حماس: أنس الشريف أيقونة الحقيقة وشاهد المجاعة في غزة    حامد حمدان ينعى مراسل الجزيرة أنس الشريف    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    الرئيس الأوكراني: نحن نفهم نية روسيا في محاولة خداع أمريكا ولن نسمح بهذا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    مأساة ضحيتي الشاطبي .. رحلة مصيف تنتهي أسفل عجلات ميكروباص    محافظ سوهاج يبحث تطوير النظام المالي والتحول الرقمي بالمحافظة    محافظ سوهاج يتابع معدلات الإنجاز في ملف تقنين أراضي أملاك الدولة    وصية الصحفى الفلسطينى أنس الشريف: أوصيكم بفلسطين درة تاج المسلمين    المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو فشل فى تحقيق أهداف الحرب لمدة 22 شهرًا    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    ملف يلا كورة.. نهاية الجولة الأولى بالدوري.. وصول ألفينا.. واعتذار حسام حسن    منافس المصري المحتمل.. الاتحاد الليبي يتأهل إلى الكونفدرالية الأفريقية    خلال ساعات.. تقليل الاغتراب 2025 تنسيق المرحلة الأولى والثانية «الموعد والرابط وضوابط التحويل»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    ماس كهربائي.. إخماد حريق محدود داخل كنيسة قرية أبوان بالمنيا    النفطي: معلول إضافة للصفاقسي والجزيري يمتلك شخصية مصطفى محمد    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان لتصبح أحد متابعيه على السوشيال ميديا    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    تتطلب مهارات.. وزير العمل: حريصون على توفير فرص عمل للشباب في الخارج    برشلونة يكتسح كومو بخماسية ويتوج بكأس خوان جامبر    "تضامن سوهاج" تكرم 47 رائدة اجتماعية وتمنحهن شهادات تقدير    موظفو طيران في بروكسل يطالبون بعدم استئناف الرحلات لإسرائيل    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    إخلاء سبيل طالب طعن زميله في شبرا الخيمة    اتهامات لمحامي بالاعتداء الجنسي على 4 أطفال بالدقهلية    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات الأخرى ببداية تعاملات الإثنين 11 أغسطس 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 11 أغسطس بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    4 أبراج «بيحققوا النجاح بسهولة»: يتمتعون بالإصرار والقوة ويتحملون المسؤولية    كشافين في القرى للبحث عن أم كلثوم والشعراوي.. المسلماني يكشف توجيهات الرئيس    اجتماع مديري الثقافة والتربية والتعليم لتعزيز الأنشطة الثقافية والتعليمية بين الطلاب    ويزو تحكي أسرار "مسرح مصر": «أشرف عبدالباقي كان بيأكلنا ويصرف علينا من جيبه»    94 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة بداية الأسبوع    خالد الغندور: التوأم يوصي فتوح بالالتزام للمشاركة مع الزمالك    فوائد اليانسون، يهدئ المعدة ويعالج نزلات البرد والإنفلونزا ويقوي المناعة    المنوفية تُطلق عيادات الدعم النفسي بخمس وحدات رعاية أساسية | صور    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتابع أعمال التطوير في المجمع الدولي ومستشفى الكرنك    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف حوّل العسكر جيشنا إلى قوّة احتلال؟
نشر في شبكة رصد الإخبارية يوم 22 - 09 - 2013

انكشفَ الوجهُ القبيحُ لمجرِمي عَسْكَرِ مِصْرَ مرّةً أخرَى. بَلْ ظهرَ عسكرُ مصرَ في أقبحِ صورةٍ يمكنُ أن يتخيّلَهَا المرءُ. واحسرتاه عَلى جيشِ مصرَ الّذي حوّلَهُ العسكرُ إلى جيشِ احتلالٍ يقومُ بتقتيلِ المصريّينَ بدمٍ باردٍ. كَانَ المنظرُ بشعًا جدًّا عِندما شاهدنَا الطّائراتِ الحربيّةَ المصريّةَ تحملُ القنّاصةَ المجرمينَ الّذينَ يقتلونَ المتظاهرينَ في محيطِ ميدانِ رمسيسَ بدمٍ باردٍ جدًّا، وكأنّهم حشراتٌ ضارّةٌ، أو سباعٌ ضاريّةٌ، أو من جنودِ إسرائيلَ[1].
