بينما سلط الهجوم الإرهابي على مسجدين في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا في 15 مارس الحالي، الضوء على تقاعس شركات التكنولوجيا عن اتخاذ الإجراءات الحاسمة لمنع استخدام الإرهابيين لمواقع التواصل الاجتماعي للترويج لمعتقداتهم المتطرفة ونشر المحتويات التي تحض على العنف والكراهية، فإنه في الوقت نفسه أشار الحادث بأصابع الاتهام إلى حكومات الدول الغربية حيث لم تول أجهزتها الأمنية والاستخباراتية الاهتمام اللازم لحماية مواطنيها من إرهاب «اليمين المتطرف»، بالرغم من وضوح الشواهد على تزايد ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، بل إن بعض تلك الحكومات ساهمت في تصاعد الظاهرة. كان الأسترالى برنتون تارانت، 28 عاما، المتهم الرئيسى فى الهجومين على مسجدى لينوود والنور، واللذين أسفرا عن مقتل 50 مصليا وإصابة نحو 50 آخرين، بث الهجوم على موقع الفيسبوك أثناء تنفيذه، كما نشر بيانا مكونا من 87 صفحة على صفحته بالفيسبوك وأرسل منه نسخة لمكتب رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا اردينز، قبل تنفيذ هجومه، مملوءا بخطابات كراهية وعنصرية ضد المسلمين والمهاجرين، ولدى مثوله أمام المحكمة شكل بيده علامة يستخدمها أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض عبر العالم. وجاء الحادث بعد أيام قليلة من إصدار مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامى، تقريره السنوى الثانى عشر، والذى يغطى المدة من يونيو 2018 إلى فبراير 2019، وأكد أن التمييز والتعصب ضد المسلمين بلغا أعلى مستوياتهما نهاية 2018، موضحا أن ظاهرة كراهية الإسلام بدت بمثابة رد فعل غير عقلانى من بعض الحكومات الغربية فى مواجهتها مسألة التطرف بسبب إلقائها اللوم بشكل واضح على كل المجتمعات الإسلامية دون استثناء. وأضاف التقرير أن بعض الدول الغربية تضفى الطابع المؤسسى على الإسلاموفوبيا، مشيرا إلى أن الخوف من الإسلام أصبح سلوكا رسميا باعتبار هذا التوجه جزءا لا يتجزأ من السياسةالحكومية بسبب استيلاء شخصيات وأحزاب سياسية يمينية متطرفة ومناهضة للإسلام على الحكومات. وفى مقال بصحيفة «الجارديان» البريطانية، قال الكاتب الصحفى جاسون ويلسون، وهو من أصول أسترالية، تعليقا على الهجوم الذى شنه شاب أسترالى على مسجدين فى نيوزيلندا، إن ظاهرة الخوف من الإسلام (المعروفة اصطلاحا باسم الإسلاموفوبيا) ضاربة بجذورها فى المجتمع الأسترالى، مشيرا إلى أن هناك نقاشا مستفيضا على الصعيد الدولى عن دور الإنترنت واليمين المتطرف فى هجوم نيوزيلندا، لافتا إلى حقيقة مهمة، وهى أن أى شاب فى عمر الإرهابى سفاح المسجدين قد تربى فى أستراليا فى فترة شهدت تفشيا سريعا لمظاهر العنصرية وكراهية الأجانب والعداء للمسلمين، حتى تكرست فى الثقافة العامة للدولة. وأضاف الكاتب أنه لطالما عومل الإسلام والمسلمون فى أغلب الأحيان– إبان مشاركة أستراليا فى الحرب على الإرهاب- باعتبارهم أعداء للشعب، وراج خطاب التحريض على الكراهية ضدهم. وضرب ويلسون أمثلة على تنامى ظاهرة الخوف من الإسلام بما حدث لسفينة تامبا التى كانت تقل أكثر من أربعمائة لاجئ أفغانى وعراقى، حيث رفضت أستراليا السماح لها بالرسو فى موانئها. واعتبر الكاتب ذلك الرفض محاولة «مكشوفة» من جانب حكومة المحافظين آنذاك للفوز بالانتخابات، وذلك بالعزف على وتر الخوف من الأجانب، وقد نجحت الحيلة. ويمضى المقال إلى أن أغلب المهاجرين الذين وصلوا أستراليا واعتقلتهم السلطات هناك كانوا