مازال الثأر قضية قديمة وموروثة، ومسلسلا لا ينتهى فى صعيد مصر، راح ضحيته أبرياء لا ذنب لهم إلا وجودهم فى هذا المجتمع ..وفى دائرة الدم والقتل يعلو أنين وصرخات وديار خاوية وعائلات مهجرة ومهاجرة. ويعد سرادق جلسة الصلح هو المشهد أو الصورة الأخيرة بعد شوط طويل يقطعه المحكمون وأجهزة الأمن وكبار العائلات مع أطراف الخصومة، ليتم الاتفاق فيما بينهم على إعلان المصالحة إلى الأبد . ولم يكن أحد يتخيل أن تصبح قرية برديس والتى يعنى اسمها بالهيروغرافية الجنة . أن تتحول إلى بؤرة صراع ثأرى هو الأعنف فى محافظة سوهاج . «أكتوبر» كانت فى جلسة الصلح الأخيرة ببرديس بين عائلتى «أبو نحيلة» و«الشيمى» طرفى خصومة ثأرية حصدت نيرانها أرواح 13 شخصا وعشرات المصابين بخلاف الدمار والخراب وحضر جلسة الصلح ممثلين من الأزهر والقيادات الأمنية والتنفيذية وأهالى البلدة والتى اكتظ بهم السرادق وقدر عددهم بأكثر من 70 ألفا الأمر الذى يرشحهم إلى دخول موسوعة «جينيس للأرقام القياسية كأكبر تجمع بشرى من أجل مصالحة ثأرية . فى بداية توقيع اتفاق المصالحة قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر ورئيس لجنة المصالحات بالأزهر، إننا بأفعال أهل «برديس» نقتدى ونهتدى، موجهًا حديثه لعموم المصريين والمسلمين، مطالبًا الإعلاميين بتوجيه الكاميرات إلى الجالسين ليشاهد العالم كله والمصريون خاصة هذا الفرح العظيم بين أهل برديس لإتمام الصلح والعيش فى أمان. وأبلغ الحضور تحيات ومباركة شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب، وأنه يباهى بأهل برديس لرغبتهم فى الصلح لأنه سلوك يجب أن يفتخروا به لتغلبهم على الأحزان والآلام والاجتماع بقلوب بيضاء ووجوه يشع منها النور، وطالب بمنح جائزة خاصة لكل مسئول يعمل على رأب الخلاف وتحقيق الصلح بين المتخاصمين فى كافة أنحاء مصر. موجهًا رسالة للحضور «العفو من شيم الكرام والملائكة تباهى بكم فى السماء والله يباهى بكم سائر خلقه ونحن نباهى بكم محافظات مصر»، داعيًا جميع أصحاب الخلافات أن يقتدوا بما تم فى سوهاج ليعم السلام كافة ربوع مصر فنحن أمة واحدة مسلم ومسيحى ومن لا دين له مادام يعيش على أرض الوطن فالدين لله والوطن للجميع. وطالب الدكتور نبيل نور الدين الغرابلى رئيس جامعة سوهاج باستثمار الصلح والبدء لتحويل قرية برديس إلى مدينة باعتبارها من أكبر قرى المحافظة والاهتمام بإقامة العديد من مشروعات التنمية مما يساعد على استقرار الأمن والنظام ورفع مستوى التوعية والسيطرة على النواحى الأمنية من خلال وجود مركز شرطة بدلا من النقطة بتحويلها إلى مدينة. وأشار الغرابلى إلى أن دور الجامعة لم يقتصر على دراسة العلم داخل القاعات بل يمتد إلى دور مهم وهو مساعدة محيطها فى التخلص من عادة الثأر التى أصبحت موروثا سيئا داخل المجتمع السوهاجى وهنا يتجلى دور الجامعة كشريك فاعل لاحتواء النزاعات المجتمعية . وأوضح اللواء إبراهيم صابر مساعد وزير الداخلية ومدير أمن سوهاج أنه على مدى ما يزيد على30 عاما هى مدة خدمته الشرطية لم يشهد مثل هذا النموذج الرائع لمصالحة بين أبناء برديس وحرصهم على الأمن واحترام النظام وإتمام المصالحة. وأكد محمود عتيق محافظ سوهاج أن المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء أثناء زيارته الأخيرة للمحافظة طلب منه ومدير الأمن سرعة حل مشكلة برديس وإفادته بما تم فى هذا الشأن. ودعا الجميع للحفاظ على هذا الصلح وعدم الانصياع وراء الفتن والعصبيات والتعاون على البر والتقوى والتضامن لخدمة المجتمع. وأكد المستشار الإعلامى عبد العظيم صدقى رئيس مجلس إدارة جمعية أبناء برديس بالقاهرة الكبرى أن الجهود الإعلامية من خلال النشر فى الصحف عن حجم المأساة التى تتعرض لها برديس والتى لا تقل خطرا عن المأساة التى حدثت بأسوان من قبل بسبب معارك الثأر- سلطت الأضواء على المشكلة . وقال عبد الهادى أبو نحيلة وجمال أبو الحسن «تبادلنا الزيارات عقب الصلح وأقمنا ليالى العزاء وأصبحنا بنعمة الله إخوانا وسوف نحافظ على هذا الصلح الذى تم بفضل الله ورجال الأزهر الشريف وجهود الأمن». وأوضح مخيمر الناير وصفوت الشيمى» أن المصالحة تجعلنا نبدأ صفحة جديدة من العلاقات الطيبة لصالح بلدنا ومستقبل أولادنا وجميع عائلات برديس أسرة واحدة لا تعرف العنف ولا جرائم الثأر التى ظهرت بيننا مؤخرا.