ما الّذي حَدثَ للجيشِ المصريّ ؟ قبلَ أن أستعرضَ في السّطورِ التّاليةِ بعضَ مظاهرِ الفسادِ الّذي استشرى في المؤسّسةِ العسكريّةِ المصريّةِ، يهمّني أن أشيرَ إلى الخصالِ الأساسيّةِ لعصابةِ عسكرِ مِصْرَ. والأمرُ هُنَا يتعلّقُ بظاهرةٍ شائعةٍ نرَاهَا ونلمسُهَا في حياتِنَا اليوميّةِ، وَهِي ظاهرةُ ترابطِ الخصالِ السّيّئةِ، أَوِ اجتماعِ الصّفاتِ الحميدةِ. ففي كثيرٍ من الأحيانِ نلاحظُ أنّ الخصلةَ الحميدةَ تقودُ إلى خصلةٍ أخرى مثلها، في حينِ أنّ الخصلةَ السّيّئةَ غالبًا ما تجلبُ خصلةً أخرَى سيّئةً.
مِنْ ذَلكَ مثلا أنّ الإنسانَ العاقلَ غالبًا ما يحرصُ على صحّته، فلا يفعلُ ما يضرّها. وهذه الصّفةُ الحسنةُ تجعلُهُ يحرصُ على ممارسةِ الرّياضةِ. فإذا مارسَ الرّياضةَ، وجدناه لا يتناولُ إلّا الطّعامَ الصّحّيّ الّذي يحفظُ صحّته. وإذا فعلَ كلّ هذا نجدُه أيضًا يَحرصُ على الابتعادِ عنِ السّهرِ، وتناولِ المشروباتِ الكحوليّةِ. وكلُّ هَذا لأنّه يسيرُ في طريقٍ مستقيمٍ ذي محطّاتٍ متسلسلةٍ، ومراحلَ متعدّدةٍ، وقواعدَ محدّدةٍ ينبغي احترامُها والالتزامُ بها. ونجدُ على النّقيضِ من هذا إنسانًا لا يمارسُ الرّياضةَ، ولا يهتمّ بصحّتهِ، ولا يبالي بجودةِ الطّعامِ الّذي يتناولُه، ولا يطيقُ الابتعادَ عن التّدخينِ ومعاقرةِ الخمرِ، إلخ. والشّيءُ نفسُهُ ينطبقُ هنا على مُجرمي عسكرِ مصرَ الّذينَ جعلوا يتنقّلونَ من صفةٍ سيئةٍ إلى صفةٍ أسوأَ، ومن جريمةٍ صغرى إلى جريمةٍ كبرى.
بدأتْ قصّةُ عسكرِ مصرَ بعصابةٍ من حملةِ الثّانوية العامّةِ بمجموعٍ ضعيفٍ جدًّا يدلّ على تدنّي قوّةِ التّحصيلِ والفهمِ لديهم. التحقوا بالكلّيّةِ الحربيّةِ. مدّةُ الدّراسةِ في الكلّيّةِ الحربيّةِ في مصرَ قصيرةٌ جدًّا[2]، لا تكفي لتخريجِ ضبّاطٍ على درجةٍ عاليةٍ من العلمِ، والتّدريبِ. والنّتيجةُ نراهَا، بل نكتوي بنارِها منذُ أكثر من ستّينَ عامًا. ثمّ إنّ حملةَ الثّانويةِ العامّةِ تخرّجُوا، وأصبحُوا ضبّاطًا. قامَ هؤلاءِ الضّبّاطُ بعملِ انقلابٍ عسكريّ سنةَ 1952م، استولُوا به على الحكمِ، ليدشّنوا أسوأَ مرحلةٍ تاريخيّةٍ عاشتها مصرُ في تاريخِها المكتوبِ.
أرادَ العسكرُ، غيرُ المؤهلينَ، [3]حكمَ مصرَ. هَذا مع أنّهم كانوا قد فشلُوا قبلَ ذلكَ في أوّل اختبارٍ لهم، عندما خاضُوا حربَ فلسطين سنةَ 1948م، وانهزمُوا فيها شرَّ هزيمةٍ. وَبعدَ انقلابهم الأسودِ سنةَ 1952م بدأتِ المصائبُ: أهملُوا كلَّ شيءٍ في مصرَ، وفشلوا في كلِّ شيءٍ. لكنّهم برعُوا في شيءٍ واحدٍ، هو تأسيسُ دولةٍ بوليسيّةٍ قمعيّةٍ إجراميّةٍ. كانتْ دولُ أوروبّا تسيرُ في ذلكَ الوقتِ بخطواتٍ واسعةٍ نحوَ التّصنيعِ، والتّنميةِ، والتّقدّمِ. في حينِ كانَ كلُّ همِّ العسكرِ، ومازالَ، منحصرًا في كيفيّةِ إذلالِ الشّعبِ المصريّ. فما أخسأَ هَذهِ الطّبقةَ الدّنيئةَ مِن جيشِ مصرَ!!