من المسلمين، وأنه لطالما زعم السياسيون أن حبس هؤلاء يأتى كإجراء يتعلق بسلامة الدولة بحجة أن بعضهم قد يكونون إرهابيين. واستشهد ويلسون أيضا بما كتبه المحلل السياسى الأسترالى المحافظ أندرو بولت الذى أثار قضية التحول الديمجرافى (السكانى) الذى زعم أن بلاده تعانى منها، وهو الهاجس نفسه الذى يؤرق القوميين البيض، حيث رسم بولت صورة محتملة لمستقبل بلده الذى يشهد ما وصفه ب «موجة عاتية من المهاجرين تكتسح هويتنا الوطنية»، مشيرا إلى أن أستراليا تتعرض لهجوم ديموجرافى. وخير دليل على ما جاء بمقال ويلسون هو البيان الذى أصدره السيناتور الأسترالى، فرايزر مانينج، عقب الحادث، والذى قال فيه: «السبب الحقيقى لإراقة الدماء فى نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذى سمح للمسلمين بالهجرة إليها بالأصل». وفى إطار تحليلات وسائل الإعلام العالمية على الحادث، قال بيتر بيرجن، محلل شئون الأمن القومى فى شبكة «سى إن إن» الأمريكية، إنه فى حين أن الهجمات الإرهابية وعمليات إطلاق النار الجماعية نادرة فى نيوزيلندا، فإن الهجوم على مسجدين فى كرايستشيرش ليس بمعزل عما يحدث فى الغرب، حيث غالبًا ما يتم توجيه الخطاب المتصاعد المناهض للهجرة إلى المسلمين. وأضاف الكاتب أن الاعتداء الوحشى فى نيوزيلندا يسلط الضوء على ثلاثة اتجاهات آخذة فى التصاعد فى الغرب: الهجمات ضد أهداف إسلامية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعى كمنصة للإرهابيين لتبادل مقاطع الفيديو الحية، واستهداف دور العبادة. وأشار بيرجن إلى أن ألكسندر بيسونيت، منفذ الاعتداء على مسجد بمدينة كيبيك الكندية فى 29 يناير 2017، قال للمحققين إنه نفذ الهجوم بعد أن رأى تقارير تفيد بأن الحكومة الكندية سترحب بالمزيد من اللاجئين. وبعدها بستة أشهر فى 19 يونيو 2017، وقع الهجوم على مصلين بمسجد فى فينسبرى بارك بلندن، وقال الإرهابى اليمينى المتطرف دارين أوزبورن إنه نفذ الهجوم بسبب كراهيته للمسلمين. كما أظهرت تقارير الشرطة أن أوزبورن كان يبحث قبلها على الإنترنت عن جماعات اليمين المتطرف، وتبادل رسائل مع زعماء متطرفين. وتابع الكاتب إنه فى 5 أغسطس 2017، انفجرت قنبلة فى مسجد بمدينة بلومنجتون الأمريكية، ولكن لحسن الحظ، لم يُقتل أحد، وقال أحد المشتبه بهم الثلاثة للسلطات إنه ارتكب فعلته «لإخافة» المسلمين «للخروج من البلاد». وفى العام الماضى، خطط ثلاثة رجال لاستخدام أربع سيارات مفخخة لهدم مجمع سكنى فى ولاية كانساس الأمريكية، كان يحتوى أيضًا على مسجد، ويضم الكثير من اللاجئين الصوماليين. ويقول بيرجن إنه وفقا للتحقيقات، لم يعبّر الرجال الثلاثة عن الكراهية لهم فحسب، بل للمسلمين عموما. وفى نفس الإطار، أشارت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية إلى تصاعد الإسلاموفوبيا فى أمريكا وأوروبا فى السنوات الأخيرة، وقالت إن المراسلين، إميلى تامكين، وروبى جرامر، ومولى أوتول، كتبوا عن أن هوس إدارة ترامب ب «الإرهابيين الإسلاميين»، جعلها عمياء تجاه الأشكال الأخرى من الإرهاب، بما فى ذلك التطرف اليمينى. وقال دانييل بيمان، من جامعة جورج تاون، بعد فترة قصيرة من إطلاق الرصاص على 11 شخصا فى كنيس فى بيتسبرج فى أكتوبر الماضى، إنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ركزت الولاياتالمتحدة على الإرهاب بشكل شبه حصرى باعتباره مشكلة مرتبطة بالإسلاميين، وأصبحت أقل اهتماما بالعنف اليمينى المتطرف، ووصف ذلك بالخطأ الكبير. وفى أوروبا- تقول