ايا كانت نتيجة الاستفتاء على انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، فإن القارة العجوز – كما يسميها الأمريكيون- تواجه خطرا حقيقيا يتعلق بتزايد النزعات الانفصالية فى كثير من بلدانها، هكذا اتفقت معظم التحليلات السياسية وآراء الخبراء فى الصحف العالمية، حيث بات الأمر يشكل تهديدا حقيقيا لفكرة أوروبا الموحدة، وإذا عدٌدنا نماذج لبعض الأقاليم والمقاطعات التى باتت تطالب بالانفصال والاستقلال، سنجد أنها فى تزايد مستمر، ففى إسبانيا يوجد مقاطعتان هما الباسك وكتالونيا تطالبان بالانفصال والاستقلال، وقد اتخذ المسئولون بإقليم كتالونيا إجراءات فعلية فى سبيل تحقيق هدفهم، حيث أعلنوا عن إجراء تصويت فى 9 نوفمبر المقبل حول انفصال الإقليم عن إسبانيا، وفى إيطاليا بدأ سكان منطقة جنوب التيرول «الناطقون بالألمانية» والذين يتمتعون بالحكم الذاتى فى محافظة « بولزانو- بوزن» بشمال إيطاليا بالتفكير فى الاستقلال، وفى هذا الصدد قالت «إيفا كلوتز» النائبة عن الحركة الانفصالية «حرية جنوب التيرول»: «نحن لسنا إيطاليين، وإيطاليا دولة مستعمرة، وليس لها الحق فى حكم بلادنا، ونحن نراقب عن كثب ما يحدث فى اسكتلندا، وكذلك كتالونيا فى إسبانيا»، ومن إيطاليا إلى بلجيكا التى تعانى من الاستقطاب المزمن بين مكونيها السكانيين «الفلامان» و«الوالون»، وعودة إلى بريطانيا، التى تشهد خطرا أكبر فى حال مطالبة إيرلندا الشمالية وويلز بالانفصال أيضا على غرار اسكتلندا. هذا الخطر الذى تعانى منه أوروبا، كان محورا أساسيا لمعظم تحليلات الصحف الأوروبية التى اهتمت بمناقشة القضية من أكثر من زاوية، حيث اهتمت الصحف بمناقشة تداعيات الاستفتاء على انفصال اسكتلندا على المملكة المتحدة، بينما اهتمت صحف أخرى بمناقشة القضية فى إطارها الأكثر شمولا، حيث أبرزت مدى تأثر أوروبا الموحدة بتزايد الحركات الانفصالية على أراضيها، وفى هذا الإطار ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن موافقة الاسكتلنديين على الانفصال سيضع حدا لثلاثة قرون من الاندماج بين إنجلترا واسكتلندا، معتبرة أن الأمر لن يكون وقعه سهلا إذا اختار الاسكتلنديون الانفصال، ذلك أن المملكة المتحدة لن تعد تضم فى هذه الحالة سوى ثلاثة شعوب هى انجلترا، وويلز، وإيرلندا الشمالية، وتحت عنوان «اسكتلندا تعصف بالجنيه الاسترلينى» ذكرت صحيفة «لوسوار» البلجيكية أن احتمالات استقلال اسكتلندا عن لنجلترا لن تقلق فقط الدول الأوروبية من النزعات الانفصالية، ولكن أيضا الأسواق المالية، وقالت الصحيفة إن الأسواق المالية ستعاقب الجنيه الاسترلينى الذى تحلم اسكتلندا بالحفاظ عليه، حيث تقدر تكلفة استقلال اسكتلندا عشرات المليارات بالنسبة للندن. من جهتها، تبنت الصحف البريطانية حملة لرفض فكرة انفصال اسكتلندا، حيث أبرزت فكرة حدوث أزمات مالية واقتصادية كبيرة لإنجلترا، حيث ستتكبد خسارة هائلة، وأولها نفط بحر الشمال الذى ستتقاسمه مع اسكتلندا. على الجانب الآخر، اهتمت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية بمناقشة الأمر بشكل أوسع وأعمق، وتحت عنوان «أوروبا مهددة بحالة دومينو استقلالية» ذكر المقال الافتتاحى للصحيفة أن على الأوروبيين الآن النظر إلى هواجس تنامى دعوات ونزعات الاستقلال والانفصال فى بعض دول القارة على محمل الجد، نظراً لخطرها على مستقبل الدول الوطنية الأوروبية، خاصة أن احتمالية انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، قد يفتح الباب لزعزعة دعائم النظام الدولى المستقر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً مبدأ عدم المساس بالحدود فى القارة الأوروبية. وأكدت الصحيفة أن احتمال ظهور دولة جديدة بعدد سكان لا يزيد على 5 ملايين نسمة ليس من شأنه سوى فتح الشهية لتفتيت أوروبا المأزومة سلفاً.