اتفق خبراء الاقتصاد على أن قناة السويس الجديدة قصة نجاح يجب أن يباهى بها المصريون العالم أجمع، وأن يجعلوا منها حجر الأساس للبدء فى بناء اقتصاد قوى يعزز الاستفادة من كافة الإمكانيات والقدرات الوطنية، وأن المضى قدما فى إدراك المزيد من النجاحات الاقتصادية مرهون بالقدرة على القضاء على البيروقراطية. وأكد ضيوف صالون «أكتوبر»، الذى ناقش مشروع «تنمية محور قناة السويس»، أنه رغم مرور قرابة 150 سنة على افتتاح قناة السويس الرئيسية، إلا أن مصر لم تنجح فى تعزيز استغلالها لهذا المجرى المائى الحيوى الذى يربط شمال الكرة الأرضية بجنوبها. وشددوا على أن تعزيز الاستفادة من هذا المجرى الذى أصبح مزدوجًا بالانتهاء من حفر القناة الجديدة يتحقق من خلال إنشاء الموانئ العملاقة التى تقدم خدمات التموين والصيانة للسفن المارة، علاوة على إقامة صناعات الترانزيت واللوجيستيات، التى يترتب عليها زيادة الناتج المحلى الإجمالى بمعدلات غير مسبوقة، وأن هذا ما يهدف إليه المخطط العام لتنمية محور قناة السويس.? ماذا يمثل مشروع قناة السويس الجديدة لمصر؟ ?? حسين صبور، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين: قلت على الهواء مباشرة قبل أكثر من 30 عاما إن تأميم القناة على المستوى الاقتصادى لم يكتمل ما دامت السفن لا تقوم بعمل صيانتها ولا تحصل على تموينها فى مدن القناة، نظرا لعدم وجود الإمكانيات اللازمة لذلك، مما يضطرها إلى عمل الصيانة والحصول على التموين من جيبوتى أو اليونان وقبرص، وهذا أمر يدعو للأسى، فلا يليق أن تظل مصر منذ افتتاح القناة فى 1869 حتى الآن تكتفى بالقيام بدور الكمسرى، الذى يتولى تحصيل الأجرة «رسوم المرور» من السفن والحاويات المارة. لا تقدم مصر أية خدمات للسفن المارة بالقناة، التى تستحوذ الآن على نحو 10% من تجارة العالم و22% من تجارة الحاويات، لكن هذه الأهمية الاستراتيجية للقناة لم تنجح الإدارة المصرية قبل ذلك فى الاستفادة منها عبر المضى قدما فى تنفيذ مخطط تنمية قناة السويس التى يبلغ طولها من البحر المتوسط شمالا إلى البحر الأحمر جنوبًا نحو 193 كم، وظل الأمر طيلة 150 سنة، مما أفقد مصر مكاسب كان من الممكن أن تحققها خلال هذه الفترة لو أحسن استغلال القناة، لذلك فإن القناة الجديدة طفرة يجب أن تستمر. ويترتب على افتتاح هذه القناة الجديدة تقليل زمن الانتظار للسفن والحاويات من 11 ساعة إلى 3 ساعات، بما يترتب عليه زيادة عدد السفن العابرة من 49 إلى 97 سفينة يوميا، لكن ذلك سوف يتحقق بشكل تدريجى خلال 7 سنوات. الجدوى الاقتصادية - د. إبراهيم فوزى، وزير الصناعة الأسبق: مشروع القناة الجديد إنجاز مصرى رغم كل التحديات، وأنه أكبر من الجدوى الاقتصادية مثل مشروعى السد العالى وبرج القاهرة، بل هو مشروع مرتبط أكثر بصورة مصر فى الداخل والخارج، فالنجاح فى هذا المشروع يؤكد على أمر مفادة أن المصريين عندما أرادوا نجحوا فى إدراك ما يريدون، ففى عام واحد تم حفر هذا الممر المائى الضخم، وهذا يعنى أن هذه الدولة عادت مرة أخرى لتمارس دورها الإقليمى بجدارة وفاعلية غير مسبوقة. ولا يمكن أن تتحقق التنمية الحقيقية فى منطقة قناة السويس والحال فى الصعيد على ما هو عليه الآن، بل الأمر يحتاج إلى أن تكون جهود التنمية شاملة مصر كلها فى آن واحد، وهذا يحتاج بدوره إلى القضاء على البيروقراطية، التى