لم يبرعِ العسكرُ المجرمونَ إلا في التّنكيلِ بالشّرفاءِ، والقبضِ على المعارضينَ، وتحديدِ إقامةِ المنافسينَ لهم، وإعدامِ الوطنيّينَ، وتصفيةِ الإسلاميّينَ، وترويعِ الأبرياءِ، وإرهابِ العزلِ، والتّنكيلِ بالنّقّادِ. يقينًا وظّفَ مجرمُو عسكرِ مصرَ الفنّانينَ أيضًا لتخديرِ الشّعبِ بالفنِّ المزعومِ، واستخدموا الفنّاناتِ والرّاقصاتِ لتحقيقِ أهدافِهم في تلهيةِ النّاسِ، وصرفِهم عنِ التّفكيرِ. وهذا يُفسّرُ لنا الولاءَ الغريبَ الّذي نراه اليومَ من فنّاني مصرَ وفنّاناتها للحكمِ العسكريِّ الدّيكتاتوريِّ.
"إهمالُ" العسكرِ، باعتبارهم من الطّلبةِ ذوي المجموعِ الضّعيفِ دائمًا، إدّى إلى جُمودٍ شاملٍ في التّنميةِ. ظلّتْ سيناءُ صحراءَ جرداءَ. ثمّ أدّتْ رعونةُ العسكرِ إلى خسارةِ حربِ 1967م، وضياعِ سيناءَ. وبعدَ أنِ استردَّ السّاداتُ جزءًا من سيناءَ سنةَ 1973م، وقّعَ معاهدةَ العارِ "كامب ديفيد" معَ إسرائيلَ، باعتبارِه الخاسرَ الّذي يقبلُ بشروطِ العدوّ المنتصرِ. ففرضتْ هذه المعاهدةُ شروطًا مجحفةً على مصرَ.
وعرفَ بنو صهيون منذُ ذلكَ الوقتِ كيفَ يتحكّمونَ في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في جيشِ مصرَ، من خلالِ المعونةِ الأمريكيّةِ المزعومةِ الّتي اشترُوا بها قادَةَ جيشِ مصرَ من عصابةِ العسكرِ. الفسادُ المستشري فِي الجيشِ المصريّ قصّتُه طويلةٌ، تعودُ إلى مَا قبلَ انقلابِ 1952م. لكنّني أودُّ الاقتصارَ على استعراضِ بعضِ جوانبِه الّتي برزتْ بوضوحٍ في عصرِ عبدِ النّاصرِ، قبلَ أن يتحوّلَ هذا الفسادُ إلى وحشٍ ضارٍ يكادُ يقضي على الجيشِ في عصرِنا هذا.
الفسادُ الّذي ضربَ الجيشَ المصريّ بلا رحمةٍ متعدّدُ الجوانبِ. فهناكَ عشوائيةٌ في أسلوبِ تعيينِ القادةِ. بل إنّ هذِه العشوائيّةَ المميتةَ وصلتِ اليومَ حدًّا قاتلا، بحيثُ صرنا نلاحظُ أنّ الشّروطَ الّتي ينبغي توفّرها في القادةِ، لم تعدِ الكفاءةَ، والشّجاعةَ، والعلمَ، والانضباطَ، بل أصبحَ الولاءُ، والفسادُ، والإجرامُ، أهمَّ من ذلكَ بكثيرٍ. والأنكى من هذا هُوَ أن إسرائيلَ صارتْ هي الّتي تقومُ بتعيينِ قادةِ الجيوشِ المصريّةِ منذُ سنواتٍ طويلةٍ [4].
من ناحيةٍ أخرى ساهمتْ معاهدةُ "كامب ديفيد" في توحّشِ الفسادِ، واستشرائه بشدّةٍ في جميعِ فروعِ الجيشِ المصريّ. لم تعدْ إسرائيلُ هي العدوّ، بل الإسلاميّونَ. ولم يعدِ الهدفُ هو التدريب، والاستعداد للحربِ، بل صارَ قادةُ الجيشِ لا يفكّرونَ إلّا في المشروعاتِ الاستثماريّةِ. ولم يعدِ الدّفاعُ عن الوطنِ هو الّذي يشغلُ قادةَ الجيشِ، بل صارَ تقتيلُ الشّعبِ وترويعِه هو أهمّ ما يشغلُ بالَ العسكرِ.
وزادَ الطّينُ بلّة أنّ جيشَ مصرَ، مثله مثل شرطةِ مصرَ، لا يزالُ يعتمدُ على ألوفٍ مؤلّفةٍ من الجنودِ الأمّيّينَ، أو شبهِ الأمّيّينَ، من الّذينَ يسهلُ تضليلُهم، أو استعبادُهم، أو استخدامُهم في تقتيلِ النّاسِ، بعدَ غسلِ عقولِهم.
