في لحظة فارقة من التاريخ المصري المعاصر، خرج الملايين إلى الميادين في 30 يونيو 2013، رافضين استمرار حكم جماعة الإخوان المسلمين، ومطالبين باستعادة الدولة المصرية ومؤسساتها وهويتها الوطنية، وبينما دوى صوت الجماهير في الشوارع، كان للفن دوره، وخصوصًا الأغنية الوطنية، التي تحولت إلى أحد أبرز أسلحة التعبير الشعبي في تلك اللحظة التاريخية. فقد شكلت الأغاني الوطنية خلال ثورة 30 يونيو مرآة حقيقية لغضب الشعب، وأحلامه في التغيير، وتمسكه بهويته، فأصبحت تُردد في الميادين، وتُبث عبر الشاشات، وتعزفها القلوب قبل الآلات. "تسلم الأيادي"... أيقونة الثورة تصدّرت أغنية "تسلم الأيادي" قائمة الأغاني المرتبطة بثورة 30 يونيو، واعتُبرت نشيدًا شعبيًا في حب الجيش المصري، الذي انحاز لإرادة الشعب. الأغنية من كلمات وألحان محمد رحيم، وغناها عدد كبير من الفنانين، من بينهم حكيم، ومدحت صالح، ومصطفى قمر، وإيهاب توفيق. تغنت الأغنية بالجنود المصريين وبالقيادة العسكرية، وخاصة الفريق أول عبدالفتاح السيسي (آنذاك)، كرمز لدور الجيش في إنقاذ مصر من الفوضى. وقد لاقت الأغنية انتشارًا واسعًا، وتحوّلت إلى لازمة في كل المسيرات والمظاهرات المؤيدة لثورة 30 يونيو. "بلادي بلادي" و"فيها حاجة حلوة"… الروح الوطنية بصوت ناعم رغم أن أغنية "فيها حاجة حلوة" للفنانة شيرين عبدالوهاب طُرحت قبل الثورة، إلا أنها عادت بقوة في صيف 2013، تُبث عبر الفضائيات وتُردد في المسيرات، كتعبير عن الحنين لمصر الجميلة، والإصرار على إنقاذها من براثن الانقسام والظلام. الأغنية التي كتبها أيمن بهجت قمر، ولحنها عمر خيرت، عكست حلم المصريين باستعادة الأمل. أما أغنية "بلادي بلادي"، النشيد الوطني الرسمي، فقد عاد يتردد بصيغ موسيقية متنوعة في الميادين، رمزًا للوحدة والانتماء. "إحنا شعب وإنتو شعب"... الفن الساخر كأداة مقاومة من الأغاني التي أثارت جدلًا واسعًا وحققت انتشارًا كبيرًا في أعقاب 30 يونيو، كانت أغنية "إحنا شعب وإنتو شعب" للفنان علي الحجار، والتي عبّرت بوضوح عن الانقسام المجتمعي الناتج عن تجربة حكم الإخوان. كتب كلماتها مدحت العدل، ولحّنها فاروق الشرنوبي. الأغنية وصفت حالة من الغضب الشعبي من ممارسات الجماعة، وقدمت نقدًا لاذعًا بسخرية حادة، مما جعلها محط اهتمام الإعلام والجماهير في آنٍ واحد، وإن كانت قد واجهت انتقادات من البعض بسبب لهجتها الحادة. "الله أكبر فوق كيد المعتدي"… استدعاء التاريخ في لحظات الحشد الجماهيري، لجأ كثير من المتظاهرين إلى الأناشيد التاريخية مثل "الله أكبر فوق كيد المعتدي" التي ارتبطت بنصر أكتوبر 1973، فوجدت في تلك الأغاني متنفسًا لروح الانتصار والكرامة الوطنية، واستدعاءً للبطولات الماضية في لحظة إعادة بناء الحاضر. دور الإعلام في دعم الأغنية الوطنية لم تكن الأغاني لتنتشر بهذا الزخم لولا الدور المحوري الذي لعبته الفضائيات المصرية بعد الثورة في بث هذه الأعمال على مدار الساعة، دعمًا للثورة ومؤسسات الدولة. قنوات مثل CBC، والحياة، والقاهرة والناس، وغيرها، ساهمت في صناعة حالة من الزخم الوطني، عبر بث متواصل للأغاني الوطنية المصورة والمشاهد الأرشيفية للمظاهرات. الأغنية سلاح معنوي شكلت هذه الأغاني بمضامينها الوطنية الحماسية أداة شحن معنوي للجماهير، ورسالة إلى الداخل والخارج بأن للشعب المصري صوتًا لن يُسكت، وكرامة لا تُمس، وهوية لا تُغتصب. لم تكن مجرد أغانٍ، بل كانت وثائق شعورية حية لواحدة من أعظم لحظات الوعي الجمعي. لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد حراك سياسي، بل كانت لحظة تجلت فيها الروح المصرية، وتكلم فيها الشعب بلغة الفن كما بلغة الشارع. وقد رسّخت الأغنية الوطنية دورها مرة أخرى، ليس فقط كأداة ترفيه، بل كسلاح مقاومة وبناء ووعي.