وصول قطار العائدين السودانيين إلى محطة السد العالي في أسوان    وزير الخارجية الإيراني: لا يمكننا التخلي عن تخصيب اليورانيوم    «جايب 6 أهداف في ست سنين».. أسامة حسن يطالب ببيع نجم الزمالك    «كانت حفلة صعبة.. وإمام عاشور اتنقذ».. تعليق ساخر من الغندور على إيقاف راغب علامة وفتوح    4 أبراج «بتسيب أثر فيك».. ساطعون كالنجوم لا يمكن نسيانهم وحضورهم طاغٍ    لا علاقة له ب العنف الجسدي.. أمين الفتوى يوضح معنى «واضربوهن»    الأردن يرحب ببيان 25 دولة حول الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة    الأمم المتحدة: استمرار العنف في سوريا يؤجج النزوح الجماعي في السويداء    تاس: جولة جديدة من المحادثات الروسية-الأوكرانية فى إسطنبول يومى 24 و25 يوليو    الاحتلال يشن غارات متواصلة على دير البلح    "مستقبل وطن" ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بالشرقية لدعم مرشحيه في انتخابات الشيوخ    مصطفى العش: معسكر تونس مفيد.. ونسعى لتقديم موسم قوى مع الأهلى    حسن شحاتة يخضع لعملية جراحية    العثور على جثة شاب طافية في نهر النيل بالجيزة    5 شركات مالية غير مصرفية تحصل على تقديم خدماتها باستخدام مجالات التكنولوجيا المالية.. تفاصيل    الكنيسة تفتح أبوابها لاستقبال قداسة البابا تواضروس الثاني    فريدة تمراز: حلمى كان إعادة مصر إلى خريطة الموضة العالمية ببراند معترف به    الصحف المصرية.. رسالة السودانيين لمصر: شكرا من القلب    منظمة الصحة العالمية تعلن استهداف قوات الاحتلال لمقرها وسط قطاع غزة    البيت الأبيض: ترامب فوجئ بقصف سوريا.. و"روبيو" لعب دورًا في خفض التصعيد    وزارة الدفاع الأمريكية: مشاة البحرية تنهي انتشارها في لوس أنجلوس    د.حماد عبدالله يكتب: "تدليع " الصناعة المصرية !!    الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 يوليو 2025    رئيس وزراء الكويت يستقبل كامل الوزير لبحث التعاون الاستثماري وتوسيع الشراكة الاقتصادية    "أنا على الهوا".. موقف طريف لمعلق ودية الأهلي والملعب التونسي (فيديو)    «أنا مش معاهم».. وسام أبوعلي يتبرأ من الاتحاد الفلسطيني بعد أزمته مع الأهلي    «لن يعتزل».. الكشف عن وجهة علي معلول بعد رحيله عن الأهلي    تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي علوم.. مؤشرات كليات طب بيطري 2024 بالدرجات    مصرع شاب من المنوفية صعقًا بالكهرباء داخل مصنع بأكتوبر    تكريم مسعف وفني أنقذا سيدة في ولادة طارئة داخل سيارة إسعاف بقنا (صور)    جدول امتحانات الدور الثاني 2025 في الجيزة ( صفوف النقل والشهادة الإعدادية)    أول بيان من «الداخلية» بشأن فيديو مواطن تعدى بالضرب على زوجة شقيقه المتوفى للاستيلاء على أرض زراعية في البحيرة    إصابة 9 أشخاص بحالة إعياء بعد تناولهم وجبة عشاء في فرح ب الدقهلية    مؤشرات تنسيق كلية التربية 2025 في جميع المحافظات (علمي وأدبي)    للراغبين في الالتحاق بكلية الشرطة.. كل ما تُريد معرفته عن الشروط والمواعيد والإجراءات    مديرية التعليم بالسويس تعلن أسماء 102 فائزًا في مسابقة ال30 ألف معلم    إدراج كلية الطب بالجامعة الأهلية في المنيا في الاتحاد العالمي للتعليم الطبي    بإطلالة جريئة.. 10 صور ل بوسي أثناء قضاء إجازة الصيف في الساحل    داليا البحيري بفرنسا وميرنا جميل في عرض البحر .. