في مشهد درامي أعلنت تريزا ماي ، رئيسة وزراء المملكة المتحدة والساكنة الحالية في 10 داونج ستريت، عزمها الاستقالة من منصبها مقابل التوصل لاتفاق يزيح عن كاهلها فشل الانسحاب من أهم تكتل اقتصادي في العالم، علها بذلك تكون قد أنقذت بلادها وحزبها من خطر الانقسام والتشتت، وبدأ منذ ذلك الحين سباق محموم لذكر أسماء المرشحين لشغل هذا المنصب المرموق. جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها تناول تطورات الانفصال البريطانى «البريكست» عن التكتل الأوروبى، ولكن الجديد أن حكومة ماى تركت الكرة فى ملعب مجلس العموم البريطانى ليكون هو صاحب القرار النهائى فى القبول أو الرفض، وبالفعل رفض البرلمان البريطانى لثلاث مرات الاتفاق الذى توصلت إليه ماى مع بروكسل، وتعتزم ماى طرحه للمرة الرابعة بعد انقضاء المهلة التى منحها الاتحاد الأوروبى لبريطانيا والتى تنتهى بحلول 12 إبريل الحالى. وفى حال استمرار الرفض سيتم البحث عن خطة بديلة للانسحاب تتشارك فيها جميع الأحزاب فى البرلمان أو يتم إجراء استفتاء شعبى ثان على الاستمرار فى الاتحاد أو الخروج منه، خاصة بعد خروج أكثر من مليون مواطن فى أواخر العام المنصرم للمطالبة بإعادة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبى للمرة الثانية، كما أنه لم يعد خافيا على أحد أن ماى أصبحت فى مرمى النيران الصديقة وغير الصديقة وأن مستقبلها أصبح مهددًا. هزائم ماي.. الثلاث ويشير تكرار الهزائم التى منيت بها حكومة ماى إلى أن مستقبل حكومتها نفسه أصبح فى خطر، وأن مؤيدى البريكست فى حزبها والأحزاب المعارضة فى البرلمان يرغبون فى الإطاحة بها، وقد رفض وزير المالية فيليب هاموند بشدة محاولة الإطاحة بماى ورد على سؤال ل «سكاى نيوز» بشأن التآمر للإطاحة برئيسة الوزراء قائلًا: «إن تغيير ماى فى الوقت الحالى غير مناسب فالحديث عن لاعبين جدد يعد من الترف الآن»، وأضاف «أنه يجب على البرلمان أن يركز فى اختيار ما يرفضه وما يؤيده أيضًا»، وهذا يعنى أنه يجب على ماى إيجاد طريقة تسمح لبريطانيا بالخروج من الاتحاد مع وجود اتفاق. الانسحاب أم الاستمرار ويرصد الكاتب فيليب جونستون فى مقالة بصحيفة الديلى تليجراف جملة المواقف والقرارات التى اتخذتها ماى، ووصفها بالخاطئة وحملها مسئولية تقسيم حزبها وطالبها فى ختام مقاله بالرحيل، وأوضح أن عملية الخروج من الاتحاد الأوروبى تحتاج إلى مقاتل قادر على لم الشمل وليس مساهما فى تعميق الخلافات. ورغم أن هذا الرأى جعل من ماى المتسبب الوحيد فى عرقلة إتمام الخروج، متجاهلا تماما وجود أطراف أخرى تأبى التنازل عن مصالحها ولا تلتفت لمصالح الآخرين، فإنه مع إنطلاق صافرة انتهاء الشوط الأول بقى أن ننتظر ما تجود به الأحداث فى شوطها القادم والأخير. من هى تريزا ماي ؟ ولدت ماى فى أكتوبر 1956، وهى ابنة وحيدة لقس، توفى أبواها وهى فى سن ال «15» عامًا، وأصيبت بمرض السكر الذى تسبب فى حرمانها من الإنجاب، وهى متزوجة منذ عام 1980، وأكملت دراستها الجامعية فى كلية سانت هاج بأكسفورد، بدأت حياتها العملية داخل بنك فى الفترة ما بين 1977و1983، أما مسيرتها السياسية بدأت بالانضمام لحزب المحافظين وفشلت مرتين فى الانضمام لمجلس العموم البريطانى فى انتخابات 1992 و1994، ونجحت فى دخول البرلمان عام 1997 وتولت العديد من المناصب فى حكومات الظل المتعاقبة حتى اختارها ديفيد كاميرون كوزيرة للداخلية عام 2010 وشغلت هذا المنصب لستة أعوام متتالية، وقد حققت ماى نجاحا ملفتا فى منصبها الوزارى أهلها لتصبح زعيمة لحزب المحافظين بعد أن رشحها كاميرون لتولى هذا المنصب خلفا له بعد أن قدم استقالته عقب إجراء استفتاء البريكست، ثم أصبحت رئيسة الوزراء وهى تعد ثانى امرأة تشغل هذا المنصب بعد مارجريت تاتشر، ولمع نجمها لأول مرة عام 2013 حينما نجحت فى ترحيل الإسلامى المتشدد «أبو قتادة» وإبعاده خارج البلاد، أما مواقفها فقد أيدت منذ البداية البقاء فى الاتحاد الأوروبى، ولكنها احترمت نتائج الاستفتاء الشعبى الذى طالب بالخروج من التكتل الأوروبى، وتعهدت بعقد الانتخابات القادمة عام 2020 ووعدت باللجوء إلى موازنة طارئة لتعويض الخسائر المترتبة على هذا الانفصال وواجهت بشجاعة تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد، كما أنها واجهت رفض كل من اسكتلندا وأيرلندا الشمالية لاتفاقية البريكست، وهذا يعد مأزقًا آخر وخطيرًا يهدد وحدة البلاد وخاصة أن المملكة المتحدة مكونة من إنجلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، إلى جانب ذلك كان عليها معالجة ما سببته دعوات اليمين المتطرف الذى قاد عملية الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبى، والتى قسمت البلاد إلى نصفين، وهذا أدى لزيادة العداء ضد الأقليات والمهاجرين بنسبة 47% وفقًا لتقارير الشرطة، كما أنها تحاول معالجة تداعيات البريكست والاتهامات بالتقصير والفشل واستقالات وزرائها التى باتت هى همها الأكبر والأهم وخاصة بعد تلويحها بالاستقالة من منصبها مقابل موافقة البرلمان على بنود اتفاقية الانفصال لينقلب الحال ويصبح البحث عن بديل لها هو الحل لحالة التخبط التى أصابت الحياة السياسية والاقتصادية وانعكاس ذلك على السلم الاجتماعى.