لم يكن المتابع للشأن السياسى المغربى يتوقع لجوء المعارضة إلى المؤسسة الملكية للفصل فى الصراع السياسى بينها وبين رئيس الحكومة، لكن القذف والتشهير والاتهام بالفساد والانتماء لتنظيمات متطرفة جعل العلاقة بين أحزاب المعارضة والحكومة تصل إلى طريق مسدود. وعبر رسالة انتقدت فيها ما سمته استغلال رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران موقعه على رأس الجهاز التنفيذى من أجل تمرير مواقف سياسية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية ومجلس المستشارين _ الغرفة الثانية للبرلمان _ فقد لجأت أحزاب الاتحاد الاشتراكى، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الدستورى إلى طلب التحكيم الملكى. واتهمت الأحزاب بنكيران بمحاولة خلق انطباع بأن الحزب الذى يترأسه_ العدالة والتنمية_ هو الحزب الوحيد الذى يهدف إلى الإصلاح، وباقى الأحزاب المعارضة تعمل على عرقلة عمل الحكومة وتحاول إسقاطها بطرق غير مشروعة. وطالبت الأحزاب المعارضة بتدخل الملك بصفته الحكم بين مؤسسات الدولة. فى المقابل وصف حزب «العدالة والتنمية» رسالة أحزاب المعارضة الموجهة إلى الملك محمد السادس بأنها سلوك غير ديمقراطى وغير دستورى. وقد حدد الدستور المغربى ما يخص التحكيم الملكى لممارسة سياسية وقاعدة دستورية تساعد على حل الخلافات السياسية والمجتمعية الشائكة، وذلك بالنص عليها فى الفصل 42 من دستور 2011 وتحديد شروطها وحصر حالاتها حتى لا تستغل لغير ما وضعت من أجله. ويرى المراقبون أن الخلاف بين المعارضة ورئيس الحكومة لم يصل لدرجة تستدعى تدخل الملك لممارسة صلاحياته الدستورية، لكن خطوة الأحزاب الأربعة المعارضة وضعت قيادتها أمام أسئلة كاشفة، من قبيل هل غامرت تلك القيادات بطلب التحكيم الملكى، ومحاولة إقحام المؤسسة الملكية فى صراع سياسى يبدو أن دافعه الرئيسى انتخابى. فالمشاركة الإيجابية هى التى ستمكن أحزاب المعارضة من تجاوز مشاكلها الداخلية، ومواجهة الحكومة بمختلف مكوناتها وليس فقط حزب بنكيران هو الذى سيضفى عليها نوعًا من المصداقية، بدلًا من الانسحاب من لجان البرلمان. وكان رئيس الحكومة قد أعلن عن تأجيل موعد الانتخابات المحلية_ البلدية_ إلى شهر سبتمبر القادم بعد أن كان موعدها فى يونيو، وستجرى الانتخابات التشريعية فى العام القادم عند انتهاء ولاية الحكومة الحالية. وكشف بنكيران عن أن الأحزاب السياسية هى التى طلبت تأجيل الانتخابات. ومن جهة أخرى أعفى الملك محمد السادس ثلاثة وزراء فى الحكومة بناء على طلب اثنين منهما بالاستقالة، وآخر كان رئيس الحكومة هو من طلب إعفاءه. وقد أشار بيان للديوان الملكى أن رئيس الحكومة رفع إلى الملك طلب إعفاء الوزيرين الحبيب الشوبانى وسمية بنخلدون بناء على طلبهما بالاستقالة، وكذلك إعفاء الوزير عبد العظيم الكروج. وكان الشوبانى وبنخلدون قد تقدما بالاستقالة بعد الضجة التى أثارتها قصة حبهما، ودخلا التاريخ السياسى المغربى من أوسع أبوابه، بعد قرارهما الزواج رغم أنهما تجاوزا سن الخمسين، ورغم استمرار ارتباط الشوبانى بزوجته الأولى. وبإعفاء الوزراء الثلاثة، زيادة على إعفاء محمد أوزين فى يناير الماضى، يدخل المغرب تعديله الحكومى الثالث فى عهد عبد الإله بنكيران، بعد أن سبقه تعديل وزارى ثان عندما قام حزب الاستقلال بالإنسحاب من الحكومة. وتبقى المناورات السياسية ما بين هجوم ودفاع بين الحكومة والمعارضة هى السمة المميزة للمشهد السياسى المغربى، رغبة من الطرفين فى إثبات الوجود وتحقيق مكاسب جديدة فى معركة انتخابية لم تبدأ بعد.