النّصوصُ التّاليةُ توضّحُ للقارئ الكريمِ بعضَ جوانبِ الفسادِ الّذي أصابَ المؤسّسةَ العسكريّةَ المصريّةَ، وكيفَ حوّلتْ عصابةُ العسكرِ الجيشَ المصريّ إلى جيشٍ كرتونيّ ضعيفٍ، يزرعُ في الحقولِ، ويعملُ في المصانعِ، لكنّه لا يتدرّبُ على استخدامِ السّلاحِ، أو الدّفاعِ عن أرضِ الوطنِ. ونظرًا إلى خطورةِ ما وردَ في هذه النّصوصِ، فقدِ ارتأيتُ نقلَها للقارئِ كما هِيَ، لكي يطّلعَ عليها كما صاغَها أصحابُها، بدونِ أيّ تدخّلٍ منّي.
وَلنبدأ استعراضنا هذا بتوضيحِ مقاييسِ ترقيةِ قياداتِ الجيشِ، لنبيّن أنّ الجيشَ المصريّ صارَ يحاربُ أصحابَ الكفاءاتِ الحقيقيّةِ، ولا يعتمدُ إلّا على أهلِ الثّقةِ الّذينَ لا يمتلكون أيّ مؤهلاتٍ حقيقيّةٍ. يقولُ جمال حمّاد عَن طريقةِ تعيينِ المشيرِ عبدِ الحكيمِ عامرٍ: "(...) وَكَانَ الأمرُ الّذي يدعو إلى الدّهشةِ والعجبِ أنّ عبدَ النّاصرِ هُوَ الّذي رشّحَ عبدَ الحكيمِ عامرٍ، عندما كانَ برتبةِ الرّائدِ ليتولّى القيادةَ العامّةَ للقوّاتِ المسلحةِ على أن يُمنحَ رتبةَ اللّواءِ ليقفزَ بذلكَ أربعَ رتبٍ دفعةً واحدةً.
ورغمَ الاعتراضاتِ العنيفةِ الّتي واجهها عبدُ النّاصرِ من ناحيةِ اللّواءِ محمّد نجيب، ومن بعضِ زملائِه أعضاءِ مجلسِ قيادةِ الثّورةِ، فإنّه استمرّ يعرضُ اقتراحَه في صبرٍ وإلحاحٍ عجيبينِ، حتّى نجحَ في النّهايةِ في تحقيقِ مشيئتِهِ. وكانَ أوّلُ قرارٍ أصدرَه اللّواءُ محمّد نجيبٍ بوصفِه رئيسًا للجمهوريّةِ، بعدَ إلغاءِ الملكيّةِ في 18 يونيو 1953م، هو الأمرَ الجمهوريّ رقم (1) بتعيينِ الرّائدِ عبدِ الحكيمِ عامرٍ قائدًا عَامًّا للقوّاتِ المسلّحةِ عَلى أن يُمنَحَ رتبةَ اللّواءِ.
وَعلى الرّغمِ من إدراكِ عبدِ النّاصرِ أنّه كَانَ بالخدمةِ في القوّات المسلّحةِ وقتئذٍ قادةٌ أكفاء كانتْ مدّةُ خدمَةِ بعضِهم في الجيشِ تتجاوزُ عمرَ عبدِ الحكيمِ الّذي كانَ في ذلكَ الوقتِ في بدايةِ الثّلاثينيّاتِ من عمرِه، إلا أنّه كانَ مصرًّا على تعيينِ عبدِ الحكيمِ عامرٍ، لا بحكمِ كفاءتِه العسكريّةِ، أو حرصًا منه على الصّالحِ العامّ، ولكنْ لاعتبارٍ واحدٍ فقطْ، وَهوَ أنّ عبدَ الحكيمِ كانَ أخلصَ الأصدقاءِ[5]، وأقربَ الزّملاءِ إلى قلبه في مجلسِ قيادةِ الثّورةِ. وكانَ هذا يعني ولاءَ القوّاتِ المسلّحةِ لعبدِ النّاصر وتدعيمها لمركزه ممّا يُتيح له الفرصةَ للسّيطرةِ على الشّؤونِ السّياسيّةِ في مصرَ دونَ زملائِه من أعضاءِ مجلسِ قيادةِ الثّورةِ تمهيدًا لتنفيذِ المخطّطِ الّذي رسمَه في دقّةٍ ومهارةٍ منذُ بدايةِ الثّورةِ، وهو التّخلّصُ من زملائِه جميعًا، والانفرادُ وحدَه بالنّفوذِ والقوّةِ والسّلطانِ". ا. ه .
