ومن المقرر فقهياً أن الضرورة تقدر بقدرها، وقال الله تعالى بعد ذكر بعض المحرمات: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173].ومعلوم أن الربا من المحرمات التى جاء بها نص القرآن، فتوعد عليها ما لم يتوعد على غيرها، فقال عز وجل: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279].أى إن لم تتركوا الربا فقد حاربتم الله تعالى ورسوله ?، ومع شدة حرمة الربا، وغلظ ذنب فاعليه، فقد أذن الله تعالى فى فعله عند الضرورة كغيره من المحرمات، والاضطرار هنا يكون من المقترض لا من المقرض فيكون الذنب لاحقاً بغير المضطر منهما -وهو المقرض- لوجود الرخصة فى حق المقترض دونه، وقد وضع العلماء للضرورة ضوابط لا بد من مراعاتها، لئلا تتخذ وسيلة لارتكاب المحرم دون تحققها، ومن أهم هذه الضوابط: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فلا يجوز الاقتراض بالربا تحسباً لما قد يكون فى المستقبل. وألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهى الشرعية، فلا يجوز الإقبال على القرض الربوى مع وجود البديل المشروع أو الأخف حرمة. ويجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، وألا يقدم المضطر على فعل لا يحتمل الرخصة بحال، وليتذكر المضطر دائماً قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].وقوله تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6]، وقوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62]