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن | منع راغب علامة من الغناء وحقيقة إصابة أنغام بالسرطان    وزير العمل: مواجهة عمالة الأطفال وحماية عمال الدليفري أولويات الوزارة    التحقيق في وفاة سيدة مسنة إثر سقوطها من الطابق السادس بمستشفى طيبة بإسنا    «مكرونة الزواج».. وصفة بسيطة يطلق عليها «Marry me chicken pasta» (الطريقة والمكونات)    عمر كمال: استفدنا بشكل كبير من ودية الملعب التونسي.. وجاهزون لتحديات الموسم المقبل    سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد وجهود لإنقاذ مستقليها    انتشال جثة ونقل مُصاب إثر سقوط سيارة نقل من معدية شرق التفريعة ببورسعيد    ضبط طفل يقود سيارة ملاكي في الجيزة عقب تداول فيديو الواقعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي    ماذا قال عن بيان الاتحاد الفلسطيني؟.. وسام أبو علي يعتذر لجماهير الأهلي    "تنظيم عمل المؤثرين": توصية رئيسية لدراسة ماجستير للباحث محمود أبو حبيب بجامعة عين شمس    «المالية» تكشف حقيقة إطلاق حزمة حماية اجتماعية جديدة    نجم الزمالك السابق ينتقد اعتذار وسام أبو علي للأهلي    رسميا.. افتتاح وحدة مناظير أورام النساء بمستشفى 15 مايو التخصصي    وزير الصحة يتفقد مشروعات تطوير مستشفيي الأورام والتل الكبير بالإسماعيلية    هل النية شرط لصحة الوضوء؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ملتقى أزهري يكشف عن مظاهر الإعجاز في حديث القرآن عن الليل والنهار    هل يجوز عمل عقيقة واحدة ل3 أطفال؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أرباح السوشيال ميديا حلال أم حرام؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب    أول ولادة لطفل شمعي من الدرجة المتوسطة بمستشفى سنورس المركزي بالفيوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن مجتمع "الأسطورة" في مصر

لا يمكنك وأنت تتابع مسلسل "الأسطورة" الذي أُذيعت حلقاته في شهر رمضان، إلا أن تعيد التفكير في تحولاتٍ كثيرة شهدها، ولا يزال، المجتمع المصري طوال العقدين الماضيين. وهي تحولاتٌ لم تترك أحداً إلا وأتت عليه، فأعادت تشكيل وعيه وفكره ورؤيته عن نفسه وعلاقته بالعالم من حوله. يأخذك المسلسل في جولة "غطس" داخل أعماق المجتمع، بكل فئاته وطبقاته، الغنية والفقيرة، القوية والضعيفة، المؤثرة والمهمَشة. كوكتيل من المشاعر والانفعالات والمواقف التي تثير التأمل والتفكير، وهو المسلسل الذي احتلّ مساحة مهمة لدى المشاهد المصري، حسب تقارير إخبارية، وكان له صدى بين أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة، ما يعكس قدرة المسلسل وأداء طاقمه على أن يعكس واقع الحال.
لست ناقداً فنياً أو أدبياً كي أقيّم المسلسل، وهو الذي قد يبدو عادياً كعمل درامي (ربما عاديته سرّ نجاحه وتميّزه!). لكن ما يلفت النظر تشريحه وتفكيكه العلاقة الثلاثية بين السلطة والمجتمع والأفراد، وهي علاقة يقف في خلفيتها خيط ناظم واحد، هو الحراك الاجتماعي المحتجز في مصر، والذي يمكن أن يحوّل الأفراد، مع سياسات التهميش ومشاعر الظلم وعدم العدالة الاجتماعية، إلى قنبلةٍ موقوتةٍ تصل بهم إلى حد العدم، على نحو ما جسّدته شخصية ناصر الدسوقي، وأخيه رفاعي، اللذين أدّا دورهما ممثل واحد (محمد رمضان). يقف المسلسل عند تقاطعات عوالم ثلاثة متصارعة ومتناحرة، ليس فيما بينها، وإنما داخلها أيضا: عالم الفقراء والمهمشين، وجسّده الصراع بين عائلتي الرفاعي ومحمد النمر، وعالم الأغنياء الذي يرفض صعود الفقراء والمهمشين إليه، كما هي الحال مع عائلة تمارا التي جسّدتها ياسمين صبري باقتدار، وعالم السلطة والنفوذ والذي تجسّد في شخصية رجل الأعمال وتاجر السلاح بدر، ومعه ضابط الشرطة الفاسد كمال مراد الذي كان يعمل لصالحه.