ولعلّنا نتذكّرُ الطّريقةَ المماثلةَ الّتي قامَ بها الرّئيسُ المخلوعُ "مبارك" بتعيينِ المدعو "سامي عنان"[6] الّذي قفزَ هوَ أيضًا من رتبةٍ صغيرةٍ إلى رتبةِ فريقٍ دفعةً واحدةً. لقدِ استشرى الفسادُ في جيشِ مصرَ بطريقةٍ مأساويّةٍ، جعلتْ مقاييسَ اختيارِ القياداتِ العسكريّةِ في مصرَ تختلفُ عن نظيرتها في الدّولِ المتقدّمةِ. فليسَ العلمُ، والشّجاعةُ، والتّحصيلُ، والوطنيّةُ، وحبُّ الأوطانِ، وقوّةُ الانتماءِ، والأخلاقُ، هي المقاييسَ، بل عسكها تمامًا. ويكفي أن نتأمّلَ قياداتِ العسكرِ الّتي برزتْ مؤخرًا على السّاحةِ منذُ اندلاعِ ثورةِ الخامسِ والعشرينَ من ينايرَ 2011م. فهي شخصيّاتٌ يجمعُها ضعفُ الشّخصيّةِ، وقلّةُ التّعليمِ، وضحالةُ الثّقافةِ، وغيابُ الانتماءِ، وانعدامُ الضّميرِ، والجشعُ الشّديدُ. ولنا أن نتخيّلَ العارَ الّذي يمكنُ أن يجلبَه لمصرَ جيشٌ بمثلِ هذه القياداتِ، وبمثلِ هذه الرّعونةِ، إِنِ اضطرّتْ مصرُ إلى خوضِ أيّ حربٍ إقليميّةٍ في المستقبلِ القريبِ.
يقولُ الفريقُ صلاح الدّين الحديديّ في كتابه: "شاهدٌ على حربِ 67"، في الفصلِ الأوّلِ تحتَ عنوانِ: "الولاءُ أمِ الكفاءةُ": "بدأَ عامُ 1967م وهوَ لا يحملُ أيّةَ علامةٍ إضافيّةٍ من علاماتِ احتمالِ صدامٍ مسلّحٍ مَعَ إسرائيلَ. وكانتِ الأمورُ في القوّاتِ المسلّحةِ تسيرُ سيرَها الطّبيعيّ، كما كانتْ تسيرُ في السّنواتِ الّتي سبقتْها. ومازالتْ معظمُ الأمورِ الّتي تشغلُ أذهانِ كبارِ المسؤولينَ فيها، هِي نفسها الّتي كانتْ تشغلهم مِن قبلُ، والّتي كنّا نُطلقُ عليها (المشاكلَ المزمنةَ)، نظرًا لتكرارِها كلَّ عامٍ، والاعتمادِ في حلّها عَلى الوقتِ الّذي يتمُّ في التّطوّرِ الاجتماعيِّ والاقتصاديِّ للوطنِ والمواطنينَ، لأنّها كانتْ تتعلّقُ - فِي كثيرٍ من صورِها - بالمستوى الثّقافيّ للجنديّ المجنّدِ للخدمةِ في القوّاتِ المسلّحةِ[7]، أَوْ بالميزانيّةِ الّتي تجعلُ مِنَ الاعتماداتِ الماليّةِ حَلًّا لكلِّ صَعبٍ عسيرٍ.
وَمَعَ بدايةِ عامِ 1967م كَانَ هُناكَ بالإضافةِ إلى المشاكلِ المزمنةِ، موضوعٌ تناقلتْه الألسنُ على مختلفِ مستوياتِ أصحابها منذُ صيفِ عامِ 1966م، وَمع ذلكَ لم ينتهِ طنينُه، أوِ التّعليقُ عليه. ولم يُنسَ نهائيًّا إلّا بالاشتباكاتِ الّتي بدأتْ صباحَ يومِ 5 يونيو. في صيفِ عامِ 1966م أصدرتِ القيادةُ العليا للقوّاتِ المسلّحةِ حَركةَ تعييناتٍ وتنقّلاتٍ واسعةً بينَ القادةِ والضّبّاطِ، شَملتْ عَددًا كبيرًا منهم، مِنْ أكبرِ الرّتبِ إلى أصغرِها، احتاجَ تسجيلُها كتابةَ إلى عشراتِ الصّفحاتِ. وكانتْ حركةُ التّعييناتِ والتّنقّلاتِ هذِه مثارَ تعليقِ جميعِ الرّتبِ. ونظرَ كلّ منهم إليها - بطبيعةِ الحالِ - من زاويةٍ معيّنةٍ. وارتبطتْ غالبًا هذه النّظرةُ بأثرِ هذه التّعييناتِ على شخصِهِ. ولكنْ كانتْ جميعُ الآراءِ متّفقةً على استنتاجٍ واحدٍ، وهو أنّ هذِه العمليّةَ كلّها كانَ الدّافعُ إليها تطبيقَ مبدأِ: (الولاءِ قبلَ الكفاءةِ).