تعطل كل جهود التنمية والنهوض بالمجتمع، فالأمر يحتاج أن يأتى الفريق مميش بكراكات حفر القناة لتتولى بدورها تطهير البيروقراطية الحكومية، لأنه بدون هذا التطهير سوف يظل الوضع كما هو عليه الآن، ولن يحدث جديد. - جمال محرم، الخبير المصرفى: مشروع قومى من الدرجة الأولى عائده يظهر بمرور الوقت، مشروع اجتمع حوله المصريون فجعلوا من جدواه الاجتماعية محركا أساسيا لإنجازه فى هذا التوقيت، وبالتالى فإن افتتاحه يعنى اعترافًا بقدرة مصر على إدراك النجاح، وأن المصريين ما يزالوا موجودين، لكن ذلك يحتاج إلى عزيمة وإرادة سياسية وشعبية فضلا عن الحرص على صياغة الرؤية الواضحة المصحوبة بالخطط والبرامج التى يتم تنفيذها بمتابعة وإشراف القيادات التنفيذية. وتتعاظم أهمية القناة القديمة والجديدة فى حال مضى الحكومة قدما فى إقامة المزيد من المشروعات على مجرى القناة شمالا وجنوبا، لأن الزيادة فى إيرادات القناة بوضعها الحالى لا تكفى أبدا لتلبية طموحات الشعب المصرى، بل من الضرورى الإسراع فى تنفيذ مشروعات تنمية محور قناة السويس لكن نجاح هذه المشروعات مرهون بقدرة الحكومة على إتاحة المزيد من الحرية للمسئولين عن إدارة ملف الاستثمار بحيث يتخوف المسئول الحكومى من تبعات قراره فيحرص دوما على اتخاذ موقف الرفض. - د. عالية المهدى، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة: مشروع قناة السويس الجديدة تأتى فى إطار مشروع كبير لتنمية منطقة قناة السويس، وبالتالى فهو «إشراقة فجر يوم جديد»، وبداية مشروع لخلخلة السكان فى المناطق ذات الكثافة العالية، التى تعانى مشكلات لا حصر لها مثل منطقة الدلتا التى تعانى أعلى معدلات تركز سكانى فى العالم، ويمكن أن يحقق هذا المشروع الضخم هذا الحلم، وبالتالى يجد المصريون متنفسًا لهم. ولكن نجاح مشروع تنمية محور قناة السويس يحتاج إلى وجود تصور واضح يتم انجازه بناء على المخطط العام للمشروع، فالموانئ الستة المقترح إنشاؤها أو تطويرها يجب أن يتم الاتفاق على التمويل والأهداف المرجوة من التطوير أو الإنشاء حتى تستقيم الأمور، وكذلك يجب أن يكون لدى الحكومة تصور واضح لكيفية استثمار الأرض الموجودة داخل مخطط تنمية محور القناة، فالمعلن عنه حتى الآن هو منطقة الاستزراع السمكى، دون تحديد شكل الاستثمار فى باقى المناطق. تنمية محور القناة ? هل تتحقق هذه الاستفادة المرجوة بإنشاء قناة السويس الجديدة أم يحتاج الأمر المزيد من الجهود؟ ?? حسين صبور: بالطبع لا، فالممر الملاحى الجديد أو القناة الجديدة لا تفى بالغرض، بل الأمر يحتاج إلى المزيد من الجهود، فإنه بالانتهاء من حفر القناة الجديدة، يجب أن تبدأ رحلة كفاح جديدة لتنمية محور قناة السويس، وتتحقق التنمية من خلال عدة خطوات، تتمثل فى إقامة مناطق لوجستية تتولى الحصول على المكونات الصناعية من الشرق والغرب مفككة، وتتولى بعد ذلك تجميعها على جانبى القناة مثل تجميع السيارات أو الحاسب الآلى، بما يترتب عليه توفير المزيد من فرص العمل وتنمية صناعات الكارتون والفوم والطباعة. وكذلك تعزيز الاستفادة من قناة السويس والبدء فى إجراءات إقامة مصنع للسفن، خاصة أن هيئة قناة السويس سبق وأن تلقت من شركة كورية جنوبية عرضا لإنشاء مصنع للسفن فى السويس، على أن يتولى هذا المصنع صناعة السفن والحاويات وتخريدها، علاوة على توفير خدمات الصيانة للسفن