تقع خلف سور مجرى العيون ورش ومبان متلاصقة، منها ما هو مرتفع وما هو ذو الطابق الواحد، روائح كريهة لا يستطيع أحد استنشاقها من روث حيوانات وبقايا جلود ملقاة على الأرض ومنتشر عليها الذباب، بالإضافة إلى طفح مياه الصرف الصحي، عربات "كارو"، وعمال ذوو وجوه كالحة يتصبب منها العرق، يرتدون ملابس رثة وبالية يفوح منها رائحة الجلود المملحة والمواد الكيماوية المستخدمة في نزع الشعر عن الجلود.. تلك هي منطقة المدابغ بمصر القديمة والتي تحتوي على ورش ومخازن لصناعة الجلود، تنتج تقريبا 80% من إنتاج مصر من مختلف انواع الجلود كالجلد البقري والجاموسي والماعز والضاني. "كل جلد له الدباغة الخاصة به على حسب استخدام نوع الجلد، فجلد التنجيد جاموسي وبقري وجلد الأحذية جلد ماعز، أما بالنسبة للملابس فيستخدم في صناعتها جلد الماعز والضاني، ولكن كل الجلود تمر بنفس مراحل الدباغة"، هكذا بدأ عم أبو العلا صاحب إحدى شركات الجلود كلامه معنا. ويقول أبو العلا: "كل أنواع الجلود متاحة للدباغة بداية من جلد الجمل حتى السمك، ولكنَّ هناك فرقا في الأسعار، فالجلد البقري يعد أغلى الأنواع التي يتم دباغتها في المنطقة يليه الجلد الجاموسي والضأني". وعن مراحل دباغة الجلود يقول: "إن الجلد يدخل في أربع عشرة مرحلة توحيد توحيد قياسي منها "الاحتكاك، والضوء، ونسبة المطاطية، ودرجة السخاوة"، مضيفا أن الجلد لا ينجح في الأربع عشرة مرحلة كاملة. واستكمل: "فبمجرد وصول الجلد من عند الجزار يدخل مرحلة التمليح حتى لا يعفن؛ لأن البكتريا تنشط فيه سريعا، والتمليح يمكن أن يحفظ الجلد سليما لمدة تصل إلى ستة أشهر، ثم تدخل مراحل التشغيل بداية من نزع الشعر إلى أن يكون جلدا متاحا للتصنيع". "عم أبو العلا": 2015 أسوأ عام مر علينا ويشكو صاحب المدبغة من الوضع الحالي للمهنة قائلاً: " نحن لا نعمل بنسبة 0.1% مما كان الوضع عليه حتى 2010، ففي ظل الأزمة الإقتصادية العالمية كان لدينا معدل الإنتاج منتظما بل متزايد ولكن بدأت الأزمة تظهر لدينا مع بداية عام 2011 حتي الآن، ويعد عام 2015 أسوأ عام مر علينا حتي الآن، بسبب ارتفاع أسعار الجلود، والمواد الكيماوية المستخدمة في نزع الشعر، إضافة إلى أن أجور العمال والموظفين ارتفعت من الصفر إلى 100%".