وَالواقعُ أنّ كلمةَ (الولاءِ) هَذِهِ كلمةٌ مرنةٌ لها أكثرُ من وجهٍ. وَقد حارَ في تفسيرِها الضّبّاطُ، وربّما المدنيّونَ أيضًا في قطاعاتِهم، حَيثُ لم يكُنْ واضِحًا تمامًا أيّ تفسيرٍ لهذا الولاءِ. والولاءُ لمن بالتّحديدِ؟ ومَا هِي مظاهرُه؟ ومن هُم بالذّاتِ أهلُ الولاءِ؟ ومَا هِيَ العلاقةُ الحقيقيّةُ بينَ (صاحبِ الولاءِ) وَ(أهلِ الولاءِ)؟ ومَا علاقةُ بعضِهم بالبعضِ الآخرِ؟ وإلَى أيِّ اتّجاهٍ عسكريٍّ أَوْ سياسيٍّ، أو حتّى مَذهبيّ تسيرُ قافلتهم؟ أسئلةٌ كثيرةٌ متشعّبةٌ ليسَ لها إجاباتٌ واضحةٌ محدّدةٌ، بل ليسَ لها مجيبٌ، وإجابتها متروكةٌ للتّقديرِ الشّخصيّ وللمّاحيةِ الضّابطِ وذكائهِ، ومدى انتهازيّتِه للظّروفِ الّتي أوجدتْها له المقاديرُ، ووضعتْه فيها تصاريفُ الزّمنِ.
ومعَ ذلكَ فإنّ اجتهادَ المفسّرينَ وتحليلهم للمواقفِ الّتي مرّوا بها، أو سمعُوا عنها، أو عاشُوها، وصلَ بهم إلى أنّ أوّلَ مظاهرِ الولاءِ، هو ضرورةُ ارتباطِ الضّابطِ بإحدى (الشّللِ) الموجودةِ، وربطِ نفسِهِ بها مهما كانتْ رتبته أوِ القيادةُ الّتي يتولاها، بَل مهمَا كانتِ المظاهرُ الأخلاقيّةُ لأعضاءِ الشّلّةِ الّتي انضمّ إليها، فانتماءُ الضّابطِ إلى إحدى الشّللِ يعني ولاءَه لها، وبالتّالي لأهلِ الولاءِ، وكانتْ خيوطُ الولاءِ كلّها تتجمّعُ في النّهايةِ في يدِ مَنْ بيدهم الأمر في القوّاتِ المسلّحةِ الّذين يمنعونَ ويمنحونَ، يحلّلونَ ويحرمونَ، بل يفصلونَ من الخدمةِ أو حتّى يعتقلونَ.
وذهبَ تعليقُ الضّبّاطِ على هذه الحركةِ مذاهبَ شتّى، فلم يبقَ قائدٌ في وظيفتِه - إلا نادرًا - حتّى وإنْ كانَ قد أثبتَ كفاءةً، وحقّق نجاحًا. بل إنّ بعضَهم نُقِلَ إلى نفسِ مستوى وظيفتِه في داخلِ نفسِ اللّواءِ أوِ الفرقة، وفي نفسِ المحطّةِ العسكريّةِ الّتي يخدمُ فيها، الأمرُ الّذي لا يبدو من أوّلِ نظرةٍ أنّه حقّقَ أيّ هدفٍ واضحٍ، وَلكنّه فِي الحقيقةِ قَد وازنَ بين ثقلِ الولاءِ في التّشكيلاتِ وَمحطّاتِ عملِها.
كَانَ من الطّبيعيّ وَحركةُ التّنقّلاتِ بهذه الضّخامةِ، وَمبدأُ الولاءِ هُوَ المحرّكُ الأصليّ لهَا، أن يبرزَ عَددٌ كبيرٌ من القياداتِ الهامّةِ الّتي شغلها قادةٌ غيرُ أكفاء، لم يُثبتوا أثناءَ خدمتِهم السّابقةِ هذه الكفاءةَ، أو حتّى الرّغبة في إظهارِها. فقد كانَ كثيرٌ منهم من الطّبقةِ ذاتِ الولاءِ العالي، عملتْ مددًا طويلةً في الرّئاساتِ المختلفةِ، حتّى وصلتْ إلى رتبٍ كبيرةٍ، ولم يخدمُوا إلّا في القاهرةِ أو ضواحيها على الأكثرِ، وأبعدَهم هَذا عَنِ الاختلاطِ بالجنودِ في الوحداتِ المقاتلةِ، ومعرفةِ حقيقةِ مشاكلِهم وأسلوبِ التّفاهمِ معهم، بل كانَ جُلّ تفكيرِهم تفكيرًا نظريًّا عامًّا، يظنّونَ أنّ في مقدورِهم حلّ المشاكلِ من مكاتبِهم الأنيقةِ، ذاتِ الأجهزةِ الفاخرةِ لتكييفِ الهواءِ، والّتي يبدو فيها حلّ المشكلةِ سهلًا ميسورًا، إذا ما اعتمدَ على تأجيلِ البتّ فيها أو تجاهلها، فلعلّها تحلّ نفسَهَا بنفسِهَا.
