فى أسوأ مواجهة بين موسكو والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة، تعود أوكرانيا لتشكل ساحة لصراعات القوى الكبرى التى تسعى لفرض نفوذها وسيطرتها على هذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجى والغنية بالثروات الباطنية بالإضافة إلى أنها تعد الممر الروسى إلى أوروبا لتمرير الغاز وإشرافها على البحر الأسود مما جعلها عرضة للتدخلات الخارجية بصفة مستمرة، وفى هذا السياق جاء حادث إسقاط انفصاليين موالين لروسيا لطائرة عسكرية، والذى أدى إلى مقتل 49 جنديا أوكرانيا فى مطار لوهانسك، ليزيد الأزمة اشتعالا. وصبت الولاياتالمتحدة الزيت على النار، حين أكدت على عبور دبابات روسية للحدود إلى داخل أوكرانيا لتزيد الموقف تعقيدا بين الجانبين الروسى والأوكرانى، فى الوقت الذى ذكرت مصادر تابعة لمنظمة حلف الأطلسى (ناتو) أنها التقطت صورا بالأقمار الاصطناعية تبين تقدم الدبابات الروسية نحو الحدود الأوكرانية.. وتحدثت الحكومة الأوكرانية عن توغل هذه الدبابات شرقى البلاد، بينما قال الانفصاليون الموالون لروسيا إن الدبابات التى رصدت تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، ولكن الناتو تقول إنها لا تحمل إشارات عسكرية. وعقب حادث إسقاط الطائرة العسكرية توعد الرئيس الأوكرانى بيترو بوروشنكو، بمعاقبة المتورطين فى ارتكاب ما وصفه ب «الحادث الإرهابى المشين»، وبخاصة أن هذا هو الحادث الثانى من نوعه خلال أقل من أسبوعين، بعد أن لقى جنرال أوكرانى مصرعه من بين 14 قتيلا سقطوا عندما أصاب الانفصاليون طائرة نقل هليكوبتر من طراز ام.آى-8 أواخر مايو الماضى، فى حين خلفت حملة «مكافحة الإرهاب» التى تقوم بها الحكومة الأوكرانية 270 قتيلا خلال الشهرين الماضيين دون أى تقدم يذكر على الأرض. وتجلت لعبة المصالح بين القوى الدولية وبخاصة القطبين الأمريكى والروسى ومعهما الاتحاد الأوروبى فيما يدور فى أوكرانيا مؤخرا، إذ فى الوقت الذى ساندت فيه روسيا نظام الرئيس الأوكرانى السابق فيكتور يانكوفيتش، والذى كان خاضعا لروسيا القيصرية، كانت الولاياتالمتحدة تعمل على تدعيم المعارضة الأوكرانية وتحركها وفق أجندات ذات صلة بالولاياتالمتحدة، ولكن بعد سقوط نظام يانكوفيتش، ومجىء الرئيس الأوكرانى بيترو بوروشنكو، وهو الموالى للغرب والولاياتالمتحدة، أخذت روسيا فى تزكية نزعات الانفصال فى شرق أوكرانيا مما يضع أوكرانيا بين فكى كماشة الولاياتالمتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى. وقبل أن يسقط الانفصاليون الموالون لروسيا طائرة النقل العسكرية الأوكرانية بصاروخ مضاد للطائرات، كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما يؤكد للرئيس الأوكرانى المنتخب، بترو بوروشنكو، على «التزام الولاياتالمتحدة التام» بمستقبل أوكرانيا، كما أعلن أوباما عن خطة لأمن أوروبا الشرقية بقيمة مليار دولار، باعتبارها «مبادرة لطمأنة أوروبا»، وهى الخطة التى مازالت تنتظر موافقة الكونجرس عليها، وتنص الخطة على نشر قوات أمريكية جديدة برية وبحرية وجوية فى أوروبا الشرقية. وفى سياق متصل، دعت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، روسيا إلى وقف زعزعة استقرار أوكرانيا تحت طائلة فرض عقوبات جديدة عليها، كما دعت المجموعة روسيا إلى إنهاء سحب قواتها العسكرية من قرب الحدود مع أوكرانيا ووقف تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى أوكرانيا» كما حثت روسيا على استخدام نفوذها لدى الانفصاليين المسلحين كى يلقوا السلاح ويتخلوا عن العنف. ومن جانبه، أعرب ديدييه بيركهالتر وزير الخارجية السويسرى والرئيس الدورى لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبى فى فيينا عن قلقه العميق إزاء تصاعد التوتر فى أوكرانيا، ودعا أطراف الصراع إلى الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس لاحتواء الوضع فى البلاد. وفى تطور آخر يهدد بنسف أى جهود لتسوية الأزمة المستعرة فى أوكرانيا، قامت روسيا بوقف كل إمدادات الغاز عن أوكرانيا، وذلك فى تصعيد كبير للخلافات المعتملة بين البلدين. وهو ما أكده وزير الطاقة الأوكرانى يورى برودان بقوله إن «إمدادات الغاز إلى أوكرانيا قد انخفضت إلى الصفر»، واعتبر رئيس الحكومة الاوكرانية ارسينى يتسانيوك أن روسيا تتعمد خلق المشاكل لأوكرانيا فى الشتاء المقبل، منوها إلى أن «القضية لا تخص الغاز».. وأنه «مخطط روسى لتدمير أوكرانيا» على حد تعبيره. وتصاعدت أزمة الغاز بين روسياوأوكرانيا بعد عزل الرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش، الموالى لروسيا، وسط مظاهرات شعبية ضده. ومؤخرا أعلنت شركة الغاز الروسية العملاقة «غازبروم» أن على أوكرانيا دفع ثمن إمدادات الغاز التى تحصل عليها مقدما، وذلك عقب تخلف كييف عن تسديد ديونها الهائلة للشركة، وقالت إنها ستقطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا فى حال فشل كييف فى سداد 1.95 مليار دولار. ولكن الشركة الروسية اكدت أنها ستستمر فى تزويد أوروبا بالغاز.