فى عالم السياسة اليوم تقاس مهارة السياسى بنجاحه فى استنزاف كافة الحجج والشعارات للوصول لحافة المستحيل لتجسيد الوهم، والوهم فى عالمنا هو أن نصدق أبواق الحكمة والبطولة التى يتشدق بها العديد من المتشددين الإسلاميين ولعل دبلوماسية شخصيتنا قد نجحت فى خداع الكثيرين فهو بحق قد يصح أنه مرزوقى ولكنه لم ولن يكون منصفا.. أبداً.. فالحياة اختيار.. ولعل الكثير من القادة الأفذاذ المتواجدين بين طيات صفحات التاريخ السياسى عاشوا وحكموا وبعضهم يعيش بيننا.. حتى الآن.. وكان المطلوب منهم التصدى الموضوعى لكل من يناصب وطنهم العداوة والبغضاء.. منهم من نجح فى تحقيق هذا الحلم المستحيل! ولكن للأسف لم ينجح الكل فى فرضه.. واقعياً.. وعمليا.. وقد نجحت شخصيتنا وتدعى محمد المنصف المرزوقى منذ ظهورها على الساحة السياسية عقب اندلاع ثورة الياسمين فى تونس عام 2011 فى خطف الأضواء وطرحت نفسها كشخصية محايدة ومستنيرة وأنها البديل الموضوعى لفترة الحكم الديكتاتورى للرئيس السابق زين العابدين بن على، وبالفعل تم انتخابه رئيسا للبلاد فى انتخابات شرعية وبمباركة جماهيرية وأصبح الرئيس الثالث لتونس، بالإضافة لكونه زعيماً لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والذى تم تأسيسه عام 2011، والغريب أنه أمضى معظم فترات حياته السابقة كمعارض بالمراسلة فقد غادر بلاده طوعاً عام 2001 وأمضى أكثر من 15 عاماً من حياته العملية مغتربا فى فرنسا، وتحمل زوجتاه الأولى والثانية الجنسية الفرنسية، ولديه ابنتان من زيجته الأولى، وقد عمل خلال فترة إقامته فى فرنسا محاضرا فى جامعاتها ولديه العديد من المؤلفات لعل أشهرها كتاب بعنوان «المدخل إلى الطب المندمج» والذى واجه عدة انتقادات لعل أبرزها ما قاله الصحفى أسامة فوزى فى جريدة «عرب تايمز» عن أن هذا الكتاب يعد نقلا حرفياً «للمعجم الطبى الموحد» الصادر عن دار مصطفى طلاس السورية، وهذا ليس النقد الوحيد الذى وجه لشخصه فهو قدم نفسه كمفكر يسارى لديه اهتمامات حقوقية وطبيب حاصل على درجة الدكتوراه، ورغم ذلك تم اتهامه بمناصرة مؤيديه وجماعته على حساب الصالح العام للبلاد، وقد أدت تلك الممارسات إلى تزايد المعارضة ضده واندلاع العديد من المظاهرات المطالبة بإقصاء المرزوقى عن منصبه الرئاسى وعقد انتخابات رئاسية مبكرة لاسيما بعد أن عجز المرزوقى عن السيطرة على تجاوزات المتشددين من أنصاره تجاه المعارضين لسياسته، وبعد أن خسر المرزوقى منصبه الرئاسى فى انتخابات شرعية عقدت العام الماضى تغير الحال وأصبحت تصريحاته المعادية لكافة الأنظمة الرافضة لممارسات أتباعه من الإسلاميين المتشددين تحتل عناوين الصحف ووسائل الإعلام، بالإضافة لارتكابه لعدة تجاوزات لعل أبرزها اتهامه بإخفاء مبلغ 12مليار دينار تونسى عقب عودته من قطر بهدف تمويل عدد من العمليات الإرهابية التى تهدد الاستقرار فى البلاد، وذلك كما جاء فى لائحة الاتهامات التى وجهت إليه، إلا أنه يزعم أنها كلها اتهامات كيدية وعارية تماما من الصحة، ورغم تزايد حدة المواجهة بين تلك الأنظمة المتشددة والمصالح العليا للبلاد عقب الحادث الإرهابى الرهيب الذى حدث مؤخراً فنحن نتمنى أن تظل شخصيتنا طاهرة الذيل نظيفة اليد وتبقى مثالا حيا للممارسة المتعقلة والقيادة الملتزمة كى يستمر نهر التاريخ نقيا فى جريانه.