وَعندما كثرتِ الأقاويلُ والتّعليقاتُ على هذه الطّبقةِ الّتي أمضتْ مددًا طويلةً في هذه المكاتبِ الفاخرةِ، ووصلَ أفرادُها إلى رتبٍ كبيرةٍ لا تتحمّلها الوظائفُ الّتي يشغلونها، لم يكن هناكَ مخرجٌ إلا نقلهم من مناصبهم الّتي شغلوها سَنواتٍ طويلةً في الرّئاساتِ المختلفةِ، ليبدؤوا عملَهم في الوحداتِ والتّشكيلاتِ الميدانيّةِ، بصرفِ النّظرِ عن احتمالِ فشلِهم في وظائفِهم الجديدةِ.
وقبلَ هذا كانَ الانفصالُ الفكريّ بينَ الوحداتِ المقاتلةِ والتّشكيلاتِ من جانبٍ، والرّئاساتِ المختلفةِ من جانبٍ آخرَ، سببًا في مشاكلَ وحساسيّاتٍ كثيرةٍ، أدّت في النّهايةِ إلى تعميقِ جذورِ الخلافِ، وَهي: لمنِ الغلبةُ؟ وأيهما أولى بالتّطبيقِ؟ النّاحيةُ النّظريّةُ أَمِ النّاحيةُ العمليّةُ؟ ولا سيّما أنّ طبيعةَ أراضينا الصّحراويّةِ المفتوحةِ تختلفُ عن باقي أنواعِ الأراضي، وخاصّةً الضّيّقة منها، والّتي وُضعتْ على أساسِها النّظريّاتُ العلميّةُ البحتةُ.
وقد كانتِ الانتفاضةُ الكبرى في هذا السّبيلِ، عندما عادَ المبعوثونَ الّذينَ أُوفدوا إلى الاتّحاد السّوڤييتيّ للدّراسةِ في معاهدِه وأكاديميّاته العسكريّةِ لمددٍ تراوحتْ بينَ العامِ الواحدِ والثّلاثةِ الأعوامِ للدّورةِ الدّراسيّةِ. وعندَ عودتِهم تولّوا قياداتِ الوحداتِ والتّشكيلاتِ، واستطاعَ بعضٌ منهم - مِنَ الّذينَ أُحْسِنَ اختيارهم على أساسِ الكفاءةِ والولاءِ للعملِ وحده - أن يوائمَ بينَ النّظريّةِ والواقعيّةِ.
وَوصلتِ الوحداتُ المقاتلةُ في هَذا الوقتِ، إلى كفاءةٍ عاليةٍ وثقةٍ في العملِ، صَاحبها ضعفٌ في أجهزةِ القيادةِ العامّةِ، نتيجةَ عدمِ تأهيلِ العددِ الكافي من ضبّاطِ هذه الأجهزةِ من طبقةِ أصحابِ المكاتبِ المكيّفةِ، ووصلَ الموقفُ إلى ذروته باضطرارِ القيادةِ العامّةِ إلى مساواةِ الضّبّاطِ الّذينَ يخدمونَ في التّشكيلاتِ والوحداتِ الميدانيّةِ، بزملائهم الضّبّاطِ في الرّئاساتِ المختلفةِ، من النّاحيةِ المادّيّةِ، ومنحوا علاواتٌ سُمّيت علاةَ التّشكيلِ، زادتْ قيمتُها الماليّةُ - في بعضِ الرّتبِ - عن علاوةِ أركانِ حربٍ الّتي كان يتمتّعُ بها ضبّاطُ الرّئاساتِ دونَ غيرهم.
وَقد أُخِذَ هذا النّظامُ عن الجيشِ السّوڤييتيّ المطبّق فيه نظامُ الحوافزِ. ولكنّ هذه الانتفاضةَ ما لبثتْ أن خبتْ بمرورِ الوقتِ، ونُقِلَ الكثيرُ من قادةِ الوحداتِ والتّشكيلاتِ المؤهّلينَ إلى خارجِ الوحداتِ المقاتلةِ، بعضهم إلى التّقاعدِ، وبعضهم إلى وظائفَ مدنيّةٍ خارجَ القوّاتِ المسلّحةِ، وآخرونَ إلى الرّئاساتِ والقيادةِ العامّةِ أوِ التّشكيلاتِ الجديدةِ الّتي تُنشأ تنفيذًا لسياسةِ التّوسّعِ، فلم يعدِ العددُ الباقي من المؤهّلينَ كافيًا لشغلها جميعًا، وعادتِ الحالُ ثانيةً إلى ما كانتْ عليه من ضعفِ مستوى قادةِ الوحداتِ المقاتلةِ الّتي تُعتبرُ بحقّ القلبَ النّايضَ للقوّاتِ المسلّحةِ.
