قبل رحيله بحوالي 6 أشهر.. حرص الكابتن بكر علي زيارة بيته أخبار اليوم واستعاد مع الكاتب الصحفي الكبير ماهر فهمي ابن أخباراليوم أيضاً ذكرياتهما في الدارالصحفية العريقة وسجلا أحلي الذكريات عن أخبار اليوم وأسرتها في صفحات أخبار الرياضة، وكأنه كان يودع أخبار اليوم التي عمل فيها لسنوات قبل أن يتفرغ للعمل الإداري والتعليق. اللي لسه داخل من شغله.. وبيقلع هدومه وبيدور علي البجامة علشان يلبسها ويعقد قدام التليفزيون.. واللي كان في البلكونة بيشرب سيجارة وكباية شاي.. واللي كان نايم ومتغطي وخايف من البرد وقافل التلفزيون.. واللي كان مشغول مع اولاده بيذاكر لهم علشان امتحان نصف العام.. واللي كان غفلان وفقد الثقة في الفيس بوك.. واللي مش مصدق أي كلام يتقال له من خلال السوشيال ميدا أو التليفزيون.. كل دول بنقول ليهم.. محمود بكر مات.. أيوة أبو دم خفيف ظريف.. مات.. الخبر المرة دي حقيقي.. محمود بكر مات!! ياخسارة. هل حقا اختفي صوته ولن نعد نسمعه مرة أخري؟؟ هل اختفي الصوت الذي كان يأتي عبر الاثير.. حاملا معه أجمل التعليقات والقفشات والتحليل الفني الكروي الدقيق.. المبني علي وعي كروي نادر.. كان وراءها خبرات كروية اكتسبها منذ أن كان لاعبا في النادي الأوليمبي السكندري، وكان أحد فرسانه الذين فازوا ببطولة الدوري العام. .. لقد شحه حيادة إلي أن يكون واحد من اثنين للتعليق علي لقاء القمة بين الاهلي والزمالك مع الكابتن محمود الجويني.. أو في كأس العالم خلال مشاركة منتخب الفراعنة، ولازالت الإذان تتذكر أجمل قفشاته.. عدالة السماء نزلت علي استاد باليرمو.. خلال مباراة مصر وهولندا والتي نجح فيها مجدي عبدالغني في احراز هدف مصر الوحيد في هذه البطولة ومن ركلة جزاء. رحلة المرض 40 يوما بالتمام والكمال هي مدة الوعكة الصحية الأخيرة التي تعرض لها بكر ودخل علي اثرها المستشفي العسكري.. ولم يخرج منها الا إلي مثواه الأخير.. رحل بكر حاملا معه الكثير من السمات الطيبة والتي غابت كثير ولم تعد نجدها الا نادرا.. رحل بكر صاحب قلب شديد النقاء والصفاء.. كان شديد الصدق مع نفسه.. وكان ما قلبه يخرج سريعا علي لسانه. في زمن كثر فيه النفاق والخداع والزيف.. كان يفتخر بانتماءه للاوليمبي النادي الذي تربي فيه وبدأ ناشئا ثم لاعبا في الفريق الأول وفاز معه بالدوري العام حتي وصل إلي رئاسته في أكثر من دورة فكان دائما ما يردد »أنا أوليمباوي». رحلة الفقيد ولد الراحل الكريم في 4 يونيو 1944 في الاسكندرية، كان لاعبا متميزا في النادي الأوليمبي السكندري ومنتخب مصر الوطني بفترة الستينيات. لعب بكر بمركز المدافع وتميز بالصلابة والأناقة الشديدة، فيستخلص الكرة بسلاسة وبدون مخالفات. وكان أيضا ذو حس تهديفي عالي بالذات في ألعاب الهواء وأحرز في مرمي كبار الحراس. كما كان له قراءة ممتازة للملعب ومقدرة علي حسن التوقع والتقدير. استطاع الفوز مع الأوليمبي بالدوري بعد أن تغلب علي الأهلي والزمالك ثم أندية أخري مثل الإسماعيلي وغزل المحلة والترسانة في عز أمجادهم. لكن للأسف لم يستطع جيله إكمال نهضة الأوليمبي نتيجة نكسة 67 واستدعاء معظم أفراد الفريق بالجيش للتجنيد (وكان هو منهم). وأنهي خدمته بعد ما وصل لرتبة عقيد. ضم الاوليمبي الفائز ببطولة الدوري إلي جانب بكر نجوم كبار امثال شتا، البوري والطباخ والسكران، بدوي عبدالفتاح، وعز الدين يعقوب وحلمي سالم، وفاروق السيد، وحارس المرمي خميس وضياء. وعندما أتجه للتعليق أصبح من أحسن المعلقين المصريين بل والعرب أيضاً. وأشتهر بالتعليق الظريف خارج النص وقفشاته المضحكة بدون تكلف ولا مبالغة، وكما يتميز بالحياد، وأيضاً تميز أسلوب محمود بكر في التعليق باستغلال خبرته العريضة لتحليل مسار المباراة وشرح بعض التفاصيل الفنية للجمهور أثناء ذلك مخطط اللعب والتكتيكات المستخدمة في التطبيق. ولما كانت لغته سهلة علي الجماهير فقد اكتسب شعبية طاغية، وللكابتن محمود بكر عبارات خالدة في تاريخ التعليق منها الجملة الشهيرة: »عدالة السماء تنزل علي أستاد باليرمو». في إشارة لاستحقاق المصريين لإحراز هدف التعادل أمام هولندا في مباراة كأس العالم 1990، وأيضا: عذرا للتأخر في نقل المباراة بسبب فاصل الإعلانات.. فالإعلانات هي من تدفع رواتبنا!