المارة، لكن نجاح هذه المشروعات مرهون بالقدرة على توفير عمالة مؤهلة بما يستدعى ضرورة البدء فورا فى تأهيل العمالة المصرية لتكون على قدر هذه المسئولية. - د. إبراهيم فوزى: فى تقديرى لابد من التأكيد على أن قناة السويس مجرى مائى اتجاه واحد وبافتتاح القناة الجديدة أصبح اتجاهين، وبالتالى فإن هذا الجهد يترتب عليه نقص زمن الرحلة للمرور من 11 ساعة إلى 3 ساعات بمعنى أنها خفضت زمن الانتظار والمرور بنحو 8ساعات، بمعنى أنه لن تضطر سفينة إلى الوقوف فى القناة انتظارا لمرور السفينة المقابلة لتتحرك فى اتجاه المرور، وهذا قد يترتب عليه زيادة فى الإيرادات السنوية لقناة السويس، لكنها ليست الهدف. تحتاج تنمية القناة إلى عمل شىء لمصر، تجعل القناة لمصر وليس مصر للقناة، فإنه عندما افتتحت القناة فى 1869 كان الموجودون فى مصر يبحثون عن مصالحهم فقط، وخير دليل على ذلك أن بقيت القناة مجرد مجرى ملاحى تمر منه السفن لتنقل بين البحرين المتوسط والأحمر، فالمكاسب التى تتحقق لمصر قبل حفر قناة السويس الرئيسية كانت أكبر بكثير، بحيث تحولت التجارة التى تصل إلى الشاطئ الشمالى المصرى ومنه إلى بلدان القارة الأفريقية. ويمكن أن تعزز الحكومة من استغلالها لهذه القناة، ويتحقق ذلك بأن تعفى الدولة المواد الخام، التى تحتاج إليها المصانع، وكذا إعفاء صادراتها من رسوم المرور بالقناة، علاوة على إعادة النظر فى قانون الاستثمار، بما يجعله أكثر تحفيزا للاستثمار فى السوق المصرية، ويدلل ذلك على أن مصر تريد تحقيق تنمية صناعية حقيقية، لكن الأزمة دائما تكمن فى البيروقراطية العقيمة، لأنه بدون التنمية الصناعية الحقيقية سوف تتضاعف وتزيد وتنفجر الدولة بالأعباء الداخلية. - جمال محرم: نحتاج إلى تنمية المنطقة بأكملها، لأن حفر القناة الجديدة وفر الأرضية القوية للبدء فى تنمية محور قناة السويس، ولنجاح التنمية يجب إقرار قانون خاص للاستثمار فى منطقة قناة السويس، لأن القوانين الموجودة الآن معطلة للمستثمر، فهذا مطلوب حتى لا يكون مصير المشروع كما كان مصير مشروع مدينة بورسعيد، التى تم إنشاؤها، لتكون منطقة حرة تجتذب المستثمرين من كل الدنيا مثل دبى وجبل على بالإمارات، لكن سياسات الانفتاح ودخول المغامرين راغبى الربح السريع ضيعها. غير معقول أن تكون منطقة القناة لا يوجد بها شركة واحدة لتموين السفن، مما يضطر السفن إلى الحصول على هذه الخدمة فى ميناء جيبوتى أو اليونان، ومن ثم يجب الإسراع فى جهود البحث عن آلية لتحويل المنطقة إلى منطقة منتجة، ولنجاح هذه الجهود يجب ألا يقتصر دور الحكومة على دور الميسر والمنظم فقط، لأنه بدون ذلك لن يقدم مستثمر أجنبى على الاستثمار فى قناة السويس بشكل خاص ومصر بشكل عام. يجب أن تكون الحكومة محفزة على الاستثمار ولابد أن تتكامل جهود القطاع العام والخاص لخدمة الأهداف الوطنية، التى تتمثل فى ضرورة تنفيذ هذا المشروع الرائد، الذى ينتظره المصريون لتوفير المزيد من فرص العمل، وبالتالى التخفيف من وطأة البطالة التى تترك آثارا سلبية على البنية الاجتماعية، فتوفير فرص العمل هى البوابة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. يقدر إجمالى ما يدخل مصر من الحاويات نحو 4 ملايين حاوية يخرج منهم 2 مليون، على الرغم من أن المفروض أن يدخل مصر على الأقل 14مليون حاوية، لكن تجارة الحاويات وصلت لحدودها