نعودُ ونقولُ إنّ التّعييناتِ والتّنقّلاتِ الّتي صدرتْ في صيفِ عام 1966م، وكانَ الدّافعُ الرّئيسيُّ لها الولاءَ بصرفِ النّظرِ عنِ الكفاءةِ، تضمّنت أيضًا حالاتٍ لا تخدمُ صالحَ القوّاتِ المسلّحةِ، كما خدمتْ أصحابَ هذه الحالاتِ. فقد كانتْ هناكَ بعضُ مناطقَ في سيناءَ وفي قطاعِ غزّةَ، لها من الامتيازاتِ المادّيّةِ ما قد يُعوّضُ خشونةَ الحياةِ وجفافِها في تلكَ المناطقِ، وكانتِ الخدمةُ في تلكَ المناطقِ مرموقةً نظرًا لهذه الامتيازاتِ، ولا سيّما بعدَ أن زالتْ قسوةُ الحياةِ فيها بإنشاءِ الميساتِ (= مساكنِ القادةِ والضّبّاطِ) والاستراحاتِ والنّوادي المتعدّدةِ، وفي نفسِ الوقتِ كانَ العملُ في هذه المناطقِ حسّاسًا ويحتاجُ إلى كفاءةٍ ويقظةٍ واحترافٍ حقيقيّ للجنديّةِ، عندَ تلقّي الصّدمةِ الأولى في حالةِ صدامٍ مسلّحٍ مَعَ إسرائيلَ على الحدودِ. وقد شملَ مبدأُ الولاءِ قبلَ الكفاءةِ هذه المناطقَ الهامّةَ، وعُيّن فيها الأكثرُ ولاءً دونَ النّظرِ إلى كفاءتهم الحقيقيّةِ وأصالةِ روحِ القتالِ فيهم.
إنّني حينما أشيرُ إلى الكفاءةِ، أعني الكفاءةَ في قيادةِ الوحداتِ الميدانيّةِ والتّشكيلاتِ، الكفاءةَ المبنيةَ على العلمِ العسكريِّ الحديثِ والخبرةِ الميدانيّةِ وممارسةِ قيادةِ الوحداتِ. ومن حقّ القارئِ عليَّ أن يسألَ عن مقاييسِ هذه الكفاءةِ الّتي ذكرتُ أهمّيّتها. وَهنا أجيبُ: إنّه ليسَ هناكَ ميزانٌ مادّيّ للحكمِ على هذه الكفاءةِ. ولكنّ هناكَ شواهدَ تعارفتْ عليها الأجيالُ المتعاقبةُ في القوّاتِ المسلّحةِ، تؤدّي في النّهايةِ إلى الحكمِ السّليمِ على مدى كفاءةِ القادةِ على مختلفِ المستوياتِ.
فالقوّاتُ المسلّحةُ مرهفةُ الحسّ، تشعرُ بأقلّ الفوارقِ، وأقلّ الموازينِ كمًا في تبيّن القائدِ الكفء من القائدِ غيرِ الجديرِ بقيادته، وإحساسُها لا يخيبُ أبدًا. فبعدَ مدّةٍ وجيزةٍ تظهرُ الصّفاتُ الحقيقيّةُ للقائدِ، سواء على ألسنةِ الجنودِ تحتَ قيادته، والّذين يتأثّرونَ مباشرةً بهذه الصّفاتِ، أو على كفاءةِ الوحدةِ كمجموعةِ أفرادٍ، في العملِ وتنفيذِ المهامّ، أو على حالةِ المعدّاتِ والأسلحةِ والمركّباتِ، أو على مستوى تدريبِ الأفرادِ أو روحهم المعنويّةِ، وحبّهم لوحدتهم وتعاونهم في المجالاتِ كافّةً، وأخيرًا في التفافهم حولَ قائدهم، لرفعِ مستوى الوحدةِ في جميعِ النّواحي القتاليّةِ. وفي الحقيقةِ فحالةُ الوحدةِ الحقيقيّةِ - بصرفِ النّظر عَنِ الواجهةِ الّتي قد تبدو أحيانًا لامعةً زيفًا - تعتبرُ بحقّ مرآةً صادقةً لضبّاطها وعلى رأسهم قائدُها. وقد قالَ نابليون في هذا الصّددِ: (ليس هناكَ وحداتٌ رديئةٌ، ولكنْ هناكَ ضبّاطٌ تعوزهم الكفاءةُ)". ا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.