يحكم العلاقات المصرية الجزائرية ميراث تاريخى من الدعم والمساندة المتبادلة، فقد ساندت مصر الجزائر فى ثورتها العظيمة ضد الاستعمار الفرنسي، ولم ينس الشعب الجزائرى أبدآ مساندة مصر لثورته حتى حصل على الاستقلال، وكان استقبال عبد الناصر فى الجزائر ليس له مثيل، وفى المقابل لم ينس الشعب المصرى أبدًا للرئيس هوارى بومدين وقفته العظيمة الداعمة لمصر فى حرب أكتوبر 1973 ، وشكلت العلاقة الثنائية القوية بين مصر والجزائر أساسًا اعتمدت عليه جامعة الدول العربية فى بناء علاقات استراتيجية بين العرب والأفارقة. وقد أصابت حالة من الجمود السياسى العلاقات بين مصر والجزائر عقب أزمة مباراة كرة القدم بين البلدين فى أم درمان عام 2009،لكن التطورات الإقليمية الناشئة عن ثورات الربيع العربى وخطر الجماعات الإرهابية فى المنطقة وبخاصة فى ليبيا دفعت مصر والجزائر إلى تعزيز التعاون والتنسيق لمحاصرة خطر الإرهاب. وعقب الإطاحة بنظام مبارك فى عام 2011 توالت الزيارات الرسمية لمسئولى البلدين لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها،وقد شهد العام الحالى، العديد من الزيارات بين البلدين، ومما ساعد على تمهيد الأرض لعودة العلاقات بين البلدين أن الجزائر لم تغب عن تأييد ثورة ال 30 من يونيو، وكانت من أشد الداعمين لها وبرهن على ذلك تكليف الرئيس عبدالعزيزبوتفليقة رئيس المجلس الشعبى الوطنى محمد العربى ولد خليفة، لتمثيله فى مراسم تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي. وأصبحت الآن العلاقات الثنائية تسير بشكل جيد، ودليل ذلك الزيارات المتلاحقة التى تؤكد التنسيق الكامل بين البلدين، بشأن العديد من المجالات السياسية أو الاقتصادية والأمنية. وقد لعبت الجزائر دورًا مهمًا فى عودة مصر للاتحاد الإفريقي، باعتبارها من أهم الدول المحورية فى القارة الإفريقية. لكن النقلة النوعية على طريق استعادة العلاقات المصرية-الجزائرية تمثلت فى اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى «الجزائر» لتكون أول بلد عربى يزوره بعد توليه الحكم، موجها رسالة قوية لكل مشكك حاول خلال الفترة الماضية تعكير صفو العلاقات التاريخية بين البلدين. وقد جاءت زيارة السيسى لتدشن مرحلة جديدة من العلاقات بين مصر والجزائر حيث توالت الزيارات المتبادلة ففى أغسطس الماضي، استقبل الرئيس السيسي، رمطان لعمامرة وزير خارجية الجزائر، الذى سلمه رسالة خطية من الرئيس الجزائرى تضمنت الإشارة إلى حرص الجزائر على تطوير وتعميق علاقاتها مع مصر فى كل المجالات، وذلك من خلال عقد اللجنة العليا المشتركة بين البلدين على مستوى رئيسى الوزراء. كما التقى وزير الخارجية سامح شكرى نظيره الجزائرى فى سبتمبر الماضي، وركز اللقاء على تناول القضايا الإقليمية التى تهم البلدين، وفى مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية والأوضاع السياسية والأمنية فى ليبيا، والتأكيد على أهمية دور دول الجوار الجغرافى فى استعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا، ثم مشاركة الجزائر فى اجتماعات دول الجوار الليبى التى تستضيفها القاهرة. الأزمة الليبية ولاشك أن الأحداث فى ليبيا أصبحت تشكل تهديداً للأمن القومى لمصر والجزائر، بصفتهما دولتى جوار ليبيا، وأن الدولتين تدركان ضرورة التعاون المشترك فى الوقت الحالي، لإعادة الاستقرار فى ليبيا ولتجنيب الدولتين خطر الجماعات المسلحة التى تسيطر على ليبيا، ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدا من التنسيق والتشاور فى هذا الملف. وقد استضافت الجزائرأحد اجتماعات اللجنة الأمنية لدول جوار ليبيا مؤخرًا، لبحث سبل حل الأزمة الليبية، وإنهاء الصراع الداخلى وعدم امتداده إلى دول الجوار، وتتبنى الجزائر مبادرة للحوار الوطنى بين الفرقاء فى ليبيا. وقد عقدت فى القاهرة الخميس قبل الماضي، اجتماعات الدورة السابعة للجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء وعبد الملك سلال الوزير الأول فى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بمشاركة عدد من الوزراء من الجانبين. فى بداية الاجتماع، ألقى المهندس إبراهيم محلب كلمة بهذه المناسبة، أكد خلالها على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، حيث أشار إلى سنوات الكفاح والثورة التى انطلقت فى الجزائر واحتضنتها قلوب وعقول المصريين، كما أشار أيضًا إلى الدعم الجزائرى لمصر خلال حرب أكتوبر 1973، وهو ما تواصل أيضًا خلال الفترة الماضية، كما أوضح أن اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسى للجزائر لتكون المحطة الأولى لزياراته الخارجية دليل على عمق العلاقات بين البلدين، ورغبة قيادتيهما فى دعم أواصر الارتباط والصلة والتعاون بين شعبى الدولتين. كما ذكر رئيس مجلس الوزراء أن هذه الدورة للجنة العليا تكتسب أهمية كبيرة بالنظر إلى جملة القضايا والملفات المعروضة عليها والتى تم الإعداد الجيد لها، حيث إن هذه اللجنة تحمل آمال الشعبين فى المزيد من التعاون والتكامل، فالمصير واحد والتحديات واحدة والتاريخ مشترك، والمستقبل مشرق باذن الله، مؤكدًا على وجود إرادة سياسية قوية لدعم العلاقات بين مصر والجزائر. شراكة حقيقية من ناحيته، أعرب عبد الملك سلال خلال كلمته عن عظيم شكره وتقديره للحفاوة البالغة التى لاقاها هو والوفد الجزائرى فى مهد الحضارات والتاريخ، معربًا عن أمله فى أن تحقق اللجنة العليا تطلعات وآمال الشعبين فى النمو والازدهار والرخاء، وعن أمله فى أن يشمل التعاون كافة القطاعات والمجالات، بما يحقق شراكة حقيقية وتكاملاً يليق بالروابط التاريخية والثقافية والإمكانات التى تحظى بها الدولتان. كما أضاف أن الاجتماع يتم فى ظرف دقيق يمر به العالم العربي، وهو ما يتطلب بذل مزيد من الجهود لتدعيم التعاون والتنسيق فى كافة القضايا ذات الرؤى المشتركة، والعمل على رأب الصدع العربي، وتدعيم تضامن الأمة، وإعادة حقوقها كإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، مشيدًا فى هذا الصدد بالدور المصرى فى السعى نحو رأب الصدع بين الأشقاء وتحقيق السلام. التبادل التجارى من ناحية أخرى، أعرب وزير التجارة والصناعة عن تطلع مصر الى رفع السلع المصرية من القائمة السلبية فى الجزائر، لإتاحة الفرصة لمزيد من التبادل التجارى بين البلدين، كما أشار إلى أن اجتماعات اللجنة التحضيرية تناولت الاتفاق على ضرورة العمل على رفع مستويات التبادل التجارى والاستمرار فى مناقشة تبادل القوانين والأنظمة واللوائح المنظمة لعملية الاستيراد والتصدير، فضلاً عن تبادل الخبرات والتعاون فى المجال التجارى بما فى ذلك منظمة التجارة العالمية، إلى جانب دعم التعاون بين الهيئة العامة للاستثمار فى مصر والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار بالجزائر، كما تم الاتفاق على الإسراع فى عقد الاجتماع الثانى لمجلس الأعمال المصرى الجزائرىبالقاهرة بعد إعادة تشكيله. وعلى صعيد آخر، أعرب وزير الخارجية عن تطلع مصر إلى مزيد من التطوير فى العلاقات والارتقاء بها إلى مستوى يليق بما نرغب فيه ونطمح إليه، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق خلال الاجتماعات على التعاون فى مجال الشئون القنصلية، من خلال دراسة مشروع اتفاقية قنصلية لتحقيق مصالح مواطنى البلدين فى البلد الآخر. وفى مجال التعاون فى ملف الطاقة، أشار وزير البترول إلى التعاون الحالى بين البلدين، كما أوضح أنه تم الاتفاق بين الطرفين على مواصلة المحادثات الجارية بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وشركة سوناطراك الجزائرية من خلال الاتفاق على تفعيل إنشاء الشركة المصرية الجزائرية المشتركة للبحث والاستكشاف وإنتاج الزيت الخام والغاز بالبلدين، ومواصلة المحادثات فى مجال تكرير خام (صحراء) الجزائرى بمعامل التكرير المصرية. من