الكاتب الصحفي – عماد الدين حسين هل لاحظ أحدكم شيئا غريبا وطريفا ومحزنا فى نفس الوقت؟!. الملاحظة الرئيسية اننا على بعد أقل من شهرين ونصف على الانتخابات النيابية المفترضة قبل منتصف مارس المقبل ولم نسمع أى حزب يتحدث عن برنامجه الذى يفترض ان يخوض به الانتخابات. فى البلدان الطبيعية وقبل أى انتخابات بفترة تتقدم الأحزاب إلى المواطنين عموما والناخبين خصوصا عارضة برنامجها الشامل فى كافة المجالات لكى تنال على أساسه ثقة الناخبين وتقوم بعدها بتطبيق هذا البرنامح على أرض الواقع. والأكثر بداهة ان أى حزب لديه من الأصل برنامج يفترض انه تقدم به إلى لجنة الأحزاب حتى توافق على تأسيسه. المأساة التى لا يدركها كثيرون انه وبخلاف ثلاثة أو أربعة أحزاب فإن البقية تنسج مواد وبنودا وأفكارا سابقة التجهيز والتعليب وتتقدم بها إلى اللجنة وأغلب الظن أن معظم أعضائها لا يعرفون شيئا عن البرنامج أصلا. الآن فإن الجميع أفرادا وأحزابا منشغل بالتحالفات الانتخابية والقوائم الحزبية ومن هو الحزب الأكبر والأكثر شعبية ومن يفترض ان يكون على رأس القائمة. الجميع مشغول أيضا فى محاولة اثبات انه البريمو وانه سوف يكتسح الآخرين ويشكل الحكومة. لكن المأساة وسط كل هذا الضجيج فإننا لم نسمع عن نقاش جدى بين حزبين مثلا بشأن أى قضية جماهيرية. نسمع كل يوم وأحيانا كل ساعة عن تبدل التحالفات والمعسكرات السياسية ويصل الامر أحيانا إلى ان أحد الأحزاب يعلن تحالفه صباحا مع حزب كبير فى أقصى اليمين لكننا نتفاجأ ليلا وأحيانا عصرا بأن الحزب نفسه نقل تحالفه إلى حزب آخر أقرب إلى اليسار. نسمع كل لحظة عن خلافات وخنافات وملاسنات بين كبار قادة الأحزاب وللأسف فإن هذا الجدل لا يدور حول قضية جوهرية تهم جموع الناس. لو دققنا فى كل ما تنشره وسائل الإعلام فسوف نكتشف للأسف انه يدور حول مسائل فرعية جدا فى أحسن الاحوال وتافهة فى أحيان كثيرة. هل سأل أحدكم نفسه لماذا يتم الاتفاق على تحالف ليلا ثم ينهار صباحا ولماذا تتغير هذه التحالفات كل أسبوع وأحيانا كل يوم؟. لم يخبرنا قادة الأحزاب ولم يخبروا قواعدهم الحزبية عن السبب الذى يجعلهم يتفقون على التحالف مع حزب ما ولا عن السبب الذى يدفعهم لفض هذا التحالف. المنطقى ان تكون الأحزاب قدمت للمواطنين والناخبين برامج محددة عن تصوراتها التفصيلية لمصر فى السنوات الخمس المقبلة ويفترض أيضا ان تدور كل المجادلات والنقاشات وحتى الخناقات حول هذه البرامج بحيث يتاح للناخب ان يكون رأيا كاملا عن كل حزب وما هى خططه للمستقبل. لدينا 86 حزبا وربما أكثر وبالتالى كان يفترض ان يكون لدينا 86 برنامجا سياسيا مختلفا اضافة إلى عدد مماثل من البرامج الانتخابية المتنوعة. ادرك اننى أحلم وان غالبية الأحزاب كرتونية ديكورية لكن علينا ان ننبه وان نقرع الأجراس كل لحظة لأن درس سنوات مبارك العجاف ان تجريف الحياة الحزبية المدنية والقتل الممنهج للمجتمع المدنى هى الوصفة السحرية لازدهار التطرف وصعود الظلاميين. لكن وإذا كنا نلوم الأحزاب الصغيرة أو الانبوبية فما هو عذر الأحزاب الكبرى الرئيسية؟. واقع الحال ان لدينا أربعة أحزاب أو تيارات سياسية اساسية هى «اليمين واليسار والوسط والإسلاميين» وبالتالى ومن حق الناخبين ان يكون أمامهم أربعة برامج سياسية يستطيعون التمييز والاختيار من بينها. أتمنى ان تتوقف الأحزاب عن الغرق فى المسائل الفرعية وتطرح برامج واضحة لقضايا الوطن والمنطقة الملحة حتى يبدأ الناس وخصوصا الناخبين فى الادراك ان لدينا أحزابا بالفعل وان هذه الأحزاب لديها برامج.