هل بحثت اليوم عن أصل ذاتك؟ أو ذاتك الأصيلة مقابل الزيف والبريق الكاذب الذي يحيط بك؟.. القضية أخطر من أن نحوّلها إلى مجرد سؤال فلسفي. القضية تتعلق بوجودك، بحاضرك، بأولادك ومستقبلهم على هذه الأرض، وفى هذا الوطن. .. هناك قاعدة نفسية تؤكد أنه عندما تنهزم الشعوب وتُستعمر من فئة أو عنصر أقوى، تشعر بالفشل الحضاري، وتبدأ فى فقدان الثقة بنفسها، وترى ما عندها وما تملكه تراثًا باليًا، قديمًا، فاشلًا، ومتخلفًا، وهذا الشعور يصيب الشعوب فى ثقافتها، وعقيدتها، حتى يبدو الدين فى نظرها عقبة فى طريق التقدم والازدهار، وهذه الحالة تحدث عنها المفكر الجزائري مالك بن نبي، فى كتابه "شروط النهضة"، وأطلق عليها وصف: "القابلية للاستعمار"، هذه القابلية التى تبدأ من داخل النفس، وشرح الطبيب، الفيلسوف، إبراهيم عمر فانون، فى كتابه "معذبو الأرض" كيف تتماهى الشعوب المستعمَرة مع مستعمِرها حتى ترفض ذاتها الأصلية، ومن قبل بن نبي وفانون بمئات السنين، قال ابن خلدون: "المغلوب مولع دائمًا بتقليد الغالب فى شعاره وزيّه وسائر أحواله وعوائده." وإذا راجعت الأعمال الدرامية المصرية خلال السنوات الخمس الأخيرة مثلًا، وتابعت بشيء من الاهتمام إعلانات المجمعات السكنية الخاصة أو المغلقة التي يطلق عليها "كمباوند (Compound)"، ستجد من ضمن أساليب الترويج لتسويق تلك التجمعات، تزويدها بأماكن لممارسة "الميدتيشن (Meditation)"، وهي تمارين روحانية ضمن ممارسات خاصة بالفلسفات الشرقية كالبوذية والهندوسية، ولا تندهش إذا عرفت أن الغرب – وليس أصحاب تلك الفلسفات – هو الذى يروّج لتلك الأفكار والعقائد عالميًا بزعم أنها تُكسب الصحة النفسية والتنمية الذاتية، والمدهش أن وكلاء نشر هذه الثقافة، انتشروا فى بلادنا، يقدمونها على أنها سمة من سمات الصحة النفسية والتميّز الطبقي، ونتقبلها نحن على خلفية "الانبهار بالنموذج" العقدي للغرب، الذى يستعمرنا ثقافيًا، ونسعى نحن لتقليده، فلا نأخذ بأسباب تقدمه، ولكن نأخذ الأسهل: القشور والمظاهر. وهذه الممارسات، "الميدتيشن"، التى تُستهلك فى مجتمعاتنا كرمز للرقيّ الاجتماعي والتميّز، هى فى الحقيقة جزءًا من ثقافة بديلة للأديان، جرى تقديمها على نحو ناعم عبر الإعلام، والسينما، والدعاية، مع إغفال أو تغييب لأبعادها العقدية. وفى كتابي المعنون ب "الدين الأمريكاني"، كشفت الوجه الحقيقي لهذا المخطط، الذي يرتبط بالسعي المنهجي لإضعاف العقيدتين المسيحية والإسلامية، باعتبارهما عائقين يقفان فى مواجهة الأيديولوجية الصهيونية، وهذا السعي من الآلة الصهيونية لا يتم عبر المواجهة المباشرة، بل من خلال طرح بدائل روحية تغطي الفراغ الذى سوف ينتج عن التفريط فى الإيمان أو التشكيك فى العقيدتين السماويتين، لذلك وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تم التركيز والترويج الإعلامي بشكل خاص على فلسفات الشرق الأقصى، وخاصة ما يُعرف ب "بوذية التبت"، وتولّت هذه المهمة أفلام هوليوود، إلى جانب عدد من رموزها من المشاهير، فيما تولّى الإعلام، وخاصة الرقمي، الترويج لشخص "الدالاي لاما" – زعيم التبت – كرمز روحاني عالمي، عبر خلط متعمّد بين الدين والسياسة، وبين العقيدة والهوية.. وللحديث بقية