إبراهيم عيسى يرسل إلىَّ حسام عطا الله خواطره بانتظام، وهى لافتة وصادقة، ثم هى صادمة أحيانا. استأذنتُه فى أن أنشر رسالته الأخيرة إلىَّ، فهى كاشفة عن تحولات ما بعد يناير.. تلك التى تستحق قراءة نفسية قبل أن تكون سياسية، خصوصًا أن بعضًا من منافقى مبارك والصامتين فى عهده، بل والمستفيدين منه ومن نظامه حين وجدوه يسقط سارعوا بالتحول إلى ادعاء المعارضة، بل ومغازلة ومحالفة الإخوان أو القوى التى ادَّعت لنفسها الثورية، وحتى هنا فالرجوع للحق فضيلة، ولا بأس من التحول، ما دام انطلق من ضمير استيقظ أو عقل استفاق. وقد رأيت البعض قد جاء يوم خمسة وعشرين يناير إلى ميدان التحرير، وقال لى يومها لمَّا استغربتُ اهتمامه بالمجىء وعوارض المعارضة التى ظهرت عليه بأنه جاى يتفرج ويتابع. لكننى أتابعه الآن وهو متشدد متطرف، كأنه مولود فى تنظيم ثورى. هنا فعلًا عمق المشكلة، حيث التحول المصاحب للادعاء، فلما جاءت «ثلاثين يونيو» كان هؤلاء فى منتهى التشنج والتوتر والمبالغة فى العداء للدولة وللجيش. فقد تعلموا من صبية ومن متصابين أن الهجوم على الجيش هو الثورة. إنه الدافع النفسى قبل السياسى. ولنذهب إلى ما يحكيه حسام عطا الله: «عرفت صديقى (س) أيام الجامعة وامتدت معرفتنا لسنوات، وفرقت بيننا الأيام لسنوات أخرى فى رحلة الجرى وراء لقمة العيش فى بلاد الله لخلق الله. وطوال تلك السنين لم أعرف له اهتمامات سياسية، وإن كنت أعرف أنه قد اقترب لفترة من الإخوان أيام الجامعة، ثم ابتعد عنهم. وكانت المصادفة أننا رجعنا لأرض الوطن فى أواخر عهد (مبارك) وقد أصبح صديقى (س) رجل أعمالٍ، يشارُ إليه بالشيكات. ولأننى أعرف أن صديقى (س) انتهازى ويعبد القرش فقد فوجئت -بعد تنحِّى (مبارك) عن الحكم- بأن صديقى (س) ثورجى وعلى صلة بكثير من (النوشتاء الحكوكيين والشوباب التاهر النكى). والظريف أنه اصطدم ببعضهم أيضًا، ولكنه ما زال يراهم وطنيين. ربما لم يرتكب صديقى (س) خطيئة عصر الليمون أيام انتخابات الرئاسة، واكتفى بالمقاطعة، ولكنه ما زال يمثل شريحة كبيرة من الثوار، التى تريد الخلاص من النظام القديم بأى طريقة، مما قد يدفعها إلى التحالف مع أى جهة من أجل تحقيق هذا الغرض دون أن تدرك مَغبَّة ذلك. وبسبب جهلهم الشديد وضحالتهم الفكرية ارتكبوا أخطاء قاتلة أهمها: تصديق وعود الإخوان وكذلك تصورهم أنهم يستطيعون السيطرة على الإخوان. وما زلتُ أذكر مكالمة طويلة تغنّى فيها صديقى (س) بالمستشار حسام الغريانى الذى رأس الجمعية التأسيسية لإعداد دستور الإخوان، وكيف كان صديقى (س) يرى أن الغريانى سيكون عقبة فى طريق الإخوان، وأنه سيمنعهم من السيطرة على أعمال الجمعية أو فرض رؤيتهم فى مواد الدستور. المؤلم أن صديقى (س) لا يرى ما يحدث حوله ولا يفهم ما يراه. ورغم المشاركة الشعبية الكاسحة فى الاستفتاء على الدستور (وهى فى رأيى أهم من نسبة الموافقة) فإنه ما زال يتصور هو ورفاقه أنهم يمثلون الشعب المصرى، وأن الشعب سيلبى نداءهم إذا دَعَوْه إلى الخروج ضد الحكومة الحالية. وعلى الرغم من أن صديقى (س) قد اشترك فى تأسيس حزب الدستور إيمانًا بالبرادعى، ثم استقال منه بعد أن يئس من (البرادعى)، فإنه لا يريد الانخراط فى العمل السياسى العام رافعًا شعار: ثورة ثورة حتى الموت. ولذلك فإن المصير المتوقع لصديقى (س) ورفاقه الثوار سيكون الاضمحلال أو الانتحار (معنويًّا أو جسديًّا). ولكننى على الرغم من ذلك أتوقع أن تتغلب على صديقى (س) انتهازيته القديمة ويتعاون بكل همة مع النظام الجديد، بعد أن يوطد أركانه». هل وجدت فى حكاية حسام عطا الله وخواطره تشابهًا مع «حالات» كثيرة صادفتَها وتصادفُها بعد خمسة وعشرين يناير؟ عن نفسى أنا وجدت فعلًا.