الدَنيّا فى مصر، لوجود محاباة واضحة لشركات القطاع العام العاملة فى هذا القطاع على حساب الشركات العالمية الكبرى وهذا يضر الاقتصاد، فالأفضل ترك هذه الشركات تعمل لتوفر فرص العمل ولتحصل الدولة منها على الضرائب. - د. عالية المهدى: لا يكفى النص فى المخطط على أن ميناء شرق بورسعيد مثلا يخطط له ليضم منطقة للصناعات الثقيلة بل من الضرورى وجود المزيد من التفاصيل، وتتمثل هذه التفاصيل فى نوعية الصناعات الثقيلة المستهدفة فى المنطقة وكذا الكيانات الاستثمارية المخطط لجذبها للاستثمار فى هذه المنطقة، وحوافز الاستثمار المقرر اعتمادها لهذه الشركات لتحفيزها على الاستثمار فى مصر، بل مصادر المواد الخام لهذه المصانع والأسواق المستهدفة من الانتاج، علما بأن المستثمر الوطنى هو الأهم فى هذه المعادلة لأنه يتخذ القرار ومن بعده يأتى المستثمر الأجنبى. وتذهب التجارب الدولية المماثلة إلى نجاح هذه المشروعات الكبرى فى اجتذاب الشركات العالمية العملاقة للاستثمار على أرضها يعنى تشجيع وتحفيز باقى الشركات على اتخاذ قرار الاستثمار فى هذه المنطقة، ومن ثم فلا يوجد ما يمنع أن تقوم الحكومة بسن قوانين خاصة لجذب هذه الكيانات العالمية الضخمة، لأن وجود هذه الكيانات يعنى تحقيق الجزء الأكبر من النجاح، ولينص هذا القانون على زيادة نسب العمالة الأجنبية عن 10% فى المشروعات المقترحة وتقديم الأرض الصناعية بدون مقابل، فضلا عن الحوافز الضريبية وغيرها. المخطط العام ? ماذا عن المخطط العام لتنمية محور قناة السويس؟ ?? حسين صبور: ينطلق المخطط العام لمشروع تنمية محور قناة السويس من تنمية 7 موانئ رئيسية، وهى ميناء شرق بورسعيد، وتم تخصيص هذا الميناء لإقامة الصناعات الثقيلة، ومينائى الأدبية والسخنة، وتم الاتفاق على أن يكون موقعا للصناعات البترولية والمتوسطة، ثم يأتى الإسماعيلية، المقرر له أن يكون موقعا للصناعات التكنولوجية والغذائية، ثم ميناء الطور، يتم تنميته ليكون ميناء بضائع، وميناء سفاجا يتم تطويره ليكون ميناء بضائع وركاب، وميناء شرم الشيخ يتم تطويره ليكون ميناء لاستقبال الركاب. معوقات تحقيق الحلم ? ماذا عن معوقات تحقيق هذا الحلم؟ ?? حسين صبور: البيروقراطية أهم المعوقات، التى تقف دون تحقيق حلم تنمية منطقة قناة السويس، ثم يأتى بعد ذلك معوق تداخل التشريعات، هذا وقد حدد المستثمرون الأجانب هذه التحديات فى غياب الأمن، وعدم احترام الدولة لتعاقداتها، والبيروقراطية، وعدم إقدام الحكومة على حل مشكلات المستثمرين المتعثرين، وأخيرا الفساد، وأعتقد أن التشريع الذى يقوم على إعداده د. هانى سرى الدين، أستاذ التشريعات المالية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، سوف يحاول إيجاد حلول ناجزة لهذه التخوفات أو المشكلات التى أبداها المستثمرون الأجانب. كذلك تم التغلب على مشكلة توفير مقومات الحياة للعمال المنتظر عملهم فى مشروعات محور التنمية، حيث يتم الآن انشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة بطول 12 كيلو مترا على ضفة القناة الجديدة، ويوجد بهذه المدينة المتكاملة سكن مختلف المستويات، فضلا عن التخطيط لإنشاء 6 أنفاق تربط شرق القناة بغربها، لتصبح بعد اكتمال المشروع الانفاق 7 انفاق بدلا من نفق واحد وهو نفق الشهيد أحمد حمدى، وبالتالى سوف تكون الصلة بين الشرق والغرب قوية جدا. - د. عالية