاث لمصر في رفع الأثقال: شريف عثمان في وزن 59 كيلو جراما وراندا محمود تاج الدين في وزن تحت 86 كيلو جراما ومحمد الديب في وزن 97 كيلو جراما. وحصل علي الميداليات الفضية الخمس: مصطفي فتح الله في سباق 100 متر جريا لألعاب القوي وجاء فتح الله الرابع في سباق 400 متر. والرباعة فاطمة عمر في وزن 61 كيلو جراما وشعبان الدسوقي في وزن 65 كيلو جراما ومحمد السيد في وزن فوق 86 كيلو جراما وعمرو فاروق في وزن 107 كيلو جرامات. وحصل علي الميداليات البرونزية: الرباعة أماني ابراهيم الدسوقي في وزن 73 كيلو جراما وأمل محمود في 67 كيلو جراما ورحاب أحمد رضوان في وزن 50 كيلو جراما. وخرج لاعبو تنس الطاولة من الدور قبل النهائي للفردي لثلاثة لاعبين كما لم يكمل الفريق بعد الأدوار الأولي في الفرق في ظل منافسة قوية من الصين وكوريا، كما خرج لاعبو السباحة تباعا حتي أن أصغر لاعبة في الدورة وهي السبّاحة آية الله أيمن عباس أعلنت البعثة انسحابها من خوض سباق 100 متر حرة، وقدمت البعثة احتجاجا للجنة المنظمة اعتراضا علي تغيير موعد بدء السباق دون إخطار البعثة حتي تتمكن اللاعبة من الاستعداد الجيد وأرفقت البعثة مع احتجاجها بيانا بالمواعيد المعلنة من اللجنة المنظمة والمنشور علي موقع الدورة الرسمي. الوعد ياوزير! في كل مكان نلتقي فيه مع أيٍ من لاعبي مصر الفائزين بميداليات في الدورة يسبقونك دائما بالسؤال عن الوزير ووعده لهم وقيمة المكافأة وكيف ولماذا لا تتم مساواته بالأسوياء.. وإن كنا لم نعد في الرياضة ندري من هم الأسوياء ومن هم المعاقون.!! المهندس خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة حين التقي ببعثة تحدي الإعاقة أو بعثة ذوي الإرادة الفائقة قبل السفر وعدهم بالمساواة في قيمة المكافآت بين ميداليات الأسوياء والمعاقين وقال إن الشرط الوحيد هو أن يكون في كل سباق حصل فيه اللاعب أو اللاعبة علي ميدالية كان هناك ثمانية منافسين له علي الأقل لأنه لا يُعقل أن يُمنح لاعب مكافأة عن ميدالية كان معه في سباقه ثلاثة لاعبين حصل كل منهم مثلا علي ميدالية مضمونة.. وهذا ما لم يكن موجودا في سباقات رفع الأثقال وغيرها، وينتظر اللاعبون أن يفي الوزير بوعده لهم خاصة وهو حريص علي الاتصال بهم وبإدراة البعثة والاطمئنان عليهم وتحفيزهم واستعداده دوما لحل أي مشاكل تعوقهم.. كما قرر السفير المصري بالبرازيل علاء رشدي ورئيس اللجنة البارالمبية الدكتورة حياة خطاب صرف مكافأة فورية للأبطال بواقع 500 دولار لأصحاب الذهبيات و400 دولار لحائزي الفضيات و300 دولار لأصحاب الميداليات البرونزية. ومع عودة البعثة يوم الجمعة المقبل ينتظر أن يكون وزير الشباب والرياضة في انتظار الأبطال بالمطار واستقبالهم بما يليق وما حققوه من إنجاز يثلج صدور الجماهير إذا ما تمت مقارنته بفشل البعثة الأوليمبية، ولكنه يدق ناقوس الخطر وينبه لما هو قادم إذا ما تمت مقارنته بما سبق أن حققته مصر في الدورات البارالمبية السابقة من ميداليات وإنجازات.. التاريخ والحاضر إنجاز المصريين في ريو لم يولد صدفة كما أنه ليس جديدا عليهم بل ربما هو الأقل حصادا بالنظر إلي تاريخ مصر البارالمبي وما حققته في الدورات الست الأخيرة علي سبيل المثال منذ دورة برشلونة 1992 وحتي دورة لندن 2012 نجد أن الحصاد في ريو 2016 هو الأضعف والأقل وهو ينبئ بخطورة الموقف ويفرض فكرا مختلفا وعملا جادا وشاقا علي اللجنة البارالمبية التي ينتهي عملها نهاية هذا الشهر بانتظار قرار وزير الشباب والرياضة بالتجديد لها أو تغييرها أو التعديل في أسماء أعضائها وفقا لما ينتهي إليه وزير الرياضة من تقييم موضوعي يراعي كل الجوانب والظروف. في ريو تساقطت أوراق الأبطال الكبار الذين ارتكزت عليهم الحركة البارالمبية في سنواتها الأخيرة ومنهم أو أكبرهم الرباع متولي مطحنة صاحب خمس ميداليات أوليمبية الذي ابتعد للإصابة ولم يشارك وانسحب بعد صعوده للملعب وتحية الجمهور لكن لم يرفع رفعته الأولي وآثر الانسحاب وهو خطأ إداري وفني فإذا كانت الإصابة معروفة سلفا كما أكد مسؤولو الجهاز الفني فلماذا جاءوا به ووُضِع في هذا الموقف كما تراجعت نتيجة البطلة العالمية والأوليمبية فاطمة عمر صاحبة الثلاث ذهبيات السابقة وحلت ثانية في وزنها بعد لاعبة نيجيريا لوسي التي هددت عرش فاطمة ودفعتها للتفكير جديا في الاعتزال، لكن ترددها قد يدفعها للاستمرار بينما حسم الرباع البطل شعبان الدسوقي موقفه جيدا وأعلن اعتزاله بعد فوزه بالميدالية الفضية وهو واحد من الأبطال الكبار.. رصيد مصر في ريو كان هو الأقل طوال الدورات السبع الأخيرة، فقد كان لمصر في برشلونة20 ميدالية بينها 7 ذهبيات وفي أتلانتا كان الحصاد الأعلي 30 ميدالية منها 8 ذهبيات وفي دورة سيدني 2000 حصدت مصر 28 ميدالية منها 6 ذهبيات وبدأ الرصيد في النازل ابتداء من أثينا 2004 وحققنا 24 ميدالية منها 7 ذهبيات ثم وصل الأمر إلي 12 ميدالية منها 4 ذهبيات في بكين 2008 وتوقف الذهب عند 4 ميداليات في لندن 2012 من بين 15 ميدالية متنوعة والترتيب ال 28 بين 98 دولة شاركت في هذه الدورة لينتهي الأمر إلي 3 ذهبيات فقط من بين 12 ميدالية متنوعة.