المجلة- ارتفعت الشكوك حول المسلمين فى أعقاب أزمة اللاجئين، ففى عام 2016، كتب الصحفى هنرى جونسون عن دراسة خلصت إلى أن 40% من الجمهور الألمانى يريد من برلين منع المسلمين من دخول البلاد. وفى الوقت نفسه، أيدت محكمة العدل الأوروبية حظر ارتداء النقاب على النساء فى فرنسا وبلجيكا. وأضافت المجلة أن ماثيو جودوين، من جامعة كنت البريطانية، لفت إلى أن الشعبويين الذين يروجون للشك فى المهاجرين والإسلام، حققوا نتائج قوية فى العديد من الانتخابات الأوروبية. أما صحيفة «واشنطن بوست» فقالت فى افتتاحيتها إنه يجب تسمية المذبحة المروّعة فى نيوزيلندا باسمها الصحيح، فهى هجوم إرهابى نفذه متعصب قومى أبيض متشبع بالإسلاموفوبيا ويدفعه التطرف الجامح الذى ينتشر فى أحلك ثنايا الإنترنت. وأضافت الصحيفة أنها لا تتهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالمسئولية عن هذه المأساة، على الرغم من تاريخه الحافل بالتصريحات المعادية للإسلام وحظر السفر الذى أقره واستهدف دولا ذات أغلبية مسلمة، لكنها رأت أن ترامب أخطأ حين لم يستطع أن يَحمل نفسَه على انتقاد القوميين البيض، وكان عليه بدلا من ذلك، وفقا للصحيفة، أن يعلن بشكل لا لَبس فيه أن الأيديولوجية التى يتبناها هذا المهاجم مرفوضة فى الخطاب الحضارى، وأنه من الضرورى أن يدين زعماء العالم تلك الفعلة الشنعاء بوضوح ودون أى لبس. وجاء أيضا فى تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» أن الأمريكيين، بصورة خاصة، أهملوا الإرهاب الداخلى، عن جهل، أو عمد. وأضافت: «أمضت الولاياتالمتحدة، وأقرب حلفائها، ما يقرب من عقدين من الزمن فى بناء نظام لتبادل المعلومات الاستخباراتية عن الجماعات الإرهابية الدولية. لكن لا يوجد ترتيب مماثل لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول المنظمات الإرهابية المحلية، ويشمل ذلك المتطرفين اليمينين». وأشارت الصحيفة إلى أن مرتكب مذبحة مسجدى نيوزيلندا، نشر على الإنترنت رأياً مليئاً بالغضب والكراهية، وأشار فيه إلى متطرفين يمينيين آخرين كمصدر إلهام له، من بينهم ديلان روف، الذى قتل تسعة من المصلين فى كنيسة للسود فى تشارلستون (ولاية ساوث كارولاينا) فى عام 2015. ومن جانبها، انتقدت صحيفة «صنداى تليجراف» البريطانية «تقصير» الغرب فى تقديم الإسلام الصحيح، ونقلت الصحيفة عن «تقييم حكومى» أن خطر اليمين المتطرف يتجاوز تهديد المنظمات الإرهابية المحسوبة على الإسلام ببعض المناطق فى بريطانيا، علماً بأن البلاد شهدت عدداً من الاعتداءات على مصلين أو مساجد خلال الأشهر الماضية، كان أبرزها هجوم «فينسبيرى بارك» فى يونيو 2018. كما كشفت صحيفة «صنداى تايمز» النقاب عن أن شركة أمازون العملاقة تجنى أرباحا من بيع الكتب التى ألفها «السفاحون القتلة» من اليمين المتطرف، موضحة أنها أجرت تحقيقا فى الأمر وتبين أن الشركة لا تزال تبيع مطبوعات كتبها قادة يمينيون متطرفون فى أمريكا مثل دايلان روف وفى أوروبا مثل أندريه بريفيك. وتقول الصحيفة، عن نتائج التحقيق، إن توزيع هذه المواد المتطرفة «أثار الانزعاج لأن برنتون تارانت، المتهم الرئيسى فى اعتداء نيوزيلندا، قال إن أعمال بريفيك- الذى قتل 77 شخصا فى عام 2011 فى النرويج- ألهمته، فضلا عن تأثره بالإرهابيين اليمينيين». ونقلت الصحيفة عن سياسيين ونشطاء فى حملات مناهضة لليمين المتطرف دعوتهم لأمازون بإزالة كتاب بريفيك من قائمة مبيعاتها. وحسب الصحيفة، فإن أمازون لم ترد على طلبها التعليق على نتائج تحقيقها.