المهدى: هناك قدر من المعوقات التى تقف دون تحقيق النجاح المأمول فى مشروع تنمية منطقة قناة السويس ويأتى على رأس هذه المعوقات غياب الرؤية الواضحة وعدم وجود قوانين وتشريعات واضحة لتنظيم تأسيس الشركات وتنظيم سوق العمل وسوق الاستثمار، لكن القول بإمكانية تحويل هذه المنطقة إلى منطقة استثمار خاصة يحكمها قانون خاص أمر أرفضه لأن تنوع القوانين الحاكمة للاستثمار تخلق حالة من التداخل وعدم الوضوح فى السوق بشكل عام وتضر أكثر مما تنفع. وتعانى مثل هذه المشروعات الاستثمارية الضخمة من عدم توافر العمالة الفنية المدربة، بحيث تعانى العمالة فى مصر تدنى مهاراتها وسيادة سلوكيات غير مرغوب فيها من قبل المستثمر محلى كان أو أجنبى، وبالتالى فإنه من الضرورى الإسراع فى إقرار برامج لإعادة تدريب وتأهيل العمالة ليكونوا مؤهلين للعمل فى المشروعات المقترحة فى مخطط تنمية محور قناة السويس، ولا مانع من تعاون القطاع الحكومى والخاص فى القيام بهذا الأمر، على أن يتم تعزيز الاستفادة من أموال المنح والمساعدات الأجنبية فى هذا الجانب. لا مانع من تكرار التجارب الناجحة فى مجال تأهيل وتدريب الخريجين مثل مبادرة مبارك كول التى نجحت فى تخريج شباب مؤهلين، ولا مانع أيضا من وضع نص فى عقود الاستثمار الخاصة بالشركات القادمة إلى منطقة قناة السويس تلزم هذه الشركات بإقامة مراكز للتدريب والتأهيل لمعاونة وزارة التعليم الفنى هذه المهمة الخطيرة، على أن يكون التدريب متخصصًا ليكون أكثر فاعلية وجدوى، خاصة أن هذا التدريب يمكن أن يعيد التوازن مرة أخرى إلى سوق العمل المصرى، وإن كانت مهمة صعبة، لأن ثقافة العمل وعقلية العامل المصرى تحتاج إلى إعادة مراجعة. - د. إبراهيم فوزى: لابد من توجيه صرخة للحكومة للتحرك لإعادة التوازن إلى السوق، فالمستثمرون يشكون مر الشكوى من التشريعات المتداخلة المتضاربة والبيروقراطية التى تفقد كل مستثمر حماسه ورغبته فى ضخ المزيد من الاستثمارات فى الأسواق، مما يجعل التحرك الحكومى لمواجهة مشكلات المستثمرين أمرا فى منتهى الخطورة، فجذب الاستثمار إلى السوق يجب أن يحظى بالأولوية الأولى لدى الحكومة، فلا هدف يجب أن يعلو على هذا الهدف، لأن الاستثمار يعنى توفير المزيد من فرص العمل، فلا يعقل أن تتوقف أهم القلاع الصناعية فى مصر الآن – مصانع السماد والأسمنت- عن الانتاج لعدم قدرتها على توفير اعتمادات دولارية لاستيراد الغاز الطبيعى. ومن الضرورى لنجاح مشروعات تنمية محور قناة السويس أن يتم إقرار قوانين وتشريعات توفر للموظف العام القدرة على اتخاذ القرارات اللازمة لسير عجلة الاقتصاد، على أن يجد هذا الموظف ما يحقق له الحماية فيما بعد، لأنه لا يليق أبدا أن يجد الموظف العام نفسه مهددًا من القانون فى حال اتخاذ القرارات، فالمسئول المعوق للاستثمار لا يمكن أن يكون مناسبا لهذه المرحلة، وربما يفسر ذلك قدرة المصريين على حفر القناة فى عام واحد، لأن الأمر كان وراءه الرئيس السيسى الذى اتخذ القرار بدون خوف من أى تبعات له. - جمال محرم: يعد التدخل الزائد من قبل الحكومة فى سوق الاستثمار أحد أهم معوقات التنمية فى مصر، وبالتالى فإنه طالما استمرت هذه التدخلات الزائدة غير المبررة فى غالبها فإن النجاح فى تحقيق الأهداف المرجوة من هذا المشروع الضخم أو غيره من المشروعات المماثلة هو أمر محفوف بالمخاطر، والغريب أن