انطلق التحول الدراماتيكي في المسلسل من مسألة استعصاء الحراك الاجتماعي في مصر، وفشل أبناء الطبقة الفقيرة في الانتقال إلى الطبقتين الوسطي أو العليا. هذا الاستعصاء، كما جسّده المسلسل، وهو ما يعكس الواقع أيضاً، ليس ناجماً عن ضعف القدرة أو الإمكانية التأهيلية. ولكن، نتيجة سلم اجتماعي مشوّه وفاسد، لا يعترف بالكفاءة والإمكانات الفردية، وإنما فقط بالمكانة والخلفية الاجتماعية للأفراد. وهو ينطوي أيضاً على معنىً أكثر خطورةً هو فقدان التفوق التعليمي أي ميزةٍ قد تعين صاحبها على الترقّي الاجتماعي. وهناك عشرات القصص الحية والحقيقية، وليست الأساطير، تسجل حالات الاغتراب التي يشعر بها المتفوقون علمياً، بعد أن يتم إقصاؤهم وتهميشهم اجتماعياً، فيكون مصيرهم الانحراف، أو الهجرة، أو الانتحار كما حدث مع الشاب المصري عبد الحميد شتا، وكنت أعرفه شخصياً، عندما ألقى بنفسه في مياه النيل عام 2000، بعد رفض المسؤولين قبوله في السلك الدبلوماسي، على الرغم من تفوقه الأكاديمي في حقل العلوم السياسية، وذلك بسبب خلفيته الاجتماعية.
قطعاً ليس كل من يجري تهميشه مجتمعياً يتحوّل إلى مجرم أو "بلطجي" كما جسّده ناصر الدسوقي، كما أن رفض الحراك الاجتماعي لا يعني بالضرورة الذهاب باتجاه العنف والإجرام، وإنما المقصود، هنا، فقدان معايير العدالة الاجتماعية وانعدام الأمل في مجتمعات تعج بالمشكلات والفوضي الاجتماعية، يوفر بيئة خصبة لتحويل مشاعر الظلم والاغتراب إلى قنابل موقوتة تعود فتنفجر في وجه المجتمع. وفي مجتمعاتٍ مشوّهةٍ اقتصادياً واجتماعياً، كحالة مصر، يستحوذ فيها أقل من 5% على نحو 95% من الثروة، بحكم تركيبة النفوذ والسلطة والفساد، فإن فرص الانتقال أو الحراك الاجتماعي "الطبيعي" من طبقة إلى أخرى تبدو صعبة للغاية، وتكاد تكون مستحيلة. وإذا نجح أحد أفراد الطبقة الدنيا في العبور إلى عالم الطبقة العليا، فإنه يصبح بالفعل "أسطورةً"، ولعل هذه هي الرسالة التي حاول المسلسل إيصالها. فقد حاول ناصر الدسوقي الولوج إلى عالم الكبار، بالاعتماد على تفوقه الجامعي، وحصوله على المرتبة الأولى في كلية الحقوق، بحسب المسلسل، كما حاول الزواج من شابة ثرية (تمارا)، لكنه قوبل برفض شديد، نظراً لانتمائه للطبقة الفقيرة، فكان أن اتخذ المسار الآخر للحراك، وهو مسار الثراء من خلال كسر القانون، وعبر أعمال العنف والإجرام والبلطجة، في رسالة تحدٍّ واضحة للمجتمع، ولطبقاته العليا بشكل خاص.
يعبر "الأسطورة" عن مخزون من الآمال والطموحات المكبوتة لدى فئات كثيرة مسحوقة في مصر، وهو أصبح بالنسبة لأبناء هذه الفئات بمثابة "الأسطورة" أو "الحلم" الذي يرغبون بتحقيقه (خصوصاً بعد أن فشلت الثورة في ذلك بسبب انكسارها أمام الثورة المضادّة). لذا، لم يكن غريباً أن نقرأ تقارير كثيرة حول إعجاب هؤلاء بشخصية البطل ناصر الدسوقي، ومحاولة تقليده في مظهره وملبسه. وكأنهم بذلك ينتقمون من الأغنياء وأصحاب النفوذ والسلطة، من خلال الذوبان في شخصية "الأسطورة". كثيرون من هؤلاء لا يجدون طريقاً سوياً لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، ويصبح الترقي السريع، ولو بالانخراط في العمل اللامشروع، هدفاً مركزياً لهم، حتى وإن كانت نهايته الحسرة والعدم، كما حدث مع بطلهم ناصر الدسوقي. وما حياة كثير من هؤلاء سوى دراما كبيرة، تبحث دائماً عن "أسطورةٍ" تعينها على التعايش مع واقعها المؤلم.
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.