جهة أخرى، أوضح وزير النقل أنه تم الاتفاق خلال الاجتماعات على عقد اجتماع اللجنة الفنية للنقل البري، إلى جانب اللجنة الملاحية المشتركة، كما تم الاتفاق فى مجال الطيران المدنى على عقد اجتماعات بين سلطات الطيران المدنى فى البلدين لمناقشة الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وحل بعض المشكلات العالقة أمام تطوير هذا القطاع الحيوى بالنسبة للبلدين. وقد أوضح وزير الإسكان أنه تم الاتفاق على زيادة التعاون فى مجال الإسكان والعمران والبناء من خلال تشجيع إقامة شراكة بين الشركات المصرية والشركات الجزائرية، وتقديم الخبرات المصرية فى مجال التخطيط العمرانى وإدارة المدن الجديدة، فضلاً عن إقامة دورات تدريبية لتأهيل العمالة الفنية للجانب الجزائرى الشقيق. أما فى مجال التعاون فى ملفى التربية والتعليم، والتعاون الثقافي، فأشير إلى أنه تم الاتفاق على المضى فى إجراءات إنشاء مدرسة مصرية بالجزائر، كما تم الاتفاق على استمرار المشاركة فى المناسبات الفنية والمهرجانات الدولية التى تنظمها الدولتان، كما وجه الجانب الجزائرى الدعوة للجانب المصرى للمشاركة فى فعاليات تظاهرة «قسطنطينة» عاصمة الثقافة العربية لعام 2015. من جانبه، أشاد الوزير الأول الجزائرى بفكرة إنشاء الشركات المشتركة، خاصة وأن الجزائر مقبلة على إنجاز مخطط تنموى فى العديد من القطاعات، مؤكدًا على أهمية النظر فى إنشاء شركة مشتركة لنقل البضائع، وزيادة معدلات التبادل السياحى بين البلدين، كما دعا الى العمل على التوقيع على اتفاقات أخرى فى المستقبل. عمق العلاقات وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى، قد استقبل بمقر رئاسة الجمهورية، عبد المالك سلال رئيس وزراء الجزائر،وقد حضر اللقاء المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الصناعة والتجارة، والبترول، والثروة المعدنية، والخارجية، ومن الجانب الجزائرى حضر وزراء الشئون الخارجية، والطاقة، والتجارة. كما شارك فى اللقاء السفير المصرى لدى الجزائر، والسفير الجزائرىبالقاهرة. وصرح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، بأن رئيس الوزراء الجزائرى قام بتسليم رسالة إلى الرئيس من الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة، أكدت عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، وحرص الجزائر على تعزيز التعاون، والتنسيق المشترك مع مصر. وقد أشاد رئيس الوزراء الجزائرى، باستعادة مصر لمكانتها وقوتها، معربا عن دعم بلاده للجهود المصرية الرامية إلى تحقيق آمال وطموحات الشعب المصري. وأكد «سلال»، رغبة بلاده فى الارتقاء بمستوى علاقاتها مع مصر إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بما يسهم فى تعزيز جهودهما فى التصدى للأخطار التى تحيق بالمنطقة، ودفع عملية التنمية الاقتصادية فى كلا البلدين. وقد تم خلال اللقاء بحث عدد من مجالات التعاون المشترك، ولاسيما فى مجالات الطاقة، وزيادة التبادل التجاري، والاستصلاح الزراعي، والتعاون الثقافي، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على الشركات المصرية فى تنفيذ بعض مشروعات التنمية والبنية الأساسية فى الجزائر، بما يحقق مصلحة كلا البلدين. وعلى الصعيد الإقليمى، استأثرت الأوضاع فى ليبيا بقدر كبير من اهتمام الجانبين المصرى والجزائري، حيث أكد الرئيس أهمية تكثيف التنسيق بين البلدين، وذلك فى إطار مجموعة دول جوار ليبيا، التى تتولى مصر فيها الشق السياسي، بينما تضطلع الجزائر بالشق الأمني، وهو الأمر الذى يتيح تكامل الخبرات وتوظيفها، للحفاظ على الدولة الليبية ووحدة أراضيها وصون مقدراتها، وذلك من خلال العمل المشترك على تنفيذ بنود مبادرة دول الجوار، التى تم إعلانها فى 25 أغسطس الماضى بالقاهرة. وقد أكد الرئيس أهمية عامل الوقت بالنسبة للتوصل إلى حل للأزمة الليبية، مشيرا إلى أن التأخير سيؤدى إلى عواقب وخيمة.