الحكومة تصر على تدخلاتها رغم أن التجربة اثبتت فشل هذه الآلية فى الإدارة. يترتب على قصر دور الحكومة فى منظومة الاستثمار على دور الميسر والمنظم فقط زيادة فى الاستثمارات الوافدة إلى مختلف القطاعات، وربما تكون الزيادة فى حجم الاستثمارات الأجنبية العام 2014 ناتجة عن جهود حقيقية لتحسين مناخ الاستثمار حيث زادت هذه الاستثمارات من 3 مليارات دولار فى 2013 إلى 5.5 مليار فى العام 2014 بمعدل زيادة قدرها 85% تقريبا، وبالتالى فإن تعزيز الاستثمارات فى الأسواق بشكل عام ومشروع تنمية محور قناة السويس بشكل خاص يحتاج إلى ثورة تشريعية حقيقية تقلل من تدخلات الحكومة وتقصر دورها على التنظيم والتيسير على المستثمرين. تمويل مشروعات التنمية ? كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن سبل التمويل التى قد تلجأ إليها الحكومة لتمويل مشروعات مخطط تنمية محور قناة السويس، فالبعض تحدث عن إمكانية الالتجاء مرة أخرى إلى الشعب لتمويل مشروع حفر القناة الجديدة، فيما ذهب آخرون إلى إمكانية استغلال البورصة، فضلا عن الطرق التقليدية الأخرى، فما السبل الأنسب لتمويل هذه المشروعات؟ ?? د. عالية المهدى: اللجوء إلى التمويل عبر آلية تعبئة مدخرات الأفراد عبر السندات أو شهادات الاستثمار، قد يكون صعب المنال هذه المرة، لأن تجربة تدبير التمويل لمشروع حفر القناة كان مكلفا جدا بالنسبة للحكومة، فالمواطن يحصل من الحكومة على فائدة قدرها 12% مقابل معدلات فائدة كانت سائدة فى هذا التوقيت تدور حول 8%، لكن الحكومة كانت مضطرة إلى هذا الحل لكى تثبت أن الحصول على التمويل أمر متاح بالنسبة لها، وأن قدرتها على الحشد لا تزال عند مستويات آمنة. يمكن أن تلجأ الحكومة فى تمويل مشروعات محور التنمية إلى طرح أسهم فى البورصة للمشروعات المخطط تنفيذها، على أن يقوم المواطن بشراء هذه الأسهم، وإن كان قرار الإقدام على شراء مثل هذه الأسهم مرتبطا بتذليل كافة عقبات نجاح هذا المشروع، علاوة على وجود ضمانات من الحكومة بأن المشروع ينتظره النجاح، وقد يتحقق ذلك من خلال وجود الرؤية الواضحة للمشروع. - جمال محرم: هناك العديد من السبل المتاحة لتمويل مشروعات تنمية محور قناة السويس، يأتى على رأسها آلية طرح السندات المصرية الدولية وآخر طرح قد حقق نجاح كبير، ومن ثم فلا يوجد ما يمنع أن تلجأ مصر إلى طرح هذه السندات، خاصة أن حصة بيع السندات سوف يتم استثمارها ولن يتم توجيها إلى الانفاق الاستهلاكى، وبالتالى فإن سداد فوائد السندات وقيمتها أمر مؤكد، خاصة أن الالتجاء إلى هذه السبل التمويلية ليست بالأمر المهين. الطبيعى أن الشخص عندما يقرر الاستثمار فى مشروع معين لا يكون مالكا لكل الاستثمارات المطلوبة بل عليه أن يغطى جزءا من هذه الاستثمارات على أن يقوم بتغطية الجزء المتبقى بقروض سواء من الأشخاص أو مؤسسات مصرفية أو غير مصرفية، وهنا على الحكومة أن تختار بشكل دقيق الطريق الأمثل للتمويل ومن الأفضل أن تلجأ إلى أكثر من وسيلة تمويلية. فلا مانع من التفكير فى قرض صندوق النقد الدولى خاصة أن اقتراض مصر من أموال الصندوق حق أصيل لها بصفتها عضوا مؤسسا فى الصندوق، علاوة على أن البنوك يجب أن تقوم بدورها بتوفير التمويل للمشروعات المخطط لها فى منطقة القناة على أن يقتصر دورها على التمويل بالقروض لا بامتلاك المشروعات أو المساهمة بحصة من الملكية.