يحتفى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته ال47 بمرور عشرة أعوام على رحيل الأديب العالمى نجيب محفوظ، الذى تربع على عرش الرواية العربية وحصل على جائزة نوبل عام 1988 ليظل فارس الأدب العربى وعلما من أعلامه فى العصر الحديث. استطاع محفوظ أن يرسم ملامح الشخصية المصرية فى الرواية، واحتلت إبداعاته مكانة مرموقة حتى يومنا هذا لدى القارئ العربى، ففى الآونة الأخيرة صدر له كتاب حمل عنوان «الأحلام الأخيرة» الذى أثار ضجة فور صدوره، حيث شكك البعض أن الكتاب للأديب الراحل وذلك لاختلاف أسلوبه فيه إلى حد ما، وردد البعض ربما تكون متاجرة باسمه ولكن سرعان ما خرجت ابنته أم كلثوم لتؤكد أن الكتاب نتاج كتابات متبعثرة لأبيها، قامت بجمعها لتكشف لنا أسرار جديدة عن حياته لا تزال حاضرة فى أذهاننا.فعالم نجيب محفوظ الحاضر دائما المتوغل فى تفاصيل الحياة المصرية بتاريخها وأماكنها، عالم قادر على الاستمرار وجدير بأن نستعيده دائما وأن نتأمله مرة أخرى. ويرى الناقد الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، أن محفوظ هو الهرم الأكبرللرواية العربية، بل إنه أعظم أديب عربى على الإطلاق، مشيرا إلى كتابة محفوظ عن الطبقة الوسطى وذلك لارتباطه بحزب الوفد الذى كان يميل له، ومن هذا المنظور أخذ يتحدث عن الأماكن وكتب روايات بأسمائها منها «قصر الشوق، السكرية، خان الخليلى» وكلها أماكن فى منطقة الجمالية التى كان دائما يعبر عن حبه الشديد لها، وكان لمدينة الإسكندرية نصيب من رواياته فكتب «السمان والخريف». وتابع: كان كاتبا مغرما بالشخصيات والأماكن بجانب أنه كان داعيا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وكان يسير على خطى النحاس باشا الذى رفض أن يقسم الملك فاروق اليمين عند توليه الحكم أمام الأزهر بل أراد أن يكون أمام البرلمان، فضلا عن أن رواياته جميعها فى التتبع الزمنى تعتبر تأريخا لمصر منذ عام 1919 وحتى عهد عبد الناصر والسادات بل منذ العصر الفرعونى. ويقول الناقد حسين حمودة: «أتصور أن تجربة محفوظ كانت ولا تزال من التجارب الكبرى فى تاريخ الأدب العربى والإنسانى، حيث اهتم بالقضايا الأساسية التى تخص الهوية المصرية والعربية وبقضايا الحرية والعدل والتحديث وغيرها من القضايا التى كانت مطروحة فى عهده ولا تزال حتى الآن، ويضاف إلى هذا أنه صاغ كل ذلك من خلال أعمال إبداعية عظيمة القيمة على المستوى الفنى». ومن جانبه قال الروائى يوسف القعيد، إن غياب محفوظ جسدى فقط، لكن ما تركه من نتاج أدبى غزير ومتنوع وما بقى لنا من مواقفه وثقافته ورأيه فيما يجرى فى الحياة لا يزال معنا، مضيفا أن محفوظ كانت لديه القدرة على تجديد نفسه فمرت أعماله بمراحل تطوير شديدة، وفى بعض الأحيان انقلب على نفسه أكثر من مرة وكان يفضل الحديث عن مشكلات الحاضر فى صورة الماضى. واستكمل قائلا إن محفوظ بدأ الكتابة أواخر الثلاثينيات وساعد فى تطوير وتأسيس الرواية العربية بمشاركة أبناء جيله وتميز فى كتابته وذلك لاعتماده على الأماكن حيث كان يطلق اسم المكان الذى يروى أحداثه على روايته كما هو فى «بين القصرين» وغيرها. وقبل رحيل الكاتب جمال الغيطانى تحدث عن محفوظ قائلا: «أنا الابن الروحى لنجيب محفوظ، جمعتنا صداقة قوية وصلت إلى الحد الذى جعل كل منهما مستودعا لسر الآخر على المستوى الإنسانى، أما على المستوى الفنى فأختلف معه تماما لأن مشروعه يعتمد على كتابة الرواية على نهج الرواية الغربية، أما مشروعى فقائم على إعادة الرواية العربية إلى أصلها القديم». كما تناول المعرض أعمال محفوظ السينمائية من خلال ندوة أخرى تحت عنوان «نجيب محفوظ بين السينما والمسرح»، وقال خلالها الروائى ناصر عراقى، إن محفوظ توقف عن كتابة الروايات فى الفترة من 1952 إلى 1958 وذلك بعد قيام ثورة الضباط الاحرار، واتجه إلى السينما وكانت أول تجربة له فى فيلم «المنتقم» مع الراحل صلاح أبوسيف، لافتا إلى أن السينما لم تلتفت إلى أعمال محفوظ إلا متأخرا وذلك لأن أجواء رواياته كانت تعود إلى العصر الملكى، مضيفا أنه بعد حصول محفوظ على جائزة نوبل زاد الطلب على أعماله وترجمتها إلى مشاريع أفلام. ومن ناحية أخرى، قال سمير فريد إن هناك ثلاثة مكونات أساسية أثرت على نجيب محفوظ وهى الفسلفة والتاريخ والسينما، مشيرا إلى أن السينما عند اختراعها كانت محط انتباه لأدباء العالم الذين وجدوا فيها لغة جديدة فى التعبير عن المتغيرات وتأثروا بها كثيرا، ومصر لم تتخلف عن ذلك بل تصدر الراحلان طه حسين ومن بعده نجيب محفوظ التأثر بالسينما، حيث كان محفوظ منتبها ومنفعلا وأدرك جيدا أهمية هذه اللغة الجديدة التى تصدرها السينما من خلال جمالها وقوتها والتأثر بها. كما شهد المعرض ندوة أخرى تحت عنوان «نجيب محفوظ مثقفا ليبراليا»، وقال خلالها الدكتور محمد عبد النبى إن أعمال محفوظ اتسمت بالليبرالية رغم انه لم يكن ليبراليا بشكل كبير، ورواياته كان بها بعد رمزى وابداعى مختلف. ومن جانبه اشار الدكتور هاشم توفيق إلى ان بذرة الليبرالية وجدت عند محفوظ، فكان مبدعًا يترك للقارئ حرية الاختيار، لافتا إلى أنه كان يتميز بالقوة الذهنية فرغم انه وصل إلى التسعينات من العمر إلا أنه لم يفقد عقله ولو للحظة، وهذا الرجل تأخرت عنه جائزة نوبل 30 عامًا.